عرض التلفزيون اللبناني قبل ايام مشاهد مروعة لجثث رجال واطفال ملفوفين في قماش ونساء ينتحبن ورجال تائهي النظرات في ذكرى (مذبحة قانا) او ما تسميها الدولة الصهيونية تيمنا ب(عناقيد الغضب) كانت رائحة (الموت) تنبعث من الشريط المسجل على خلفية من الموسيقى التي تشبه البكاء, وكانت ذاكراتنا لا تريد ان تستيقظ ولو للحظة, لحظة تسمع فيها وجيب الدم, ويكفي ان يقف (السيد كوفي عنان) لحظة في ممرات هيئة الامم لعله يشاهد ما يبثه (تلفزيون المستقبل) من رؤى الدم والدمار والعطش لعله يقتنع بان خير ما يفعله في مواجهة السادة الذين يخيطون القمصان للعالم على مقاسهم ويمشون بلا بنطلونات، هو ان يكتب استقالته (بالدموع) هذا اذا كان قد بقي في رأسه متسع للدموع.
ان ذاكراتنا المعطوبة بحاجة الى تنبيه, الى اي دواء في اية صيدلية في اية بقعة من العالم, لترى فداحة ما جرى وما يجري حين تتحول الاجساد العربية الى (مراع) للذباب, ويصبح لون الدم اسود على قمصان الشباب, ويغدو لون بؤبؤ العجوز ارزق كالماء, ماذا سنضيف؟! هل نقول ان الدولة الصهيونية تتحرك بمباركة العالم الجديد ولا تلتفت للخلف, دائما تضرب المدن وتستثني (اسرائيل) وتعاقب الدول ويمحى اسمها من سجلات (الكلاب) الذين هم بحاجة الى القتل.
ان الجنرال (العربيد) المحشو بطنه بالرصاص لا يمكن ان يترك الارض في سلام, انه يعيش من خلال هذه ال(جهنم) جنته ونعيمه الخاص, ويتبادل نخب البطولة مع الديكة الممتلئة اعرافهم بالدم والكبرياء المجنونة, كأن (اسرائيل) هي التي صنعت العالم!! لهذا فهو لا يستطيع مواجهتها بأنها يجب ان تصبح مثل العالمين, لا تطلق عليها الصواريخ لان يدها اطول من ايدي الاخرين, ولولا بطولة المقاومة في الجنوب اللبناين الشهيد لقيل ان العرب قد انقرضوا مع كل الديناصورات الشبيهة, ولم يبق الا عظامهم معدة كي يعلقها سادة العالم الجديد في صالوناتهم ويتأملونها متلمظين باللحم السابق.
مذبحة (قانا) دليل لا يقبل الدحض على (العهر) السياسي الذي يمارسه الغرب المسيحي الذي يتغنى بالحرية والديموقراطية والعدالة, لان الجنوب هو الذي سمح لنفسه ب(المقاومة) ولم يأخذ اذنا من احد فان ذراع الآلة العسكرية الصهيونية يمتد بين الفينة والفينة خلسة ويراوغ كثعلب خسيس ويقصف في مقتل ويوقع اسمه على (الجنائز) المكللة بالورود,, ولان (الجنوب) اللبناني بقي وفيا بأن لا يسود (القذرون) على ارضه بقيت الدولة الصهيونية تضرب حقوله وسنابله وتدك منازل كادحية وتتمترس خلف ظهر العالم لتفعص كل لحظة وردة جنوبية طازجة كانت كالقبل، ولان (الجنوب) اللبناني نسي ميثاق الامم المتحدة بل رماه خلف الحدود بال(كاتيوشا) فان العالم الجديد يمارس الصمت القذر تجاه فظائع الصهيونية, بكل دمامة وحقارة التاجر القبيح يهب اسرائيل من الهبات ما لا يملك ان يهبه الا منتصر!,, هذا هو الغرب الذي يمارس الابادة العرقية بل ويبني الدول على اساسها, هذا الذي حين يتحدث لا ترى منه الا وجه السيدة (مادلين اولبرايت) يلتمس له الاعذار, وحين يصغى جيدا فهو لا يسمع الا عن (الهولوكست) فيمضي في الاعتذار للسيد اليهودي مقبلا حذاءه!!, حتى وصل الامر ب(اسرائيل) بأن تدعي أنها (دولة) اولا, و(ديموقراطية) ثانيا, وانها تحيا وسط العرب الطغاة ظالمي الشعوب وكأنها رسول العدل والمحبة الذي جاء ليقسم على الناس ارزاقهم ويشغل عواطفهم الخامدة ويحقن في وريدهم دماء نقية بدلا من هذه التي تربت على اكل الصحراء, رسول جاء لينزع صفة (الذئب) عن الوجه العربي الاسمر الطي الذي تغيظ سمرته ذوي الشعور الشقراء.
ما لهذا الجنوب لا يفقه لعبة السياسيين وينخرط في معاهدات الصلح مثلما فعل اخوة له من قبل؟! ما لهذا الجنوب لا يستبدل ب(الكاتيوشا) اقلام الذهب التي توقع بمثلها المعاهدات؟! الا انه لازال يحلم بالحياة؟! لازال دمه العربي يفور في عروقه التي لم يستبدلها بالمصاصات؟! الان (الجنوبي) قطع على نفسه وعدا بالقتال من اجل الضوء والهواء الذين حبستهما الدولة الصهيونية مع سائر من اعتقلت من (بني يعرب)؟! ألأنّهُ اقسم ان يكون وفيا لله ثم للوطن والناس الذين يعملون ويزرعون ويبنون ويملأون الارض بالاطفال الجميلين ويصلون في مساجد الله؟!
كان يوما ذكرنا به شريط مفعم بالحزن ممتلىء بالمرارة مسكون بالجنائز واشلاء الموتى وصراخ الثكالى كان يوم (قانا) الشهيدة بامتياز!
|