Sunday 25th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 9 محرم


التكامل والتناقض في النظام الإعلامي الخليجي
خطاب بعض الفضائيات مغترب ويقود إلى الفوضى باسم حرية الإعلام
د,محمد شومان

هل يوجد نظام اعلامي خليجي؟ السؤال يطرح نفسه بالحاح بعد ان اثيرت مؤخراً مجموعة من التساؤلات حول ادوار ووظائف بعض القنوات الفضائية الخليجية، وعلاقة الخطاب الذي تقدمه بالسياسات الاتصالية لدول مجلس التعاون الخليجي، وبالاهداف التي تسعى الى تحقيقها شعوب الخليج العربي.
وبداية يمكن القول بان دول الخليج التي تنتظم في مجلس التعاون الخليجي تشكل فيما بينها نظاما اقليمياً متفاعلاً مع النظام الدولي من جهة، والنظام الاقليمي العربي من جهة ثانية، وهذا التفاعل يتضمن قدرا من الاستقلال النسبي للنظام الخليجي عن النظامين العربي والدولي، فضلاً عن وجود اهداف يسعى النظام الخليجي لتحقيقها دون ان تتناقض مع اهداف النظام الاقليمي العربي, ولا شك ان اهداف النظام الاقليمي الخليجي تعكس الخصوصية التاريخية والمجتمعية لشعوب الخليج، في هذا الاطار من المفترض ان يسعى النظام الاعلامي الخليجي لتحقيق مجمل الاهداف السياسية والثقافية للنظام الاقليمي الخليجي، بعبارة موجزة اذا كان هناك نظام اقليمي خليجي فمن البدهي ان ثمة نظاماً اعلامياً خليجياً يعبر عن هذا النظام ويتفاعل معه، ويسعى لتحقيق اهدافه السياسية والثقافية والتي لا تتناقض مع اهداف وغايات النظامين الثقافي والاعلامي العربي, اي ان التكامل وليس التناقض او الصراع هو ما يجب ان يحكم علاقة النظام الاعلامي الخليجي بالنظام الاقليمي الخليجي.
في هذا السياق يمكن تعريف النظام الاعلامي الخليجي بانه كيان مركب يتضمن الهياكل الاعلامية والعمليات الاتصالية التي تتم عبر وسائل الاتصال الجماهيري داخل النظام الاقليمي الخليجي بهدف تحقيق اهدافه وغاياته والملاحظ ان معظم الهياكل او الوسائل الاعلامية داخل النظام واكثرها تأثيراً تتبع بصورة مباشرة النظم السياسية القطرية داخل النظام الاقليمي الخليجي بينما يقل تأثير وفاعلية الهياكل أوالوسائل الاعلامية المشتركة بين دول الخليج.
وهذه الطبيعة المزدوجة لوسائل وهياكل النظام الاعلامي الخليجي تثير مشكلات، وتطرح اشكاليات لعل اهمها هل توجد سياسة اعلامية خليجية تحدد اهداف وتوجهات النظام الإعلامي، وتقترح آليات العمل التي ينبغي الاعتماد عليها، ثم ما مدى فاعلية هذه السياسة بمعنى هل تلتزم وسائل الاعلام الخليجية بها، وهل يعني الالتزام بها نفي الاختلاف بين الخطابات الوطنية (القطرية) الذي تقدمها وسائل الاعلام الخليجية، واذا سلمنا أن الخلافات امر طبيعي داخل اي نظام اقليمي، فما هي حدود هذه الخلافات وكيف يمكن مناقشتها بحيث لا تمس بالقواعد الاساسية للنظام الاقليمي الخليجي واهدافه الكبرى.
التساؤلات والاشكاليات السابقة لا بد وان تطرح للنقاش العام، وان تكون من أهم عناصر تقييم اداء بعض القنوات الفضائية الخليجية التي تقدم خطابا براقا يتسم بالاثارة السياسية دون ان يتطرق الى مشكلات النظام الخليجي او النظام الاقليمي العربي، بل يطرح هذا الخطاب اجندة للقضايا لا تعبر عن الواقع الخليجي او العربي، بل تخدم مصالح تتناقض مع المصالح العربية بعامة.
ان خطاب بعض الفضائيات العربية يبدو وكأنه بلا وطن او انتماء او هوية فالقضايا تبدو كلها متساوية ولا تظهر اي علاقة بين مضامين هذا الخطاب وبين النظام الذي يعمل في اطاره، والبيئة التي من المفترض ان يعبر عنها, انه باختصار خطاب مغترب عن واقعه وعن بيئته، لكنه كما يرى منتجوه والمتحمسون له خطابا ديمقراطياً بمعنى انه يؤمن بالحوار وتعدد الاراء، وعدم وجود سقف يحد من حريته وانطلاقه، ومثل هذه السمات تبدو صحيحة جزئياً لكنها تقود الى الفوضى، ولا ينتج عنها تغيير ملموس للافضل، اذ لا يوجد نظام اعلامي قطري او اقليمي يعمل بمثل هذه الافكار والآليات التي تحدث ضجيجا بلا طحين، وتقود للفوضى والاضطراب داخل النظام، وعلى سبيل المثال ففي اكثر الديمقراطيات الغربية تقدماً يعمل النظام الاعلامي في اطار صيغة تكاملية مع نظام المجتمع ووفق اجندة من القضايا والاولويات المتفق عليها والتي تحقق مصالح المجتمع، وهذا الدور التكاملي لا يحول دون اختلاف الاراء أو تعدد الخطابات الاعلامية، لكنه تعدد واختلاف في اطار من احترام مسلمات وفرضيات نظام المجتمع، ونظرة سريعة لاداء النظام الاعلامي الامريكي اثناء ازمة غزو العراق للكويت، أو في اثناء توجيه ضربات جوية للعراق توضح المقصود بالتكامل الوظيفي بين النظام الاعلامي ونظام المجتمع، ان النظام الاعلامي الامريكي القائم على الملكية الخاصة والتعدد يسمح باختلافات عديدة وحارة، لكن ثمة قضايا اساسية يتفق عليها ويعمل في اطار تكاملي مع بقية وحدات نظام المجتمع.
واذا انتقلنا الى اداء النظام الاعلامي الامريكي ازاء مشكلة كوسوفو وضربات حلف الناتو ضد يوغوسلافيا سنجد قدراً من التكامل الوظيفي الذي تحدده المصلحة الوطنية الامريكية والمصالح العليا لحلف الناتو.
الأمثلة السابقة هي مجرد احالات سريعة لفكرة التكامل الوظيفي بين النظام الاعلامي والنظام السياسي في اكثر المجتمعات الغربية تطبيقاً لحرية الاعلام وديمقراطية تداول المعلومات والآراء، وهي مجتمعات تختلف في كثير من الوجوه عن مجتمعات الخليج، ورغم هذه الاختلافات المعروفة نجد ان بعض الفضائيات العربية تحاول تقليدها، لكنه تقليد مشوه، وناقص، فقد نقلت هذه الفضائيات آليات الخلاف والصراع دون ان تنقل او تتعلم آليات التكامل والوفاق، وبالتالي فهي تقدم خطابا مبتسرا ومشوها، ومغتربا، ولا يقود الا للفوضى، حيث يسيء لمشروعية هذا الخطاب والقوى التي تدعمه، كما يعرقل قدرة وفاعلية النظام الاقليمي الخليجي على تحقيق اهداف وغايته، من هنا ضرورة مناقشة اوضاع هذه الفضائيات ككل، ومراجعة فلسفة عملها واهدافها في ضوء احتياجات واهداف النظام الاقليمي الخليجي، وضرورات الوفاق والتكامل بين النظام الاعلامي والخليجي والنظام السياسي والثقافي الخليجي، لان هذا التكامل يحقق مشروعية النظام الاعلامي الخليجي ويدعم من مصداقيته لدى الجماهير.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved