في السياسة تتعدد الجبهات والاستراتيجيات والادوات, والسياسي او رجل الدولة، عندما يضع نصب عينيه هدفاً ما، فإنه يسعى لتحقيقه باساليب مختلفة، حسب الظروف والاحوال: فأحياناً، يعتمد على الحجج والاسانيد القانونية، واحياناً اخرى، قد يوظف الوسائل والاساليب السياسية والواقعية، وفي احيان ثالثة، يركز على العمل الدبلوماسي وحشد التأييد الدولي لقضيته، وبالطبع، فإنه يمكن ان يستخدم كل تلك الادوات في نفس الوقت؛ ولكن بدرجات مختلفة، والقضية الفلسطينية ليست استثناء من ذلك، وعبر تاريخها، تراوح الجهد الفلسطيني بين: العمل العسكري، والمفاوضات السياسية والدبلوماسية، واستخدام الحجج القانونية، واركز في هذا المقال على اهمية احياء الجانب الحقوقي والقانوني من القضية الفلسطينية، خصوصاً ونحن نقترب من تاريخ 4 مايو، وأخذاً في الاعتبار توقف جهود التسوية السلمية، وهو ماعبر عنه مارتن انديك، مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشئون الشرق الاوسط، مؤخراً، عندما قال: ان نافذة التسوية قد اغلقت.
وفي هذا السياق، شهدت ساحة الجمعية العامة للامم المتحدة منذ ايام سجالاً قانونياً بين مندوبي فلسطين واسرائيل بشأن القرار 118، الصادر في 29/11/1947، والمعروف باسم قرار التقسيم، وهو القرار الذي قسم اراضي فلسطين الى دولتين، احداهما عربية والاخرى يهودية، مع اعطاء مكانة دولية خاصة لمدينة القدس، بحيث تدار تحت اشراف دولي.
فقد تساءل ناصر القدرة، مندوب فلسطين، عن حدود اسرائيل، والتي اتسعت بكثير فيما وراء المناطق التي حددها قرار التقسيم، بحيث تمكنت من مد سيطرتها على اراض احتلتها خلال حربي 1948و1967، وتحدى المندوب الفلسطيني اسرائيل بأن تقدم تفسيراً للمجتمع الدولي بشأن الاجراءات التي اتخذتها انتهاكاً للاتفاقيات الدولية وفرضاً لقوانينها ونظمها على تلك الاراضي، مؤكداً انها، اي تلك الاراضي، تعتبر وفقاً للقانون الدولي مناطق محتلة تخضع لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على سلطة الاحتلال اتخاذ اي اجراءات يكون من شأنها تغيير الوضع السكاني او الجغرافي لتلك المناطق، وانتقد تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلي، ارئيل شارون، التي اعتبر فيها قرار 181 لاغيا وباطلا، مشيراً الى ان اسرائيل قبلت كعضو في الامم المتحدة بناء على هذا القرار، ووفقاً لتعهدات واضحة من جانبها بضرورة الالتزام به.
وجاء رد المندوب الاسرائيلي في الامم المتحدة بعد ذلك بأيام؛ مشيراً الى ان رفض الدول العربية لقرار التقسيم قد اوجد ظروفاً جديدة، وان هذا القرار قد تجاوزته الاحداث، وانه لايمكن الاشارة اليه اليوم، لانه ليس جزءاً من المرجعية القانونية لعملية السلام الراهنة، وان اي محاولة لاحياء هذا القرار او الاشارة اليه تعرض عملية السلام برمتها للخطر، وان محاولة من هذا القبيل فات اوانها، لان القيادة الفلسطينية، والدول العربية، رفضت هذا القرار من نصف قرن.
واذا كانت الظروف السياسية التي تم في ظلها انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ثم ما لحقها من اتفاقيات اوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل، قد تضمنت تغليباً للاعتبارات الدبلوماسية والسياسية وللمسائل المتعلقة بتوازن القوى، فإنه يصبح من الضروري اليوم إحياء الجانب القانوني، والإشارة المستمرة الى قرارات الشرعية الدولية التي اصدرتها الجمعية العامة ومجلس الامن: لان تلك القرارات، كما يؤكد رجال القانون الدولي، لاتسقط بالتقادم وهي تقدم الاساس القانوني للموقف الفلسطيني المتعلق بإعلان قيام الدولة.
فعلاوة على قرار 181، تتالت القرارات بعد عام 1967 مؤكدة على الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني, وعلى سبيل المثال، فقد اصدرت الجمعية العامة، في 10/12/1969، القرار 2535 الذي اكد على: حقوق شعب فلسطين غير القابلة للتصرف ثم القرار رقم 2672 ، الصادر في 8/12/1970م ، والذي أكد على نفس الحق, وفي 22/11/1974، صدر القرار 3236، الذي اكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره دون تدخل اجنبي، وعلى حقه في الاستقلال والسيادة, وفي نفس الجلسة صدر القرار 3237، الذي اعطى منظمة التحرير الفلسطينية مركز مراقب في الجمعية العامة للامم المتحدة وفي كل المؤتمرات التي ترعاها.
وفي اعقاب دورة المجلس الوطني الفلسطيني، التي انعقدت بالجزائر في عام 1988، والتي تم فيها اعلان الدولة الفلسطينية، جاء قرار الجمعية العامة الذي اشار في ديباجته الى ان الجمعية العامة: اذ تشير الى قرارها رقم 181,, والذي دعت فيه، من جملة امور اخرى، الى اقامة دولة عربية ودولة يهودية في فلسطين، واذ تدرك قيام المجلس الوطني الفلسطيني بإعلان دولة فلسطين؛ تمشياً مع قرار الجمعية العامة رقم 181، وممارسة لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف: (1) تعترف بإعلان دولة فلسطين، الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني في 15 نوفمبر 1988, (2) تؤكد الحاجة الى تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على اراضيه المحتلة منذ عام 1967, (3) تقرر ان يستعمل اسم فلسطين اعتباراً من 15 ديسمبر 1988 بدلاً من تسمية منظمة التحرير الفلسطينية؛ دون المساس بمركز المراقب لمنظمة التحرير الفلسطينية .
كما اتخذ مجلس الامن عدة قرارات تعتبر اسرائيل سلطة احتلال في الاراضي التي احتلتها ابان حرب 1967، مثل: القرار 605 الصادر في 22/12/1987،والذي ورد فيه انها سلطة قائمة بالاحتلال, والقرار رقم 799، الصادر في ديسمبر 1992، والدي استند الى اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والدي وصف الاراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها اسرائيل بعد 1967 بأنها أراض محتلة وفي مارس 1994، اصدر مجلس الامن القرار 904، الذي دعا الى توفير وجود دولي مؤقت لحماية السكان الفلسطينيين في الاراضي المحتلة، واصفا اسرائيل بانها قوة احتلال ومشيرا الى انطباقاتفاقية جنيف الرابعة على الاراضي التي احتلتها اسرائيل في يونيو 1967، بما فيها القدس,وفي نفس الاتجاه، سارت قرارات الجمعية العامة, من ذلك قرارها في 4/12/1995، القاضي ببطلان وعدم مشروعية قرار اسرائيل بشأن فرض ولايتها وقوانينها وادارتها على مدينةالقدس, وقرارها في 15/12 من نفس العام، الذي دعت فيه اسرائيل الى الانسحاب من الاراضي العربية التي تحتلها منذ 1967؛ مؤكدة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ثم صدر قراران في مارس ويوليو 1997 بإدانة الاستيطان في القدس, ومن الاهمية بمكان، الاشارة الى قرار الجمعية العامة، في 7/7 /1998، برفع التمثيل الفلسطيني في المنظمة الدولية، والذي اعطى للوفد الفلسطيني كل اختصاصات الدولة العضو ما عدا التصويت, وفي ديباجة هذا القرار، اشارت الجمعية العامة الى كافة الاوضاع والحقوق التي استقرت للشعب الفلسطيني، فأشارت الى قرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين، والقرار رقم 3237 القاضي بمنح المنظمة وضع المراقب، والقرار 43/177 الذي اعترفت فيه بإعلان الدولة الفلسطينية كما اشار القرار الى عضوية فلسطين في عدد من المنظمات الدولية، والى قيام السلطة الفلسطينية على جزء من الارض الفلسطينية المحتلة، والى انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني وبناء على هذه الديباجة والحيثيات، اقرت الجمعية العامة منح وفد فلسطين حق المشاركة في المناقشة في الجمعية العامة، سواء تعلق الامر بالقضية الفلسطينية والشرق الاوسط او غير ذلك من قضايا, كما منح القرار وفد فلسطين حق الرد، وحق اثارة نقطة نظام وحق المشاركة في تقديم مشاريع القرارات المتعلقة بقضية فلسطين والشرق الاوسط, وقد مثل هذا القرار خطوة هامة على طريق العضوية الكاملة لفلسطين في المنظمة الدولية.
وفي 10/12/1998، اكدت الجمعية العامة مجدداً حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واتخذت خطوة جديدة، حين طلبت من الدول الاطراف في اتفاقية جنيف الرابعة بأن تعقد مؤتمراً في 15/7/1999 للنظر في الانتهاكات الاسرائيلية للاتفاقية.
واستمر مسلسل الاعتراف الدولي, ففي سبتمبر 1998، صدر بيان الاتحاد الاوربي بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الوقت المناسب مؤكداً حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بما في ذلك خيار الدولة.
ان هذه الامثلة مجرد عينة من القرارات الدولية التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة، وفي اعتبار اسرائيل سلطة احتلال بالنسبة للاراضي التي احتلتها عام 1967, ومن الضروري ازاء توقف عملية السلام، احياء ذلك الجانب القانوني من القضية الفلسطينية، لانه يمثل عنصر دعم وتأييد للمفاوض الفلسطيني، يكون من شأنه، اذا ما احسن توظيفه واستخدامه، تحييد الاثر السلبي لوضع عدم التوازن السياسي بين الطرفين.
د, علي الدين هلال