Sunday 11th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 25 ذو الحجة


عبقريات العقاد بين المتن والإسناد
صالح بن سعد اللحيدان

وجاء في ص108 قال المؤلف: (قلنا عن مدى القوافل في كتابنا عن ابي الانبياء ابراهيم الخليل عليه السلام اما الاسباب السيئة التي اوجبت قيام الدعوات النبوية في تلك المدن فهي اسباب كثيرة لم تكن توجد يومئذٍ في غيرها بهذه القوة وبهذه الكثرة، وأقوى تلك الاسباب مساوىء: الاحتكار, والاستغلال.
فان تجارة العالم اذا توقفت على مدينة هنا ومدينة هناك سادت في كل مدينة الى فئة قليلة، واصحاب اليسار يحتكرون المقايضة والنقل ويبرعون في اساليب المعاكسة ورفع الاسعار وزيادة الضرائب والاجور على : الرحال والمطايا وجند الحراسة ويغنم هؤلاء المحتكرون فرصتهم فيخدعون البسطاء ويحتالون على :
الاصول.
والشرائع.
ويأخذون باليمين والشمال.
من الوارد.
والصادر
والغادي.
والرائح.
ولاحيلة للتجار فيهم ولا لناقل التجارة لأنهم قابضون على الزمام.
وهذا كلام وجيه وهي صفة من صفات الامم الجاحدة لكن المؤلف هنا ذكر العَرَض ولم يذكر المرض الذي من اجله جاءت الرسل عليهم السلام الى اقوامهم، ان الذي هو السبب الرئيسي الذي من اجله بعثت الرسل عليهم السلام هو:/الدعوة الى التوحيد الخالص.
وماذكره المؤلف في كتابه عن ابراهيم عليه السلام انما هي: آثار للكفر الحاصل وليست هي اصل بعث الرسل، والكفر سبب كل بغي وظلم واحتكار واستغلال.
فإذا أمنه الناس وعبدوا الله وحده دون سواه عبادة قولية وعبادة فعلية وأخلصوا القول والعمل لربهم وساروا على هذا بصدق متابعة ووعي تام ودوام نيّة زالت تلك الآثار السيئة بزوال اصلها وزالت بزوال سببها.
ثم يورد في ص 110 مثالاً على ماذهب إليه يؤكد ان العرَض وليس المرض هو سبب بعث الرسل عليهم السلام، يقول:
(فرسالة شعيب عليه السلام انما كانت رسالة خلاص من شرور : الاحتكار والخداع في البيئة التي تعرضت (بحكم موقفها من طريق التجارة)
ونسي ان القوم ما ظلموا وبخسوا واحتكروا إلا لأنهم: كافرون بالله,, ولهذا قال سبحانه وتعالى: والى مدين أخاهم شعيباً قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إلهٍ غيره قد جاءتكم بيّنة من ربكم ثم قال لهم بعد ذلك:
فأوفوا الكيل والميزان ولاتبخسوا الناس اشياءهم ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم:
ان كنتم مؤمنين
ثم بيّن سبحانه وتعالى انهم بجانب كفرهم وماترتب عليه يدعون الى الصدّ عن الايمان بالله، فالله جلّ وعلا يقول على لسان نبيّهم ورسولهم شعيب عليه السلام.
ولاتعقدوا بكل صراط توعدون, وتصدّون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً .
فقول المؤلف في ص 109 (أن آفة مدين هي أن هذه المدن على مدرجة الطرق، وان قصتها في القرآن الكريم هي قصة التجارة المحتكرة والعبث بالكيل والميزان وبخس الاسعار والتربص بكل منهج من مناهج الطريق، وليس أدلّ على حدوثها من التوافق بين النشأة والرسالة)
ماذكره المؤلف ليس بصواب.
ان الصواب ان قوم شعيب عليه السلام كانوا كافرين ولهذا ظلموا وبخسوا واحتكروا واستغلوا، ولهذا قال سبحانه بعد دعوة شعيب لهم على لسانه:
ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين .
لكن لما يكونوا كذلك فعلوا مافعلوا فلا يكون ما فعلوه ويفعلونه هو سبب بعث شعيب وإخوانه الرسل عليهم السلام الى اقوامهم ، والذين يفعلون هذا مافعلوه الا لوجود سببه وهو الكفر بالله.
ولاشك ان ماقاموا به يعدُّ من كبائر الذنوب وموجبات النقم لمن فعل من:
المسلمين فلا يذهبنّ بك ماذكرته هنا الى تهوين شأن الظلم والفساد والافساد والبخس والاحتكار، وفي ص 111/112 ينقل المؤلف كلاماً من اخبار متفرقة من :/
كتب دينية يهودية ونصرانية
محرّفة،
كتب صوفية جاهلة.
كتب يهودية ونصرانية
اخبارية ملفقة
كتب تنجيم وكهان وشعوذة.
والمؤلف وهو يكتب في هذا لعلّه من اول من يدرك خرافة وخزعبلات يهود والنصاري فلا اعلم سبباً لتركه النقاش لمثل مانقله، وقد كذب كثر من يهود والنصارى ماذكر بعضه المؤلف لاتكائه على :
الكذب.
التنجيم.
السحر.
استغلال البسطاء.
يقول المصنف: (وقد تكاثر النذيرون قبيل مولد السيد المسيح وهم المنذرون لصحبة المخلص المنتظر، لان مولده عليه السلام وافق نهاية الألف الرابعة من بدء الخليقة على حساب التقويم العبري وهو الموعد الذي كان منتظراً لبعثة المسيح الموعود لأنهم كانوا ينتظرونه على رأس كل ألف سنة، ومنهم من كان يقول ان اليوم الإلهي كان ألف سنة كما جاء في المزامير، وان عمر الدنيا اسبوع إلهي تنقضي ستة أيام منه في العناء والشقاء ويأتي اليوم السابع بعد ذلك كما يأتي يوم السبت للراحة والسكينة فيدوم ألف سنة كاملة هي فترة الخير والسلام قبل فناء العالم.
ولايزال الغربيون هكذا يعرفونها باسم الالفية MELLINIUM ويطلقونها على كل عصر موعود بالسعادة والسلام، والذين قد رأوا ان القيامة تقوم بعد سبعة آلاف سنة هكذا من بدء الخليقة كانوا يؤجلون قيام ملكوت السماء على الارض الى نهاية الألف السادسة، ويومئذ تسود دولة المسيح الموعود).
ويختلط الامر على المؤلف جداً كما اختلط عليه من قبل في حديثه عن /شعيب/ عليه السلام وإنه انما جاء للنهي عن البغي والاستغلال والبخس مع انه اورد آيات من:
سورة (الاعراف) تبين ان شعيباً قد جاء بالدعوة الى عبادة الله تعالى وحده دون سواه وبينت ان سبب هذا الجهل بحقيقة اصل دعوة الرسل عليهم السلام وهنا يقول لهذا السبب وللجهل بما بيّنه القرآن الكريم في سورتي الاعراف وهود يقول عن عيسى عليه السلام ما لايصح في الاعتبار لو تم له اعتبار يقول عفا الله تعالى عني وعنه : (ولم تكن رسالة السيد المسيح رسالة تشريع (هكذا) لان الشريعة الدينية كانت في ايدي أحبار الهيكل والشريعة الدنيوية كانت في ايدي اتباع قيصر، ولكنه عليه السلام قد جاء بالفتح المبين الذي لم يسبقه إليه سابق من المرسلين في تصحيح الشرائع يحملها)
فالمؤلف ابداً لم يقرأ سورتي: هود وياسين، ولم يقرأ قصصاً من خلال نصوص القرآن كما سبق ذكر ذلك من قبل، وما جاء عنهم في الكتب الستة,
فهو يقول: ولم تكن رسالة السيد المسيح رسالة تشريع) فما عساها ان تكون إن لم تكن رسالته عليه السلام رسالة تشريع لكنه لم يقرأ سورة: المائدة وسورة مريم.
لقد بعث الله تعالى عبده ورسوله عيسى عليه السلام:
بالدعوة الى عبادة الله وحده.
وتحليل بعض ما حرم على بني اسرائيل.
وبالحكمة.
والهداية.
ورفع الظلم.
والبغي.
والاستغلال.
والتشريع/ دين/ ودنيا.
وبالبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
والمؤلف كذلك يقول: (قد جاء بالفتح المبين الذي لم يسبقه إليه سابق من المرسلين في تصحيح الشرائع بجملتها)
وهنا يكاد المؤلف يسير في خط ماكتبه جملة من : النصارى المعتدلين الذين لم يقولوا بألوهية عيسى: عليه السلام ولكنهم انحرفوا بعيداً عن الحق.
فإن نبي الله نوح وابراهيم وموسى قد سبقوا عيسى بما جاء هو به الى قومه وهم قد جاءوا:
بالدعوة الى التوحيد الخالص:
ان لايعبد الا الله وحده.
وجاءوا:
بمنهج الحياة كاملاً.
غير منقوص.
وغير محابٍ, ,,وغير اعوج.
وغير خاص.
وغير غامض.
فالمرسلون سبقوا عيسى بما جاء به الا ماكان من : المعجزات المؤيدة لرسالته فان لكل نبي معجزة تخصّه حسب حال الزمان ومايقوم به القوم في زمن كل رسول.
لكن قوله بعد ذلك في ص113 (فقد حطم عنها قيود النصوص ونقلها الى مقياس الضمير), موهم جداً لكنه ان قصد/ نصوص: احبار السوء والبغي والكذب والحيل فصواب لأن كثيراً من الاحبار والرهبان يلوون النصوص ويأكلون اموال الناس بالباطل واللعب والتخويف المبطن، ويستعبدون كثيراً البسطاء والعوام وطلاب المنفعة، وان قصد: نصوص ما نزل على من كان قبله من المرسلين/ عليهم السلام/ فعيسى مابعث الا لما بعث به من كان قبله مما مرّ ذكره لكنه لعله قصد نصوصاً مما وضعه الاحبار والرهبان وهذا هو السائر على منوال طرحه اذ هو:
ذو نية صالحة ولا يتهم في نقد دعوات الرسل وماجاؤوا به: من التوحيد ومنهاج الحياة.
وفي ص 114 قال (رسالة محمد عليه السلام رسالة إلهية قوامها أن الله حق وهدى).
فهذا صواب لكن لم يرد ان الله جل وعلا من اسمائه (هدى) لكن لعله اراد والطريق اليه طريق: هدى.
وقال وهو كلام صحيح : (ولم تكن منفعة الامة العربية مناط تلك الرسالة لانها ايمان برب العالمين، ولا فضل فيها لعربي على أعجمي ولا لقرشي على حبشي الا بالتقوى، ولم تكن مقاضاة لوعود لان الاسلام لم يعِد احدا من العالمين بغير ماوعد به الناس كافة في جميع البقاع والارضين).
وهذا لو سار عليه تترا لبلغ الغاية من معرفة اصل من اصول الاسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو مثال حي دائم صلب يقف تجاه من اراد معرفة حقيقة دعوة الاسلام.
جاء في ص 116 تحت الوساطة: (فحيثما وجد المسلم ففي وسعه ان يؤدي صلاته و(أينما تكونوا فثم وجه الله) وكلام المؤلف هنا من الكلام الذي لايقال بجانب آية لها سبب نزول ولها تعلق بحكم شرعي، ولايصح في هذا : الاجتهاد ولكن كثيراً من صنّاع الادب ومحرري الثقافة وكتبة: النقد، وحتى في بعض المجالس الخاصة ذات الطابع العام تجد من يُفتي ومن يحلل ويحرم ويوجه ويفترض ثم هو يورد نصاً او نصوصاً لايدري ماتدل عليه ولا سبب نزولها هل هي قضية عين او عامة هل هي مطلقة او منسوخة وعامة المثقفين يدخلون في مثل هذا ولعل بعضهم يدرك نقصه في الإدراك لكنك تلاحظ جيداً انهم يفسرون ويقولون حسب ماهم يبحثونه ويميلون اليه.
واذا انت نظرت الآثار تجدهم يخلطون بين : الآثار، والحكم، والمثل ليكون مايذهبون اليه دليلاً على الطرح المطروح من هذا اوذاك.
وهذه بلية دون ريب رأيت العقلاء من المثقفين والنقاد يتركونها فاذا جاء مايتعلق بآيات او حديث توقفوا او سألوا وبحثوا بعقل وحكمة وتأنٍ وحسن خلق.
فالمؤلف هنا شطح لأنه قال: فحيثما وجد المسلم ففي وسعه ان يؤدي صلاته وليس كذلك فالآية من معانيها ان من لم يدر جهة القبلة ودخل وقت الصلاة فعليه اذا لم يدر جهة القبلة بوجه صحيح ان يجتهد فيصلي وليس: حيثما وجد بل يكون في :البر، او البحر، او الجو او في قرية لايدري اين مساجدها لم يخبره احد بجهة القبلة.
والمسلم من شرط صلاته عليه ان يتجه تجاه القبلة لكن يجتهد اذا لم يعلم جهتها، وجاء في نفس ص 116 قال: (واذا وجبت صلاة الجماعة فكل مسلم يحسن الصالة يجوز له ان يؤم المصلين حيث اجتمعوا ولايشترط اجتماعهم في مسجد معلوم).
وهذا منه مثل الاول فقوله: (فكل مسلم يحسن الصلاة يجوز له ان يؤم المصلين) كلام ينافي الحق فقد ورد في الصحيح:
(يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله) فليس كل مسلم يحسن الصلاة يصح له ان يؤم المسلمين في الصلاة جماعة فان الحال هنا حال نص صحيح لايجتهد معه بحال وحديث عمرو بن سلمة وهو: صحيح يبيّن هذا حيث أمَّ قومه وهو قريب من الثامنة من عمره وخلفه كبار سن والعلة في هذا أنه كان اقرأ القوم لكتاب الله، وقد نهض الاجماع على أنه لايؤم المصلين الا الأقرأ لكتاب الله ثم الاعلم بالسنة الا اذا وجد عارض من العوارض الشرعية كأن يكون هذا الأقرأ صاحب بدعة يدعو اليها او علم من حاله فسق ظاهر او ضعف بيّن في الامانة فحينئذ يؤمهم غيره من المسلمين الذين يدركون السنة ويعونها, ثم ناقش مسألة (الاهلة) وبيّن هناك اهمية وسائل الرصد، وكأني فهمت منه انها وسيلة لاثبات: الاهلة، ومن المعلوم انه نشأ خلاف حول: المنظار المقرب, ولعل الصواب انه وسيلة علمية جيدة لاينكر دورها في كثير من مسائل الحياة لكن ماورد به نص لست اظن انه يجتهد فيه فقد ثبت (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) والرؤية هنا يقصد بها العين المجردة لكن المنظار يستفاد منه من جهة تحديد مكان الهلال حال ولادته، ولو سرنا نعدد حقيقة فائدة المنظار لطال القول لكنه لا يثبت حقيقة شرعية لاتثبت الا بما نص عليه الشارع الحكيم.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved