لجأت الكثير من الدول النامية في بداية دخولها عالم الانتاج والتصنيع الى اقامة مصانع ومرافق ضخمة تم امتلاكها بالكامل في بعض الدول والبعض الآخر طرحت جزءاً من ملكيتها للقطاع الخاص حيث تلقت هذه الصناعات والمرافق الوليدة دعماً حكومياً مباشرا كي تقف على قدميها املاً في ان تصبح احد روافد التنمية في المستقبل، ولكن ما ان بدأت هذه المشروعات في الانتاج والدخول الى الاساق العالمية والمنافسة فيها بل وتحقيق مكانة نوعية من حيث جودة الانتاج واعتدال السعر حتى سارعت الدول الصناعية الكبرى الى احياء مشروع قديم ولد بعد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في عام 1948م عبر وثيقة عرفت باسم (الاتفاقية العامة في الرسوم الجمركية) التي هي اساس اتفاقية الجات والتي ظلت مجمدة على مدى 47 عاما كما هي حتى تم تأسيس منظمة التجارة العالمية في الاول من يناير 1995م.
ومن المفارقات في هذا الموضوع ان تأسيس مركز التجارة العالمية بنيويورك قد جاء بناء على طلب الدول النامية لمساعدتهم في تنشيط صادراتهم ولكن منظمة التجارة العالمية رأت ان هذه الصادرات تتلقى دعماً حكومياً مباشراً مما يؤدي الى انفتاح في شركات ومؤسسات تعمل بدون كفاءة وتقدم منتجات قديمة وغير مرضية للمستهلكين مما يؤدي بها في نهاية المطاف الى غلق المصانع وفقد العاملين والموظفين لوظائفهم على الرغم من الحماية والدعم الحكوميين، ولذلك ستنكمش الاسواق وسينخفض النشاط الاقتصادي العالمي مما يهدد بكارثة اقتصادية عالمية وان المنظمة هي التي ستحول دون هذا الانزلاق في هاوية الحماية الحكومية المدمرة.
وبالطبع لم يكن ليكتب النجاح لنشأة هذه المنظمة لو لم تقدم اغراءات لانضمام الدول النامية اليها والتي من اهمها: حث الدول الصناعية على مساعدة الدول النامية من خلال جهود هادفة ذات معنى في ظروفهم التجارية, وبهذا الوعد الموثق في نظام تأسيس المنظمة سارعت الدول النامية الى الانضمام اليها حتى بلغ عددها 97 دولة من عضوية الجات التي بلغت 128 عضواً في نهاية 1994 مع سعي باقي الدول التي تقف على قائمة الانتظار الى التحول الى اقتصاد السوق لكسب ود هذه المنظمة ومنها: روسيا الاتحادية والصين الشعبية.
واذا افترضنا ان التفسير الذي ذهبت اليه المنظمة صحيح فانه ينطبق على الدول التي تعتمد في نظامها الاقتصادي على النظام الموجه الذي يعود بملكية الإنتاج وادواته الى الملكية العامة ولكن ماذا عن الدول التي تعتمد على النظام المختلط (وهي الغالبية) حيث تقدم دعماً محدوداً لصناعاتها ومرافقها الخدمية حتى بلوغ سن الرشد (ان صح التعبير) ثم تبدأ في خصخصة هذه القطاعات تدريجياً وطرحها للاكتتاب العام.
لم يعد هناك خيار من الانضمام الى عضوية المنظمة من عدمها فالمكان ليس شاغراً لدول منفردة بل لتكتلات اقتصادية واحدة اذ لم يعط هذا التسارع في ظهور هذه المنظمة الوقت الكافي للدول النامية للانتظار لما قد تسفر عنه نتائج الانضمام الى المنظمة وتأثيرات ذلك على التنمية الصناعية والتجارية والخدمية في بلدانها.
ولكنني اطرح تساؤلاً اجده ملحاً وهو: لماذا توقفت المنظمة مدة 47 عاماً حتى رأت النور في عام 1995م؟ ولماذا تم تفعيلها في هذا الوقت بالذات؟ وخاصة ان بعض الدول النامية قد بدأت بالفعل في مزاحمة المنتجات الاوروبية والامريكية في الأسواق العالمية.
ان اجابة منطقية لهذا التساؤل تعادل المنطق الذي اعلنته المنظمة في ضرورات نشأتها.
رئيس قسم الإعلام بغرفة الرياض .
سعود بن عبد العزيز اليمني