Sunday 25th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 9 محرم


التربية الإسلامية تكفل قيام المجتمع الصالح

أحسنت جريدة الجزيرة الموقرة صنعا عندما نشرت في العدد رقم 9462 - مقالين حول (التربية الاسلامية للأطفال) الأول: بعنوان (المواطن الصالح) للأخ محمد بن عبدالله الفوزان ، والثاني بعنوان (لنجعلهم يقتدون بالصحابة الكرام) للاخ محمد الفهيدي، وكلاهما يوضح أهمية التربية الاسلامية للأطفال - لأنها (بمثابة نقطة البداية في عملية تكوين المجتمع وبنائه بناءً سليما).
* والتربية الاسلامية هي التي تكون وفق القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، فدور القرآن الكريم في حياة المسلم والمجتمع لايضاهى، وفوق كل تأثير، ولقد بنى القرآن فكرا، وبشرا قادا العالم طيلة قرون، وهو أكبر مصدر للتربية الاسلامية التي ان شب الطفل عليها - كانت له عندما يكبر جسر خلاص واداة صلاح ونجاح.
والقرآن الكريم يقدم لنا التربية الاسلامية بطريقة الموعظة، والتبشير، والانذار، والتذكر، والدعوة للقيم، وبطريقة القصة والرمز، والمثل، واكتشاف العبرة.
وكذلك السنة النبوية المطهرة نجد فيها المعاني الانسانية الرفيعة وكفاح الرسول صلى الله عليه وسلم لبناء النفس المؤمنة وتنشئتها على هدي من كتاب الله وسنة رسوله.
* وعليه فان التربية الاسلامية تكفل قيام المجتمع الصالح واساسه الاسرة الصالحة، والفرد الصالح.
* والتربية الاسلامية تستهدف الحفاظ على الفطرة النقية، وكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه ينصّرانه او يهودانه أو يمجسانه رواه مسلم.
* والتربية الاسلامية تربية لفطرة الانسان، وتسمو بغرائزه - فالانسان مسلم بفطرته ، قال تعالى واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا - الاعراف (172).
* والتربية الاسلامية تربية دينية ودنيوية - اي انها تربية تكاملية) يقول تعالى وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا - القصص (77).
* وهي محافظة ، ومجددة: محافظة بما تقوم عليه من مبادىء سماوية خالدة وتقاليد ثابتة وقيم اصيلة تمتد بجذورها الى ما يزيد عن أربعة عشر قرنا من الزمان، وتعمل التربية الاسلامية على ترسيخ هذه المبادىء في نفوس النشء وصياغة الشخصية الاسلامية المتكاملة التي تؤمن بربها وبالرسل، والكتب، والملائكة، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره, غير ان التربية الاسلامية ليست جامدة ولا متحجرة فهي تصلح لكل زمان ومكان، والمسلمون تتجدد احوالهم المعيشية بتغير الأزمنة مع الاحتفاظ بالمبادىء والقيم الاسلامية - ولهذا يجب على التربية الاسلامية ان تنقل للنشء كل علوم العصر التي لا تتعارض مع القيم الاسلامية من أجل رفع شأن المسلمين والنهضة المستمرة بالمجتمع الاسلامي والوفاء بالمطالب المتجددة للمسلمين.
* هذا - ومن المهم ان نؤكد ان التربية الاسلامية وان كانت عملية (مستمرة) - من المهد الى اللحد الا انها تأتي بثمارها المرجوة وأهدافها المبتغاة اذا بدأت من مرحلة الطفولة المبكرة - لان الطفل يكون لبنة طيعة في يد المربي، ولذلك فقد أكد الكثيرون من علماء المسلمين على ان مرحلة ما بعد الفطام هي بداية التأديب والتربية وذلك (كما يقول ابن سينا) - (قبل ان تهجم عليه الاخلاق اللئيمة وتفاجئه الشيم الذميمة) - وفي هذا وقاية له من مساوىء الأخلاق لان هذه ان تمكنت منه استحال إزالتها، لذلك (ففي الاسراع بإعطاء الولد العادات الصالحة والاخلاق المحمودة - غنم وابتعاد عن الرذائل والمقبوحات).
فالتعليم في الصغر كالنقش على الحجر، والإنسان كلما كبر كثرت عوائقه, وكما قال الامام علي رضي الله عنه ان (قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته، وانما كان ذلك لان الصغير افرغ قلبا واقل شغلا وايسر تبدلا واكثر تواضعا).
