Sunday 25th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 9 محرم


حفّارو القبور في زمن العولمة

حفارو قبور!! إنهم كذلك يسيطرون على العالم من دون ان يردعهم رادع، فيعيدوننا إلى زمن الاستعمار متحكّمين بالدول الفقيرة الآخذة بالتقهقر.
إن النظام العالمي الذي خلّفه الاستعمار المتحكم بفضله خمس سكان الارض بأربعة اخماس من مواردها، يؤدي كل سنة إلى وفاة 60 مليون كائن بشري من المجاعة او سوء التغذية.
وللأسف، فإن هذا النظام العالمي يكلف الجنوب دولا وشعوبا بما يشبه مأساة هيروشيما كل يوم.
هيروشيما!! هل يحق لنا تشبيه العالم الثالث بها؟! بالطبع, فكما عانت هيروشيما من لا مبالاة الغرب وكانت حقلا لتجاربه، يدفع العالم الثالث اليوم ثمن نمو هذا الغرب وتطوره.
يقول روجيه جارودي في كتابه نداء جديد إلى الأحياء : لقد أدّت خمسة قرون من الاستعمار الى نهب ثروات ثلاث قارات، وإلى تدمير اقتصادها، وكذلك إلى المبادلات غير المتكافئة وإلى الديون.
وفي هذا العصر، ناب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير ومنظمات اخرى عن هذا الاستعمار، واستمرت هذه المؤسسات والمنظمات في فرض قوانين السوق الغربية على العالم الثالث, إن هذا اختلال يقوم على الرعب والتحدي والقهر.
ونتيجة لذلك، فقد اصبحت سفينة الارض التي نركبها جميعا، وبعد أكثر من خمسة قرون من السيادة الغربية، مهددة اليوم بالغرق، إذا ما بقي الوضع على هذه الحال واستمر الاتجاه إلى ذلك الغرب.
كتب مالرو - ذات مرة - قائلا: ان حضارتنا هي الحضارة الوحيدة في التاريخ التي تجيب على سؤال: ما معنى حياتنا؟!، بلا أعرف .
يقول جارودي في كتابه السابق: يضني قلق عظيم في نهاية قرننا هذا، ملايين الرجال والنساء، وليس هذا القلق سوى وليد البطالة والشقاء وانعدام الأمن والعنف, ويعززه شعورنا بأن حياة كل منا الخاصة وتاريخنا المشترك قد فقدا معنييهما، فيكتب الشبان على قمصانهم ليس من مستقبل !!.
ثم، أليس العالم مهدداً بدخول زمن الانحطاط بسبب سيادة العولمة وتوحيد السوق؟!
إن الانحطاط على مستوى الفرد هو انطواء الفرد الأناني على ذاته، ورفض مسؤوليته تجاه الآخرين وهو علىمستوى الجماعة، رغبة السيطرة.
فعبادة السوق وملكية المال المطلقة يؤديان بمجتمعاتنا إلى الانحطاط فالموت.
وقد أصبح الاعلام سوقا ضخما اوسع من سوق الصناعة والمال في ما يسميه آلان كوتا بالرأسمالية الوساطية وقد سمح تخصيص مجموعة المحطات الاذاعية أو التلفزيونية بجعل الحدث سلعة، وتكييفه وفقا لذوق الزبون, وقد اصبح الاعلام داعما للدعاية التي تتحكم بتمويل البرامج واختيار المقدمين.
فالتلفزيون يتغلب على المدرسة، لأنه يعفي الافراد من جهد التعلم, وتمهد متعة مرور الصور الانتقال من الطفولة المتلفزة إلى الشيخوخة السياحية، وكما كتب مارك فومارولي التلفزيون سياحة ثابتة، والسياحة تليفزيون متحرك.
وللأسف فلم يقض التلفزيون على المدرسة فحسب، بل قضى ايضا على السياسة, فمن جهة الطلب، ليس شيء اسهل من حكم شعب أميّ, ومن جهة العرض، ليس من وظيفة في السلطة، الاعمال او الفنون من دون مسحة التلفزيون, إنه المجتمع الذي يحكمه السوق, فمظهر المرشح اهم من مشاريعه او اقواله.
ومن ثم، يمكن القول ان الثقافات الاوروبية تتجه نحو الطابع الامريكي في الميادين كلها ولأسباب السيادة الاقتصادية, حيث لا تستطيع اسواق اوروبا التلفازية المنافسة.
ويبقى المثال الأوضح مثال التلفزيون، الذي يطلق المشاهير والنوابغ بصناعة امريكية.
إن مشاكلنا الاساسية: الفقر والمجاعة والتلوث البيئي والبطالة والهجرة والعنف والمخدرات والانحراف والحرب، ناتجة عن مشكلة رئيسية هي تمزيق العالم ما بعد الاستعمار.
ويكمن مفتاح علاج مشاكلنا الاقتصادية في تغيير علاقة العالم الغني مع العالم الثالث تغييرا جذريا، وبتغيير نموذج النمو الغربي تغييرا جذريا.
وهكذا تتاح لدول العالم الثالث امكانية إحداث انماط تطور داخلي، لا تخضع للنماذج المفروضة من صندوق النقد الدولي، المسببة للديون والتبعية والبؤس.
وختاماً أقول: ينبغي ألاّ يُنظر الى العالم الثالث باعتباره مصباً لفائض انتاج العالم الغني الذي ينتج بهدف الهدر والتسلح, بل ينبغي تحويل صناعات العالم الغربي وتغيير نمط عيشنا لتلبية حاجات العالم الثالث الاساسية.
وهكذا يخرج العالم الثالث من المأزق؟!,.
د, زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved