Sunday 25th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 9 محرم


مساحات بيضاء
جدلية الثبات والإزاحة,,, 4-4
ريمة الخميس

هل يمكن أن نطيل الوقوف إلى هذا الحد، ونختلف برغبة مسبقة للاختصام، حول اختيار المفردة المحظوظة، التي اصطفاها زمانها لتتحرر من قصر المفرد وخناقه، إلى براح الاصطلاح وذيوعه، مأثورة بدور للتاريخ، وأسباب للبقاء، دون أن يكون لها- في جسدها الصوتي- ما يميزيها عن غيرها؟، وأعجب من ذلك أن تشغلنا تلك الخلافات حتى تصرفنا عن المهمة، ليتبدد الجهد كله في البحث عن الأصول الاشتقاقية، والفوارق الدلالية، والامكانيات الايعازية، دون أن يبلغ شيئاً من الفكرة ذاتها، أو العملية، التي استثارت هذا الخلاف حين رأى أولياء الأمر أن يمنحوها -ككل وليد جديد- اسماً وتاريخاً للميلاد، مع أنها ليست وليدة، ومع أنها لم تطالب بهذا الحق، فوجودها بذاته مؤكد لذاته، تم اكتشافها أو لم يتم، سميت أو ظلت محررة من الأسماء,,أعني ان ذلك النضال، وتلك الاستماتة في الدرس اللغوي، تكريس له أهميته في اثراء اللغة، ولكنه يبقى بلا طائل لا يفيد في شيء في شرح العملية الابداعية ذاتها، ولا يضيىء منها الا سطوحها الخارجية!، أليس دليلاً على التبدد أن تبقى تلك القضية في استحواذها على هذا الطرح هنا، نتخبط في الفكاك منه، مع أن الفكرة الأساسية التي أحاول الاقتراب منها لا علاقة لها بكل هذا؟!.
الفكرة عما يمكن أن نسميه الازاحة ، ولأن هذه المفردة قد تداولتها أسواق المصطلحات في سياقها الدلالي، فلعله يتوجب الحاق صفة محددة ومميزة لها، لتكون الازاحة الرؤيوية لا كبديل أو مقابل يتوازى مع الازاحة الدلالية وانما كبعد آخر يبدأ من حيث تنتهي الحدود الرسمية لمناطق نفوذ الازاحة الدلالية، أو قد نختار للفكرة اسماً آخر، منعاً لأي التباس، ونجاة من الدخول في أي قتال، وانما قبل ذلك أعرض للفكرة.
الفن عموماً -كل أشكال الابداع- هو اعادة صياغة للتجربة الحياتية على نحو مجاوز، وبمنطق مغاير -من عديد من الزوايا- لمنطقها، وهو عبر هذه الفعالية لا يطرح بديلاً ممكناً للحياة ذاتها فليس بوسعنا أن نبني بيتاً من الشعر ونسكن فيه ، ولا يعرض مقابلاً موضوعياً مجازيا يتوازى معها ويحاذيها، من هنا قصور مصطلح الازاحة الدلالية في اشارته إلى شيء من صميم العملية الابداعية كما سنرى ، ولكنه -الفن- يوازي الامتداد الموعود للحياة، والذي لم تبدأ منه أولى خطواته بعد، أي أن الفن حقيقة يبدأ من قبالة نقطة ينتهي عندها امتداد مسار الحياة، ليوازي خطأ مفترضاً -بالنقط- ومرشحاً لها حين تمتد، وليواصل مساراً في المجاز مساوياً لمسار الحياة ذاتها وراءه,, انه في هذا الموقع يشبه مرآة، تنعكس على وجهها صور الحياة التي مضت كاملة، ليس على نحو ما مضت، وانما على نحو يدفع بالحياة في تقدمها المزمع الى محاكاة الفن كي تجمل من نفسها,,!
أليس هذا صحيحاً؟
ما أظن أن ثمة خلافاً بينه وبين ما نردده، منذ منظري اليونان، دون أن نتأمله -بهذا التصور المكاني على الأقل- من أن الفن لا يصور الحياة كما هي، بل كما ينبغي أن تكون.
الازاحة الدلالية، كتشخيص اصطلاحي للخروج بالخطاب الحياتي الى خطاب فني، ولتحريك الدلالة في المفردة من الاقتصار على كونها اشارة مرجعية الى سياق حياتي أبتذلت فيه، إلى كونها طاقة حافلة بقدرة التفجير والاثارة في ذلك الخطاب الجديد، تلتقط شواهد مصداقيتها على قارعة الطريق بين الحياة والفن,.
كذا يقاس حجم الازاحة الدلالية ومداه بطول المسافة بين تجربة الحياة وبين التجربة الجمالية، تلك المسافة التي يستدل عليها من تغير مجال الاشارة ومداه في المفردة المسهمة في تشكيل الخطاب الابداعي، أي ان القياس يجري على امتداد المسافة بين الحياة وبين سطح المرآة التي يبدأ من عنده الفن! ولا يتوغل في ذلك البعد المترامي داخل المرآة، حيث في البعيد يتراءى -دون أن يدرك- أفق لمدى ، طوله بطول الحياة ذاتها، يظل يشرئب إليه الفن دون أن يبلغه، فكلما قطع اليه مسافة، تمددت في نهايته أخرى,,، هنا على طول هذا الدرب المجازي تمارس -أو ينبغي ان تمارس- اجتهادها الازاحة الرؤيوية لتتأمل الاحالة المرجعية للمفردة في خطابها الفني إلى دلالات جديدة لها في المدى من ذلك الأفق الرؤيوي,.
الازاحة الدلالية تأمل نصوصي ،IN DICTION ، والازاحة الرؤيوية تأمل فوق نصوصي SUR DICTION يمكن أن نسميه,,، في تلك الازاحة الدلالية رد القياس للمفردة في الخطاب الفني إلى أصولها المرجعية الحياتية نزول بالفن، تقييد له إلى ثبات الارتهان بالحياة، ومده في الازاحة الرؤيوية إلى الأفق المطلق الذي يشير إليه الفن دون أن يبلغ سقفه صعود به، وتحرير له، حافز إلى تحقق خلف المحال, لكن المشكلة أن المهمة الأولى يمكن أن ينهض بها ناقد مجيد للغة، أما الثانية فتبقى بحاجة إلى ناقد فنان وفيلسوف، لم يتوفر لنا إلى اللحظة.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved