هذا عنوان الاصدار الثامن للعميد الركن محمد بن مهنا آل علي عضو هيئة التدريس بكلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية ويقع الكتاب في 493 صفحة مقاس 18x25 سم وقد تولت اصداره دار المؤيد بالرياض وهو يغطي جانباً عظيماً من اهتمامات المؤلف الذي اعطى جهدا كبيراً يثاب عليه ان شاء الله تعالى - للذود عن الاسلام وابراز حقائقه ودحض اباطيل خصومه في الماضي والحاضر بأساليب واضحة جلية ومناهج بحثية عالمية موثقة وبرؤية ايمانية متفائلة.
وقد قسم المؤلف كتابه الى ثلاثة ابواب عالج في الباب الأول منها ما اسماه منابع الغزو الفكري وفيه تمهيد وثلاثة فصول تطرق فيها الى الحقد اليهودي ومصادر فكرهم ومعتقداتهم وعدائهم لرسالة التوحيد والموحدين وانهم - اي اليهود - وراء الفتن والضلالات ومحاولات الخروج بالأديان عن مساراتها القويمة وانهم - دائماً - يمثلون عنصراً ثابتاً بالافساد ونشر الرذيلة وانهم مهندسو فكرة التآمر على الاسلام عن طريق دعوى التمذهب وبث الفكر الباطني وكل النزعات الهدامة قديماً وحديثاً,،
وعالج في الباب الثاني مسألة الغزو الفكري من حيث استراتيجياتها وادواتها ومنطلقاتها ووسائلها ففي الفصل الاول من هذا الباب تكلم المؤلف عن استراتيجية اليهود المتمثلة في الهيمنة على الغرب وتسخيره لضرب العالم الاسلامي، وحدد في الفصل الثاني ادوات الغزو الفكري والمتمثلة في الاستشراق والتنصير والتغريب وما يكون بين هذه المسارات الثلاثة من تنسيق وفي الفصل الثالث قال: ان منطلقات الغزو الفكري هي القومية والعلمانية والحداثة والشيوعية والاشتراكية والتقدمية وما يسمى بلعبة اليمين واليسار،وقال في الفصل الرابع: ان وسائل الغزو الفكري هي الافساد الفكري والعقائدي والافساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
اما الباب الثالث فقد عنونه بقدرة الاسلام على مواجهة التحدي واصالته في التصدي للغزو وبدأه بتمهيد وثلاثة فصول قال في التمهيد رغم ما تعرض ويتعرض له الاسلام من الكيد والحرب والاذى فانه بخير ولله الحمد وهو عائد لا محالة، فالمستقبل له ولأهله عندما يكونون كما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ص 312.
وبدأ الفصل الاول من هذا الباب بتقرير حقيقة ازلية الصراع بين الحق الذي هو الاسلام والباطل الذي يمثله اعداء التوحيد في العالم اليوم وفي مقدمتهم اليهود وقال: ان المواجهة هي قدر الاسلام، وفند حملات الغزو ضد الاسلام وتعدد اساليبها ووحدتها في الهدف وقال: قد افلحت حملات الغزو تلك بخضوع العالم لنظام احادي القطب، او ما يسمى بالنظام العالمي الجديد سياسياً، ولاتفاقيات الجات اقتصاديا ولما تقرر في مؤتمرات السكان بمصر ومؤتمر المرأة في الصين اجتماعياً، وبهذا يتحقق للاعداء الهيمنة المطلقة على مقدرات العالم الاسلامي، فالوسائل متعددة بتعدد حملات الغزو وتنوعها اما الهدف فواحد لم ولن يتغير ص 336.
ويوضح المؤلف صعوبة وشراسة ما يوجه ضد الاسلام من اعداء الخارج والداخل الذين تلتقي جهودهم لمنع الاسلام من بلوغ اهدافه، ص 336 ويرى ان من اهم ما يسهل لهؤلاء الأعداء بلوغ مآربهم ما يعيشه المسلمون من ازدواجية في الاعلام والتعليم وفي العمل والقول في مختلف المجالات، فبينما يعرف المتلقي ان دينه ودين والديه ودولته وامته الاسلام فان ما يقرأه في المناهج والمقررات الدراسية لا يتفق بل ربما يتعارض مع الاسلام كلياً, ص 341.
ويرى ان الخروج من هذه الازدواجية المدمرة انما يكون بالصحوة الاسلامية ولكن ليس على نمط تجربة خميني في ايران او نميري في السودان بل بالاسلام الحق ص 354.
وفي الفصل قبل الأخير يؤكد المؤلف على بقاء الاسلام شامخ البناء سليماً من التحريف رغم كل محاولات الأعداء ومكرهم وكيدهم ص 359، وقال: ان كل سوء حل بأمة الاسلام وكل ثغرة دخل منها الاعداء الى معسكر المسلمين ومجتمعهم انما كانت بسبب بعد المسلمين عن منهج الحق سبحانه وتعالى وعن عدم الاخذ بوسطية ذلك الدين القويم وفكره الوسطي ومناهجه الوسطية ص 361.
وتتمثل وسطية الاسلام عند المؤلف بالسلام الحقيقي الذي ينشده الانسان في دينه ودمه وعرضه وماله، السلام في البيت والمجتمع ومع النفس، السلام الذي تنشده البشرية والتي لا يمكن ان تعرف حقيقته دون ان تهتدي الى الاسلام, ص 363.
وللوسطية كما يراها المؤلف ضوابط يمارس الانسان سلوكه من خلالها بشكل قويم ونزيه يأخذ ما له ويؤدي ما عليه والوسطية توازن بين متطلبات الروح والجسد وتوازن بين متطلبات الدنيا والآخرة وتوازن بين الادخار والانفاق وتوازن في العبادة وتجنب الغلو ص 363 - 370.
ويرى المؤلف ان هذه الوسطية ترتبط بمنهجية الفكر الاسلامي، فالحضارة ما هي الا نتاج الفكر والفكر ثلاثة انواع كما يقول: فكر يستند الى الديانات الوثنية التي لم تقدم اية حلول للمشاكل التي واجهتها البشرية قروناً طويلة وفكر يستند الى الديانات السماوية المحرفة وهو كما يقول فكر شاذ منحرف بقدر انحراف وضلال اتباع هذه الديانات وفكر يستند الى الديانات السماوية الخاتمة المهيمنة وهي دين الاسلام الحنيف ومصادره هي مصادر التشريع الاسلامية ذاتها الذي لم تسعد البشرية في ظله الا فترة قصيرة ص 379 - 383.
ويحدد مصادر الفكر بالوحي والعقل والكون ويقول حين نقيس اصناف الفكر الثلاثة السالفة الذكر على ذلك نجد ان ما اسميناه فكراً وثنياً قد لا يرتقي الى مصاف الفكر حيث عدم استناده الى الوحي على الاطلاق في حين ان العقل قاصر بعمومه عند الانسان الذي ميزه الله به على سائر المخلوقات وجعله قاصراً دون كمال الادراك لحكمة لا يعلمها الا هو سبحانه وتعالى وقد تعامل العقل في الفكر الوثني مع المخلوقات في الكون تعامل العبد مع ربه والهه فعبد الشمس والقمر والنار وعبد غير ذلك من المخلوقات في هذا الكون المحسوس ص 383.
اما الفكر الأوروبي فانه كما يقول المؤلف مرتبط بالتوراة والانجيل والعقل والكون، وفيما يتعلق بالتوراة والانجيل التي في ايدي اليهود والنصارى اليوم فان المؤلف يرى انها ليست الا هرطقات عزرا وشاؤول وبالتالي فانها فكر بشري شاذ موتور وليست كلام الله جل شأنه الذي انزله على الرسل عليهم السلام, ص 385.
ولذلك يقرر المؤلف ان ما يسود الغرب من انحرافات فكرية ما هي الا ثمار ذلك التحريف في التوراة والانجيل حيث يقول ونظراً للانفصام بين الوحي والعقل والتحريف لما جاء به الوحي والانحراف عن مساره الرباني السليم فاننا نجد ان العقل البشري سخر للافساد والتسلط والظلم، فالطاقة الذرية واسلحة الدمار الشامل هي تطور علمي ولكنها اليوم تعد وسيلة للدمار عوضاً ان تكون وسيلة للبناء والتطور ووسائل الاتصال وتقنية الاقمار الصناعية تطورت بفضل تطور العلم وإعمال العقل لكنها اصبحت وسيلة هدم وافساد ونشر للرذيلة والباحية في ظل ذلك الفكر المنحرف والمستمد من كتب محرفة ص 388.
ويوضح المؤلف ان الفكر الاسلامي هو ما يستند الى الوحي والعقل والكون والوحي روح من الله يتمثل في القرآن والسنة استند اليهما الفكر الاسلامي وامتثل المسلمون لدعوتهما بإعمال العقل وتطويره لما فيه خير الانسان وسعادته في الدنيا والآخرة فأصبح العقل منسجماً مع الوحي لا انفصام فيما بينهما ولا تعارض او تضارب بين ما يدعو له هذا وما يقره ذاك ولهذا ظهر الفكر البشري مستندا الى خير قول واعظم هدي فكر يدعوللفضيلة ويحث على مكارم الاخلاق ويدعو لإعمال العقل والتدبر في ملكوت الله سبحانه وتعالى في ربط واضح وجلي بين مصادر الفكر التي أشرنا اليه من قبل، اي الوحي والعقل والكون ص 388.
وقبل ان ينتهي المؤلف من هذا الفصل من كتابه يتحدث عما يسميه بازمة الفكر وازدواجية الولاء الفكري، ويحدد بداية ازمة الفكر وازدواجيته بنهاية دولة الخلافة الراشدة وقيام دولة بني أمية حيث يقول انتهت دولة الخلافة الراشدة بالفتنة وبها تم انتقال عاصمة الخلافة من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى دمشق حيث قامت دولة بني امية وبدأ عندئذ الافتراق بين اهل السلطة ممثلة في خلفاء بني امية وبين اهل الفكر والعلم والفقه وكانت تلك بداية الانفصام بين القيادة السياسية والقيادة الفكرية وهي بداية للانحراف, ص 399.
ويرى ان الائمة والمفكرين من اهل السنة والجماعة ورواد الفكر الاسلامي الاصيل نافحوا ودافعوا عن الاصالة الاسلامية ضد كل دخيل ودسيس فقد آثروا الفكر الاسلامي الاصيل في تطوير العديد من العلوم والاساليب العلمية وبلورة العديد من المفاهيم والقيم الفكرية المستمدة من القرآن والسنة فاليهم يعود الفضل في ظهور المنهج التجريبي في البحث العلمي الذي قامت عليه نهضة العالم المعاصر التجريبية التي انتقلت الى أوربا، وهي التي اصبحت قيماً ذات صبغة أوروبية يراد تصديرها الينا ثانية، ولكن بثياب واصباغ وثنية نصرانية يهودية وتحت اسماء الديمقراطية والتعددية واقتصاد السوق وغيرها من المفاهيم الأوروبية المعاصرة ص404.
ثم تلا ذلك وقوع العالم الإسلامي تحت نير الاحتلال الأوروبي الذي دام حقباً عديدة، ثم تحررت تلك الدول سياسياً وأصبحت دولاً ذات سيادة وطنية ولكنها تابع فكري مقلد للحضارة الغربية وللدول الغربية المعاصرة وللفكر الغربي الوافد حيث بدأ المسلمون بالأخذ عن الغرب والاهتداء به والتقليد والمحاكاة لما عند امم الغرب من فكر وحضارة ومدنية، وهنا تبدأ الأزمة الفكرية ذاتها مرحلة متقدمة وتكاد تكون مستعصية على الحل وقد وصلت بالأمة الى حالة من ازدواجية الولاء الفكري ص405
وفي الفصل الأخير من كتابه يضع المؤلف الحلول الشافية لما يرى ان فيه المخرج للإسلام من أزماته والانتصار على اعدائه فيقول: ان البعث الحضاري لأمة الاسلام وانطلاق حضارة راشدة تعيدهم الى سابق مجدهم الاسلامي التليد لابد ان يكون مستنداً الى عقيدة صافية وفكر نير، كما انطلق اسلافهم، اذ لاصلاح لحاضر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، تلك مسلمة لايتعامى عنها الا اعداء أنفسهم وأمتهم من المسلمين، ولهم في التاريخ الحديث أمثلة عديدة وتجارب فذة توحدت المملكة العربية السعودية في ظل احدها وتحررت الجزائر في ظل الأخرى وغيرهما الكثير ولله الحمد ص419
ويرى أن أسس العمود تكمن في الخروج من تلك الازدواجية الفكرية التي نحن واقعون فيها ص 425 ويقول: وللخروج من هذه الازدواجية الرهيبة في ولائنا الفكري لابد أن نقول ودون تردد: ان الحل هو الإسلام كدين وعقيدة وفكر ومنهج ونظم، وحين نأخذ بالاسلام فلابد ان نأخذ بما يتفق معه من المستجدات المعاصرة من النظم والمناهج والافرازات الفكرية والمادية المعاصرة بحيث نكون ذوي اصالة ومعاصرة ص 427 - 428.
ولتفعيل مصادر الفكر الاسلامي يقول إن المزاوجة بين الاصالة التي يمثلها الوحي اي القرآن والسنة وما تركه لنا سلف الامة من اهل الاصالة والوسطية وبين ما يهدينا اليه العقل وما نتلقاه اليوم من علوم معاصرة منضبطة ومتسقة مع الاصالة تلك المزاوجة هي المخرج السليم والامثل للأمة من ازدواجية الولاء الفكري , ص 429.
ولكي يحقق التفعيل الفكري الاسلامي اهدافه فلا بد من اسقاط كل الادعاءات التي يزعم اصحابها ان الاسلام غير قادر على المواكبة العصرية وان يقترن ذلك بإحياء اللغة العربية وجعلها لغة التعامل فكرياً وعلمياً واكاديميا وتعاملاً يومياً بين الناس ص 430 - 431.
ويشترط المؤلف للخروج من ازمة الولاء الفكري المزدوج ولتفعيل الفكر الاسلامي ان تكون لنا اهداف عليا ومقاصد كبرى نسعى جميعاً من اجل تحقيقها وهذا لا يكون كما يقول المؤلف الا باصلاح الذات والبناء النفسي السليم للفرد والمجتمع على حد سواء ولذلك يقول فلكي يتحقق الصلاح والاصلاح للفرد والمجتمع فان قيادات الأمة الفكرية والعلمية والاعلامية والتعليمية لا بد ان تقوم بدورها في البناء النفسي واعداد الفرد اعدادا يفي بمتطلبات الانبعاث الفكري للأمة وهذا الاعداد للفرد سيؤدي بالطبع الى اعداد الأمة لانها هي مجموع الجماعات التي تتكون بدورها من مجموع الافراد ص 441.
ويرى المؤلف ان وسائل الصمود والانبعاث الفكري يمكن ان تنطلق من المسجد والمنزل والمدرسة والاعلام اذا ما احسنت الاستفادة من هذه المرافق وفق ما يأمر به الاسلام ويرى ان التمسك بمفهوم الاسلام للحضارة اذا واجه به المسلمون اعداءهم فانهم يخرجون - حتماً - من التبعية للغرب ص 442 - 486.
الحق ان هذا الكتاب يمثل اضافة هامة للمكتبة الاسلامية وهو في اطاره ومضمونه من اهم الكتب التي قرأتها للمعاصرين فهو يناقش مختلف ما يوجه للاسلام من مكائد وتحديات بنفس طويل وروح طيبة وثابة وايمان عميق متفائل ولم احسب انا اقرأه بتمعن ان لمؤلفه غرضا خاصا فيما بين السطور كما تعودنا في الكثير من كتب المعاصرين في هذا الجانب، بل هو ضد التطرف والمغالاة يدعو الى وسطية الاسلام الحميدة ويمجد اهل السنة والجماعة وان كان يجعل من البعد الديني مرجعا اولاً وآخراً ووحيداً فانه معتدل الخطاب مجرد من الاغراض الا ما يراه صدقاً وحقاً.
|