مخاطر العولمة على الهوية الإسلامية (4 - 5) د, محمدعمارة |
وفي حقوق الاإنسان
وكنا نعيب على الغرب في مرحلة غواية الترغيب والترهيب عنصريته في مفاهيمه لمنظومة حقوق الانسان,, فجاءت العولمة لتفرض علينا هذه المفاهيم الغربية - العنصرية - عن حقوق الانسان,.
- فالانسان في المفهوم الغربي هو انسانه الابيض وليس مطلق الانسان,,.
- والحقوق - بمفاهيمها الغربية - هي وقف على هذا الانسان الغربي,, اما انساننا فله الحرمان من هذه الحقوق,, اللهم الا اذا كان المقصد هو التدخل في شؤوننا الداخلية اي انقاص او الغاء حقوقنا في السيادة الوطنية والقومية، باسم المعايير والمفاهيم الغربية لحقوق الانسان,.
- فحق تقرير المصير من الحقوق الطبيعية للانسان,, لكن انساننا محروم - بسلطان العولمة الغربية - من حق تقرير المصير,, حدث ذلك ويحدث على امتداد عالم الاسلام,, من كشمير,, الى بورما,, الى الفلبين,, الى الصين,, الى فلسطين,, وحتى البوسنة,, والسنجق ,, وكوسوفا,, الخ,, الخ,.
- واختيار القانون الذي يحكم به الانسان، حق من حقوق الانسان,, اللهم الا اذا كان هذا الانسان مسلما، وكان هذا القانون هو الشريعة الاسلامية ,, فان الامر يصبح اصولية تمثل الخطر المهدد للعالم، والتطرف، والتشدد، والرجعية، والظلامية,, والارهابية!,.
- والسيادة - في الدول القطرية والوطنية والقومية - هي حق من حقوق الانسان,, اللهم الا اذا كانت هذه الدول عربية او اسلامية، فان انتقاص سيادتها يصبح جزءا من مقتضيات العولمة,, لا مثيل له ولا مقابل في دولهم الغربية,, فانتقاص السيادة على الارض وفي السموات وفي المياه، قد جعلته العولمة من حقوقنا نحن فقط!.
- ومثل ذلك حق التسلح لحماية الامن الوطني والقومي,, هو حق سيادي من حقوق الدول - اللهم الا اذا كانت عربية او اسلامية، فان نزع سلاحها، او تقييده يصبح حقا لقوى الهيمنة والعولمة!,.
- والاقليات ,, من حقوقها ان تقيم دينها - ان كانت اقليات دينية - وان تحافظ على تميزها الثقافي واللغوي - اذا كانت اقليات قومية - وذلك دون ان تمثل فيتو على هوية الدولة والقانون التي هي حق الاغلبية,, اللهم الا اذا كانت هذه الاقليات مسلمة في بلاد غير اسلامية، فان الحرمان من حقوقها في اقامة دينها يكون هو القانون - من هدم المساجد في الهند,, الى تجريد الفتيات المسلمات من الحشمة الشرعية في اوربا!,, واللهم الا اذا كانت هذه الاقليات الدينية غير مسلمة في البلاد الاسلامية، فانها - حينئذ - لا تكتفي لها العولمة باقامة دينها، وانما تجعل منها فيتو ضد اسلامية الدولة وقوانينها في المجتمعات الاسلامية,, بل وتتخذ منها ثغرات اختراق للامن الوطني والقومي والحضاري,, وتكأة لكي يشرع الكونجرس الامريكي لبلادنا معايير الثواب والعقاب!,, ذلك هو حال العولمة - ونماذج لهذا الحال - في منظومة حقوق الانسان.
***
وفي الاقتصاد
تعنى العولمة القبول بالاندماج في حال من البؤس - الفاحش لا يرضى ويقبل به الا الخاطئون!,, فلو ان عالمنا، في الاقتصاد كان على شيء من العدل، او قدر من التوازن، او درجة من الرشاد، لما كانت عولمة هذا الاقتصاد كارثة تزيد الطين بلة في هذا الميدان.
ولكن,, عندما يبلغ النظام الاقتصادي العالمي ، في ظل الرأسمالية المتوحشة -التي يريدون لها ان تكون قَدَر العالم الذي ينتهي به التاريخ الانساني - عندما يبلغ هذا النظام الاقتصادي ما بلغه الآن من الاختلالات العبثية ، والمفارقات والفوارق الفاحشة والمظالم البشعة والمخاطر المرعبة, فان عولمة هذا النظام الذي هو غربي في الاساس - تصبح تعميما للبلوى، واشاعة للفحشاء واحكام المضاربة والسمسرة المالية الى غارات مالية سريعة الكر والفر، تدمر الاقتصاد العيني للدول لاسباب تهم اباطرة المضاربات، ولاعلاقة لها بالمراكز المالية الحقيقية للاقتصاد العيني الذي تصيبه هذه الغارات والمقامرات بالدمار - على نحو ما حدث للنمور الآسيوية,, ويحدث للنمر الياباني العتيد ,, ويهدد مجمل الاقتصاد الرأسمالي العالمي - الذي تريد العولمة دمجنا فيه.
وهكذا اصبحت العولمة المالية بمثابة الذعر المالي بل والمقصلة التي تودي بحياة الاقتصاديات التي لا يرضى عنها ولا عن توجهات اهلها اباطرة الاقتصاد المالي وملوك المضاربات والمقامرات والسمسرة الذين - وهذه ليست مجرد مصادفة - جلهم من اليهود الذين احترفوا المعاملات الربوية، والتجارة في المال، منذ ظهور الرأسمالية في اوروبا، والذين تصاعدوا بالنظام الربوي الى هذه العولمة المالية التي تقامر في اقتصاديات العالم بأسره.
* واذا نحن شئنا مجرد مثال على ما تمثله هذه العولمة الاقتصادية من احتياج الغرب والشمال لصناعات وتجارات واقتصاديات في الجنوب، فان فيما حدث بين مصر ودول السوق الاوروبية خير مثال.
لقد رفعت الدول الاوروبية على مصر قضية اغراق للاسواق الاوروبية بالمنسوجات المصرية وحدثت ازمة بين مصر واوربا، خسرت فيها التجارة المصرية 41% من صادراتها وتزعمت فرنسا والدول الاوروبية المتوسطية هذه الحملة ضد مصر - رغم ما يقال عن الحوار المتوسطي,, ورغم احتفال مصر مع فرنسا بذكرى مائتي عام على الحملة الفرنسية على مصر!!,, حدث ذلك بينما صادرات مصر الى فرنسا قيمتها 40 مليونا من الدولارات ، وصادرات فرنسا الى مصر 7 مليارات من الدولارات وصادرات مصر الى ايطاليا 2,7 مليون من الدولارات,, وصادرات ايطاليا الىمصر قيمتها مليار من الدولارات (30) .
وهذا مثال - مجرد مثال - على الاجتياح الذي تمثله بشائر العولمة,, واذا كانت هذه هي البشائر ,, فماذا ستصنع بنا العولمة الكاملة للاقتصاد؟!.
***
في الدِّين:
نعم,, فانهم يريدون ايضا العولمة في الدين، بمعنى تنصير العالم، وفي مقدمته العالم الاسلامي!,, فبعد ان كانت احلام الكنائس الغربية - في مرحلة غواية الترغيب والترهيب - تقف عند العمل على تنصير بعض المسلمين، فان لم يكن فتشكيك بعض المسلمين في دينهم، او في مطلق الدين!,, رأينا هذه الاحلام، في عصر العولمة، تتصاعد الى الحلم بتنصير كل المسلمين، وطي صفحة الاسلام من الوجود!,, فهم يشنون حربا دينية وبوسائل لا اخلاقية، لا علاقة لها بمقاصد الدين - أي دين - ولا بحرية الدعوة - التي هي حق لكل اصحاب الديانات - تحدث هذه الغارة النصرانية على عالم الاسلام، رغم تراجع النصرانية في الغرب ذاته!,, لكن الحمية والعصبية والكراهية للاسلام جعلتهم يحاربون لتنصير المسلمين بدلا من ان يعملوا على تنصير اوربا وامريكا!!ولقد كان المؤتمر التنصيري الذي عقد في كولورادو بامريكا - في مايو 1978م هو الايذان بهذه المرحلة الجديدة,, مرحلة العولمة للدين، بتنصير كل المسلمين - فرسمت بروتوكولات هذا المؤتمر مقاصد هذه المرحلة الجديدة، واقاموا المؤسسات لتنفيذ هذه المقاصد،ووفروا الامكانات المادية والتقنية والبشرية اللازمة للتنفيذ.
ولقد انتقدت بروتوكولات قساوسة التنصير، في مؤتمر كولورادو المخططات التاريخية السابقة لتنصير المسلمين، تلك التي لم تحقق شيئا يذكر او يوازي الجهود التي بذلت,, فقالت: لا يمكننا بعد اليوم اعتماد الاساليب القديمة للتنصير، في مواجهة الاسلام الذي يتغير بسرعة، وبصورة جوهرية وان الغرض من عقد هذا المؤتمر هو الايمان بعدم جدوى وفعالية الطريقة التقليدية لتنصير المسلمين .
وبدلا من الطرق التقليدية للتنصير اعتمد مؤتمر كولورادو خطة التنصير من خلال الاختراق,, من داخل القرآن ,, ومن داخل الثقافة الاسلامية,, وبالاعتماد المتبادل مع الكنائس المحلية,, والعمالة المدنية الاجنبية,, وتحاشي مواجهة اسلام الكتاب والسنة، واختراق المسلمين من خلال الثقافات الاسطورية المختلطة ببقايا الوثنيات ,, بل وقرروا - وهذا غريب وعجيب من رجال دين - استخدام الكوارث والحروب والمجاعات والازمات في العالم الاسلامي، لتصبح معونات الغذاء والدواء - التي تقدمها ارساليات التنصير - هي المقابل للانخلاع من الاسلام!,, بل ورأوا في هذه الكوارث الشرط الضروري للتحول عن الاسلام الى النصرانية!, نعم,, لقد خطط المنصرون لمرحلة العولمة هذه، فقالوا: ان الاسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الاصلية اسس النصرانية,, وهو حركة دينية مخططة تخطيطا يفوق قدرة البشر,, والنظام الاسلامي هو اكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعيا وسياسيا.
ان اسلام الكتاب والسنة ارض صلبة ووعرة بالنسبة للتنصير لذلك يجب اختراق الاسلام في صدق ودهاء!.
ولكي يكون هناك تحول الى النصرانية، فلابد من وجود ازمات ومشاكل وعوامل تدفع الناس خارج حالة التوازن التي اعتادوها,, وقد تأتي هذه الامور على شكل عوامل طبيعية، كالفقر والمرض والكوارث والحروب، وقد تكون معنوية، كالتفرقة العنصرية، او الوضع الاجتماعي المتدني، وفي غياب مثل هذه الاوضاع المهيِّئة، لن تكون هناك تحولات كبيرة الى النصرانية.
ان تقديم العون لذوي الحاجة قد اصبح امرا مهما في عملية التنصير، وان احدى معجزات عصرنا، ان احتياجات كثير من المجتمعات الاسلامية قد بدلت موقف حكوماتها، التي كانت تناهض العمل التنصيري فاصبحت اكثر تقبلا للنصارى,, (31)
هكذا,, وبدلا من الاعتراف المتبادل والقبول المتبادل بالديانات السماوية الثلاث - وهو ما صنعه الاسلام ازاء اليهودية والمسيحية، وكل الرسالات والكتب والنبوات,, وبدلا من التعاون على تفعيل منظومة القيم الايمانية,, رأينا بروتوكولات التنصير وقساوسته تخطط لعولمة الدين، اي اجتياح الاسلام على وجه الخصوص ,, لتتكامل منظومة العولمة التي تمثل اجتياح الغرب للشرق، والشمال للجنوب، والحضارة الغربية للحضارات غير الغربية في مختلف الميادين,, في منظومة القيم ومفاهيم وتطبيقات حقوق الانسان ، وفي الاقتصاد وحتى في الدين !.
|
|
|