ويرى الجاحظ ان التعليم في الصغر يحلي بالمحمود ويمنع الوقوع في المذموم - ذلك ان نفس الصبي تكون صفحة بيضاء مستعدة للتأديب صالحة للعناية، ويكون مستعدا لقبول الخصلة وذا نفس ساذجة - غير منقوشة بعد بصورة - بمعنى اننا نستطيع ان ننقش في النفس الصورة التي نشاء فتنشأ النفس على ما عودناها، وما نقشناه فيها.
ويوضح (مسكويه) اهمية التربية الاسلامية المبكرة فيقول: ان نفس الصبي ساذجة لم تنتقش بعد بصورة، ولا لها رأي وعزيمة تميلها من شيء الى شيء، فاذا نقشت بصورة وقبلتها نشأ عليها واعتادها ويدعو الى ان (نسارع بتأديب الصبي واعطائه المحمودات سلوكا وافكارا).
ويوضح (الطوسي) وجوب البدء بالتربية الاسلامية بعد الفطام مباشرة - فيقول : (اذا أتم الطفل الرضاعة ينبغي تأديبه بالأخلاق الحسنة قبل ان تتحكم به المضرات (الرذائل) و(المهلكات).
- ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حينما طالبنا بالتبكير في أمر الأولاد بالصلاة في قوله: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع - رواه أبو داود وأخرجه أحمد.
* وقد حض الاسلام الاهل على تربية الاطفال التربية الاسلامية.
قال تعالى (ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين - يسن (10).
وتشير هذه الآية الى ان الله سبحانه وتعالى لا يكتب للمرء اعماله فقط بل يجزيه ايضا عن آثاره بعد موته - ان خيرا فخير، وان شراً فشر.
ولماء كان الأولاد من أعظم آثار المرء، فانه تعالى يكتب لأبويهم ثواب ما يعملونه من حسنات دون ان ينقص من حسناتهم شيء - كما يكتب لأبويهم سيئاتهم اذا أهملوا تربيتهم.
- وقال سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة (التحريم: 6)
ورقابة الأهل - أي: الزوجة والأولاد - تكون بتربيتهم وتعليمهم التربية الاسلامية الصحيحة.
- وقال عز وجل: والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما (الفرقان 74) فالمؤمنون الواعون - حريصون - كما تشير الآية السابقة على ان تكون ذرياتهم صالحة لتكون قرة أعين لهم وذخرا في حياتهم وبعد مماتهم - قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث - صدقة جارية - أو علم ينتفع به - أو ولد صالح يدعو له - رواه مسلم.
فالولد الصالح ينفع والديه بعد موتهما.
وقال صلى الله عليه وسلم: ان الرجل لتُرفع درجته في الجنة فيقول أنّى لي هذا ؟ فيقال باستغفار ولدك لك والتربية الاسلامية للطفل ستجعله يتعود باكراً على ممارسة التكاليف الدينية، وحتى تترسخ فيه الشعائر والفرائض وروح الايمان ، وبذلك نضمن للمتعلم الوقاية من المذمومات.
ولقد بيّن القرآن الكريم وصايا لقمان لابنه التي تصلح لأن تكون دستورا للتربية الاسلامية يسير على هديه الآباء ويتمسك بنهجه المربون - فأول ما حذر لقمان ابنه منه: الشرك بالله - واذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني لاتشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم لقمان 13, والرسول عليه الصلاة والسلام عندما أراد ان يعلم ابن عباس التربية الاسلامية الصحيحة حذره من الشرك بالله - قال ابن عباس كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ياغلام احفظ الله يحفظك - احفظ الله تجده تجاهك - اذا سألت فاسأل الله ، واذا استعنت فاستعن بالله، واعلم ان الأمة لو اجتمعت على ان ينفعوك لن ينفعوك الا بشيء كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على ان يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك - جفت الاقلام ورفعت الصحف (رواه البخاري ومسلم والترمذي).
وهذا الحديث يوضح حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان يربي هذا الغلام (ابن عباس) على أعظم مبادىء التوحيد بطاعة الله سبحانه وتعالى) وعدم الاستعانة بغيره، ولزوم التوكل عليه والايمان بعقيدة القضاء والقدر مما يثير في النفس العزة والاقدام والعمل وعدم الخشية من احد غير الله.
كرم عبدالفتاح حجاب
جامعة الإمام - الرياض
المراجع:
(1) د, نبيل السمالوطي - المنهج الاسلامي في دراسة المجتمع, جدة 1406ه.
(2) د, علي زيعور - التربية وعلم نفس الولد في الذات العربية.
بيروت 1985م.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved