يرى المراقب الفني المحايد، والمتابع لما يجري على الساحة الكروية، ان فوز الشباب على شقيقه الهلال في المباراة النهائية على كأس سمو ولي العهد التي جرت مساء الجمعة الماضية كان أمراً متوقعاً.
ولا يحتاج من يصدر مثل هذا الحكم,, او التوقع إلى نوع من الحصافة أو الخبرة - وما إلى ذلك من أمور، بقدر احتياجه إلى ان يتصف بصفتين.
- البعد عن العاطفة.
- النظرة التحليلية الشمولية، وليس النظرة المحدودة الظاهرية المحفوفة بالهالة الاعلامية او ما يطلق عليه في المصطلح الاعلامي ب)Propaganda( ويخطئ من يظن ان الهلال قدم المباراة على طبق من ذهب للشباب, ويخطئ أكثر من يعتقد انه كان بامكان الهلال تحقيق فوز سهل على الشباب.
صحيح ان هناك اخطاء فنية وقع فيها الهلال ساهمت في خسارته بل خروجه بهذا المستوى المتواضع,, لكن ذلك لا يلغي جدارة الشباب وأحقيته بالفوز,, بل هذا كله في علم الغيب إذ لا نعلم ماذا لدى الشباب من قدرات على تجاوز الهلال لو لم تحدث تلك الاخطاء وهو اهل لذلك,, وليست هذه المباراة هي الدليل أو المستند الوحيد لهذا التفوق او لهذه الامكانات.
لقد دخل الفريقان المباراة بنظرة واحدة وخلفية متشابهة من حيث المبدأ وان اختلفت من حيث الاثر والتأثير بدءا من نهائي دوري كأس خادم الحرمين الشريفين الموسم الماضي الشهير,, وانتهاء بوصولهما لهذا النهائي,, بل وما قبله بساعات مرورا بمشاركاتهما الداخلية والخارجية خلال هذا الموسم، واستطاع الشباب التعامل مع ما مرت به من احداث بصورة افضل من شقيقه الهلال، ومن ثم استثمار ذلك في المحصلة النهائية.
لم يكتف الشباب بدراسة نفسه,, بل كان في ذات الوقت يدرس الآخر,, ويحلل تراكيبه.
كان الهلال غارقا في بحر تجميع النقاط دون قواعد ثابتة تستند عليها وكان الشباب يدرك انها تأخذ الشكل العمودي.
وكان الهلاليون ما قبل المباراة يرقصون العرضة ويتمايلون مع السامري,, ويبتسمون لآلات التصوير وكان الشباب في مقاعد المتفرجين على العرض الهلالي المسرحي.
لا نريد ان نفسد على الشبابيين فرحتهم لنترك الحديث عن الهلال لموضوع آخر ربما غدا بإذن الله وليكن حديثنا هنا عن الشباب.
قبل عشر سنوات قال الاستاذ محمد جمعة الحرإبي وكان في ذلك الوقت رئيسا لنادي الشباب: ان الشباب سيحقق بطولة الدوري بعد سنتين.
وهو ما حصل بالفعل,! وكان لذلك التصريح دلالاته المختلفة التي تتجاوز إطار الفوز بالبطولة، واذكر انني كتبت عن ذلك عندما حقق الشباب بطولة دوري كأس خادم الحرمين الشريفين في تنظيمه الجديد وهي اول بطولة بهذا المستوى وكان الشباب قد تصدر المرحلة التمهيدية، مما يؤكد جدارته بالتفوق آنذاك.
ويبدو ان أبا حامد في تصريحه ذاك اراد ان يخفي شيئا اما تواضعا,, او رغبة في ترك الايام تتحدث عنه في حينه,, (لحاجة في نفس أبي حامد) الذي اكتفى باعلان ذلك بصيغة فردية,, او احادية,, دون ان يشير إلى انها بداية عهد البطولات الشبابية, او انتقال الشباب من الهامش الى المتن,, ومن الكومبارس إلى دور البطولة المطلق والرئيسي، وهو ما حصل بالفعل.
فبدءا من ذلك التاريخ وتحديدا عام 1411ه وحتى آخر ايام العام الهجري 1419ه حقق الشباب ست بطولات محلية كبرى (3 كأس دوري خادم الحرمين الشريفين ومثلها كأس سمو ولي العهد)، انطلق من خلالها الى الفوز بأربع بطولات خارجية,, اي انه حقق عشر بطولات خلال تسع سنوات عدا مراكز متقدمة صعد خلالها منصات التتويج.
وهو رقم جيد,, وقياسي إذ يعادل بطولة أو أكثر في كل موسم,, ويدل على تخطيط سليم ومدروس لا دخل للصدفة, او الحظ فيه,, وإذا ما سار الشباب على المعدل نفسه، فإن المستقبل ولاشك سيكون شبابيا، واعتقد انه ساع لذلك إذ ان المتابع للمسيرة الشبابية,, وللاسلوب الذي يدار به النادي ويسير عليه سواء من خلال ادارته الداخلية,, او تنمية علاقاته مع الآخرين,, يدرك هذه الحقيقة.
فمنذ ان تسلم صاحب السمو الامير خالد بن سعد بن فهد ادارة النادي قبل عقدين من الآن تقريبا,, رسم سموه سياسة واضحة للنادي، وصحبه منذ خمسة عشر عاما شاب متحمس تحدوه الرغبة في العمل حيث تولى ادارة العلاقات العامة في النادي واعطى مفهوما جديدا لمعنى العلاقات العامة في الاندية والدور المنوط بها، وتدرج هذا الشاب ليصل إلى مركز قيادي في النادي,, واعني الاستاذ محمد النويصر نائب رئيس مجلس الادارة حاليا.
ومنذ ذلك العهد ,, والشباب يسير وفق خطة واضحة المعالم وسياسة ثابتة، حتى في فترات ابتعد فيها سمو الامير خالد وتسلم رئاسة النادي الاستاذ محمد جمعة الحربي، وأخرى سليمان المالك,, كانت السياسة الشبابية تسير وفق ما هو مرسوم لها,.
سياسة الاستقرار الاداري.
والثبات على المبادئ.
ومعرفة كل لدوره.
وتحديد أطر العلاقة بين الجميع.
ويكاد الشباب يكون النادي الوحيد الذي لا يعاني مشاكل مما تعانيه الاندية الاخرى,, او لاعبو الاندية الاخرى.
والفريق الذي لعب امام الهلال مساء الجمعة وفاز بكأس سمو ولي العهد خير مثال على ثمرة التخطيط السليم فيما يتعلق بكرة القدم.
فريق يافع,, جله من جيل الشباب عمراً وجيل الشباب انتماءً.
أسماء غير معروفة قياسا بالآخرين وبالتاريخ الكروي.
انتصرت على ذاتها اولا,, وعلى منافسها ثانيا,.
أعطيت الثقة فكانت اهلا لها,, ومنحت الفرصة فعضّت عليها بالنواجذ,, وهي هدية الشباب إلى جمهوره مع العام الهجري الجديد,, ومع الدخول إلى القرن القادم.
شباب سبق الزمن,, وحان قبل وقته وجاء في عصر غير عصره,.
ولعلي هنا لا أقلل من نادي الشباب,, او من انتصاره,, او أقلل من قدره لو قلت ان الشباب لعب هذه المباراة وفي هاجسه ذكرىنهائي كأس خادم الحرمين الشريفين الموسم الماضي والذي خسره امام الهلال نفسه بثلاثة اهداف بعد ان كان متقدما بهدفين وجاء هدف التعادل الهلالي في الثانية الاخيرة من المباراة.
الشباب كان يدرك ذلك,, ويتخوف من تكراره فهو لا يلعب امام فريق عادي,, وانما امام فريق كبير,, ملوء بالنجوم.
ولو تحرر من خوفه,, ونسي الفريق الذي امامه,, لربما فاز بنتيجة اكبر في ظل ظروف المباراة لكنه لعب بحذر,, وبسياسة الفوز من اقرب وايسر الطرق وأسهلها,, وعصفور في اليد,,) وهي خطوة تحسب للشباب لا عليه,, لأنه ادرك خطورة الموقف,, وعرف كيف يتعامل معه.
وإذا كان الشباب واجه في بداية المشوار بعض العراقيل والمنعطفات الخطيرة في طريقه إلا انه تمكن من تجاوزها بحنكة,, وبقدرة على التعامل مع الاحداث,, وعرف كيف يحول بعضها الى مصلحته وما بطولة النخبة إلا خير دليل.
فالذين رأوا فيها ارهاقا للفريق,, لم يدركوا ان الشباب حولها إلى استثمار ايجابي حيث ابتعد بالفريق عن جو المباراة,, وعدسات الاعلام والضغوط النفسية,, واعتبرها معسكرا تدريبيا بعيدا عن الانظار,, والدليل حضوره الى مقر المباراة قبل بدئها بأربع وعشرين ساعة,, وفرض حظر على لاعبيه تجاه الاعلام,, تاركا لغيره الدخول (بطبولة) ساحة الملعب.
لن نسهب في هذا كثيرا,, فالنتيجة باتت معروفة,, والخطة وضحت معالمها,, واثبتت نجاحها,, ولمهندسها الامير خالد بن سعد ان يفتخر,, هذا هو الشباب,.
نموذج يحتذى، وكتاب مفتوح لمن أراد قراءته والاستفادة من اسلوبه في الادارة,, والتعرف على دروب النجاح التي يسلكها.
هذا هو الشباب,, نجم التسعينيات او فريق العقد الاخير من القرن العشرين يسبق الزمن,, ويقدم فريق القرن الحادي والعشرين في غير موعده.
والله من وراء القصد.
|