Sunday 11th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 25 ذو الحجة


كلمات في الأفق
البحيري والتغيير القادم
عبدالعزيز الهدلق

استطاع الحكم الدولي السابق حسن البحيري ان يجعل من نفسه حالة تحكيمية فردية في منتهى الروعة والجمال,, نتمنى ان تتفشى وتستفحل في وسطنا التحكيمي لتصبح ظاهرة تستقطب عدداً كبيراً من الحكام.
فبعيداً عن الخطأ الذي يقع فيه الانسان ولا ينزه عنه بشر فقد كان حسن البحيري حكما متميزاً يشار له بالبنان وكان من الحكام المتفردين بنجاحاتهم في الساحات الخضراء محليا ودوليا.
وحسن البحيري لم يكن حكما آليا أداته الصافرة وكتاب القانون واللياقة البدنية وحسب,, بل كان عقله وفكره هو أداته التحكيمية الاولى.
فما فائدة القانون لحكم يدير المباراة من دائرة المنتصف,؟! وما فائدة اللياقة البدنية لحكم يكاد من سرعته في الملعب ان يصطدم باللاعبين,,؟! وما فائدة القانون واللياقة لحكم بطيء التفكير,, بطيء في رد الفعل,, جبان,, متردد في اتخاذ قراراته,, يبحث عن مساعديه ليورطهم في القرارات الصعبة,,؟!
لقد كان حسن البحيري حكما مفكراً أعطى التحكيم عندما كان يمارسه رونقا وشكلا أخاذاً لقد كان ينافس الفرق واللاعبين بإبداعه ونجوميته.
وجاء اعتزاله للتحكيم في حادثة فريدة اكدت مدى ما يتمتع به هذا الحكم من التزام وشعور بالمسئولية وقدرة على التصرف واتخاذ اصعب القرارات في اصعب المواقف, لقد قرر البحيري اعتزال التحكيم بعد اصطدام حارس النصر مضحي الدوسري بمهاجم الاهلي عبدالرحمن سيفين والتي نتج عنه كسر مضاعف في ساق الاخير, وكان من سوء الحظ ان الحكم البحيري قدّر تلك الحادثة بأنها عفوية لذلك لم يتخذ حيالها اي إجراء قانوني,, ولكنه اكتشف فيما بعد انه ارتكب خطأ كبيراً استوجب ان يتخذ بشأنه قرار اعتزال التحكيم وهو قرار يؤكد مدى وعي وحضارية البحيري ومقدار شعوره بالمسؤولية.
فما مدى ما يملكه الحكام الآخرون الموجودون حاليا في الساحة من ذلك الوعي والحضارية في التفكير والشعور بالمسؤولية,؟!
وبعد اعتزاله التحكيم ودخوله مجال المراقبة الفنية للحكام رأينا من البحيري أسلوبا آخر في المراقبة يعتمد على الصراحة والوضوح والشفافية والصدق مع النفس اولا وأخيرا والبعد عن التقييم الغبائي ,, الببغائي 9,5 من عشرة.
رأينا حسن البحيري شجاعا في ابداء رأيه معتدا بخبرته ودرايته وتجربته وفكره الواعي.
ويبدو انه يعلم ومنذ زمن بعيد ان مشكلة التحكيم لدينا تكمن المراقب الفني وليست في الحكم نفسه.
وإذا صلح المراقب الفني صلح الحكم.
ولو ألقينا نظرة على سجلات وتاريخ المراقبين الفنيين اليوم عندما كانوا حكاما سابقين سنجد العجب العجاب في تلك السجلات وسيتأكد لنا ان فاقد الشيء لا يعطيه وأن حكام اليوم ما هم إلا نسخ من اولئك السابقين.
وحسن البحيري أراد الانفلات من تلك النمطية في العمل الرقابي ليقينه اولا ان هذه امانة يجب ان يؤديها بصدق والتزام وان الحكم لا يمكن ان يتطور ويرتفع مستواه إلا بمكاشفته بأخطائه ومحاسبته عليها، وهذا ما أراد انتهاجه وهو يخطو اولى الخطوات في مجال المراقبة الفنية.
كما ان البحيري لجأ إلى نفس الاسلوب من الوضوح والشفافية وهو يعلق عبر التلفزيون على بعض الحالات القانونية في إطار توعية الجماهير الرياضية بالقانون الكروي وهذه الجماهير التي تأتي إلى الملاعب زحفا كلها زاد وعيها ومعرفتها بالقانون كلما تجاوبت وتفاعلت بإيجابية مع قرارات الحكم حتى لو كان قاسيا ضد فريقها المفضل لعلمها بصحة القرار.
ولكن ما يؤسف له ان كل افكار وطروحات وتوجهات حسن البحيري وئدت ورفضت بل إن البحيري نفسه تم رفضه وابعاده عن مجال المراقبة الفنية,, والسبب للاسف ايضا ان هناك من يحرص على بقاء قانون كرة القدم أشبه بلغة هيروغليفية لا يعرفها ويفك طلا سمها إلا هو ومن يريد,,! ليقينه ان انتشار الوعي والمعرفة بقانون كرة القدم فيه كشف لحال التحكيم والحكام الذي لا يحتمل مزيد من الانكشاف.
ويبدو ان ذلك كمن يريد ان يغطي عين الشمس بغربال,, فمستوى الحكام والتحكيم لدينا يعرفه القاصي والداني، وقانون كرة القدم الذي يحاول اخفاءه موجود في الكتب التي تملأ رفوف المكتبات، والمتابع الكروي اصبح يشاهد عبر الفضائيات كبار الحكام الدوليين والمعتمدين كمراقبين فنيين من الاتحاد الدولي وهم يشرحون بالصوت والصورة والاجهزة التقنية المتطورة الحالات القانونية التي يثار حولها تساؤل او شكوك, وكلنا شاهد العميد فاروق بوظو وهو يشرح اخطاء وحالات قانونية حرجة وقعت من حكام في الدوري السوري، وفي بعض هذه الحالات يؤكد خطأ الحكم وتضرر اللاعب وفريقه من ذلك الخطأ, كما شاهدنا ناجي الجويني الحكم التونسي العملاق والخبير المصري العريق مصطفى كامل محمود، وكذلك الحكم الدولي البحريني السابق وهم يقومون بنفس الدور النقدي والتوعوي لقانون كرة القدم في بطولات ومسابقات كروية مختلفة.
اما لدينا فإذا ما ظهر رئيس لجنة الحكام لشرح حالة قانونية مشكوك فيها فلا يتعد ظهوره ثواني قليلة يؤكد خلالها صحة قرار الحكم ثم يختفي.
ما أحوجنا إلى التغيير ومواكبة عصر تدفق المعلومات وثورة التقنيات والاقمار الصناعية والانترنت والدخول إلى الالفية الميلادية الثالثة بعقول متفتحة مدعمة بالعلم والوعي بأن لا مجال لاخفاء او تغميم اي معلومة كما تفعل وتريد ان تستمر في فعلها عقليات اكل عليها الدهر وشرب.
اما انت يا حسن البحيري فثق انك بدأت التحكيم شجاعا وتركته شجاعا وأن التغيير الذي سيحدث عاجلا أم آجلا سيمر عبر منعطفات ان لم تحمل اسمك فهي تحمل فعلك او تأثيرك.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved