Sunday 11th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 25 ذو الحجة


تحولات الأثر,,لغة الرؤيا,.
قراءة مختلفة للمجهول,,2
غالية خوجة

(2)إيماءات الأثر/ تحوّلات الصيرورة:
الشعر متغير يثبت في اللاثبات، يخطف المجاهيل، ويشع بأرواحها التي لن تنطفىء,, ولأنه كذلك فهو النور الغائب الذي يترك لنا على القصيدة آثارا تفاعلنا معه,.
فكيف تلامعت رؤى قصائد العدد، وكيف اخترقت عتمة الواعية الكونية لتكتب لا واعيتها,,؟
(1) قصيدة زمن الأحجيات
للشاعر عبدالرحمن بوعلي :
قصيدة رفضت الواقع، فأشارت الى زمكانيته المعيشة، حذفت المعتم، المرفوض، ودخلت فضاءاتها الاربعة (مدن/ شاعر/ رجل آخر/ رياح)، موزعة الحلم على الوصف، والذات على النص، والعلائق على متضادات العالمين منطلقة مرة من الذاتي الى الموضوعي، واخرى من الموضوعي الى الذاتي.
فما بين (المدن) و(الشاعر) اتضحت آثار منقسمة الى محمولين (رجل آخر/ الرياح) بينهما نثرت الذات الشاعرة أبعادها الحاملة والقابلة للقراءة ضمن متوازيين: 1- العالم الذاتي (شاعر/ رجل آخر)
2- العامل الموضوعي (مدن/رياح).
(سلبتنا الاغاني
والأماني
والرجاء
واعطت لابنائنا
في الزمان الرديء
لغة باردة,,)
مقطع من (مدن) سنشاكله مع عنوان جزئي آخر (الرياح):
(الرياح التي اشتهي
أن أزوجها كلماتي
لم تصلني
الرسائل ايضا،
لم تصلني
والقصيدة ايضا.
لم تصلني
,,, ,,.
لم يصلني,.
منك غير الحطام,)
ما بين الرياح والاستلاب، دلالات توصل ظلال الزمن الى العدم,, وفي كلتا دلالتي الريح والاستلاب صوتيات لأنين مارسته المعاني الحاملة للرؤيا,.
ف (المدن) كرمز مكاني ضاع في (الزمن - الرياح) كمسافة ضيعت بدورها (المدن), اما ناتج الضياعين فهو المترامز بين (لغة باردة) وبين حركية الفعل المنفي (لم تصلني)، واعني درامية الزمني والحلمي، حيث تتداعى اللحظة الحاضرة الى فراغين، فراغ ورث الابناء ضياع المدن وهو ما تراكم من الدلالة بين لغة النص ولغة الزمن والاستلاب (سلبتنا الاغاني/ واعطت) فرغم ظهور الدال (أعطت) كفعل نقيض للدال (سلبتنا)، إلا أنه يبتعد عن مدلولاته الى نقيضها ايضا مشكلا في المشهد الشعري صورة ضمنية لتضعيف الاستلاب، وهذا ما تؤكده العلاقة بين صفتي الزمان واللغة (الزمان الرديء / لغة باردة ) وبين النفي الذي يثبت هذه الصورة الضمنية (لم يصلني) وذلك كفراغ ثان يحيل ذواته والاغاني والقصيدة الى اللاوصول، الى اللا انتهاء، وهنا يظهر زمن الآتي المكثف في الصورة - المحور (الرياح التي اشتهي، ان أزوّجها كلماتي = لم تصلني = القصيدة= زمنية الرؤيا النابعة من هذه الصورة الى حواس كل من المدن والرياح، والمتبعثرة في انساق الشعرية الاخرى المسقطة بين (شاعر) و(رجل آخر)، حيث يكمل مشهد الشاعر لغته الواقعية الواصفة بإحالتها الى ازدواجيات الزمن الذاتي للذات وللذات الاخرى، رافضا عبرها الشاعر زمانية المكان، ومكانية الزمن (عيبه/ انه عاش في زمن الأحجيات، شاعرا/ لم يقل غير لا ثم مات).
مسافة الرفض تعادل باطراد مساحة الموت (شاعر = لا = مات)، لكننا نلمح تحولية هذه المعادلة إلى خلفية تنبسط عليها دلالات حلمية، تسحب الحلم من الرؤى لتخلفه آثاراً لمسافة لغوية، منها انبثقت حياة ظلالية مرادفة لنوعين من الموت، موت يبتعد من نفسه ليصير الروح، وموت يبتعد الى مكانه الفيزيولوجي الجسد وما بين الموت الميتافيزيقي، والفيزيقي تتوتر الرؤيا لتتهيكل في حواس الصورة الضمنية المحور: فبنى بالحروف لغات، وبنى بالاظافر صومعة، ثم مات) وجه الاثر هنا، يحمل ملامحه في نقيض الموت (لغات/ صومعة) الملامح التي التقت مع زمنية الرؤيا في الصور (الرياح التي اشتهي ان ازوجها كلماتي/ والقصيدة ايضا، لم تصلني).
اما ما تداخل من هاتين الصورتين فهو ما انفتح علينا كزمان نصي متجادل مثلت طرفيه المتضادين صوتيات العمق الظاهرة عبر الدوال (لغات/ صومعة/ كلماتي/ القصيدة) كطرف اول عكس فضاء القصيدة الآخر، و(مات) كطرف ثان اما شرر اللحظة الكاتبة والمصالح بين هذه الاضداد فتجسد ب، (لم تصلني) كعمق مضاف فتح اجنحته داخل فضاء لم يأت,, لكن ,, ما شوش من هذه الكثافة هو سردية الصور ووصف حالاتها، مما ادى الى خفوت حدة هذه الرؤيا وتوتراتها وجعلها اقرب الى التسارد، ولقد ظهر هذا الخفوت على اشده في المشهد الثاني من العنوان (رجل آخر) رغم اشارته الى فروقات الوطن العربي وتناشز لحظات هذا الوطن (هكذا,, نحن في زمن الاحجيات امة واحدة).
(2) قصائد قصيرة للشاعر عصام ترشحاني
ثلاث حالات عزفتها الرؤيا الغائرة في مجاهيل اللحظة الذاتكونية انبنت على ايماءات الاثر وعلى المدلولات المتوارية في حركية حلم لاتثبت لكنها متدرجة البياض, ففي الحالة الاولى تماوجت الابعاد الدلالية على شكل ظلال نصفها تناوب احاسيس الذات الشاعرة والذات الاخرى، ونصفها المتبقي سحب بعضه الى الواقع، ومن حركة هذين المنصفين انبثقت الحالة وكشفت عن وقعها المكاني والزمني (على ابواب حدائقه/ تغادر نحو الشارع/ حين تحس بان الشمس هناك تدور وحيدة) دوران حمل دراميته على محمولات الصور وحواس الطبيعة، وانفلات الدلالة من مألوفها (ترسمه مهجورا بين الناس ومحتميا بالوحدة والاوهام واشلاء قصائده,,) حيث الاختلاف يتناسج مغيرا شكل الهجرة والاحتماء وموترا فجوة النبض بين الذات والذات، وبين القصيدة الفجوة التي تكتسب شكلا اخر من خلال صورة جمعت امتداد الهجرة وحولته الى المناقض:
(هاهي تسحب من كفيه الخنجر.
والاوراق،
وبعض الاسماء,,،
وتعطيه رغيفا
مسكونا بالاطفال,.
وزهرة قنديل,.
قمرا,, وفراشة,,)
تتصالب اشارات الدوال ، ومن نقطة التقائها ينتج فضاء هو حيز الحاسة الرؤيوية الكامن بين:
1 - (ترسمه مهجورا بين الناس) و(تعطيه رغيفا مسكونا بالاطفال).
4 - ( اشلاء قصائده) و(زهرة قنديل، قمرا، وفراشة)
وما هذا الفضاء سوى بوح القصيدة المضاء عبر وجدانيات الرموز (زهرة قنديل/ فراشة) كرموز ظللت رمز الصورة اللاحقة (تترك بعض ملامحها المجنونة في كأس الماء,,) فعبر هذه الدرامية المترامزة ظهر البياض نافرا بخفوت لم يتوهج الا في الحالة الثانية، حيث كثف اثاره في الخافية النصية.
(هذا المأخوذ بما اكتمه
يستوقف حال قيامته،
شعري
وعليه يفتح قدرة خضرته
تترابط تداعيات الكشف في الجانب الخفي من المدلولات، وتتحرك بين الكاشف (المأخوذ) والمكشوف (بما اكتمه) وذلك كحدين للحركية الصاعدة الى جسد النص، وواعية الكلمات(يستوقف)، فرغم ما تحمله هذه الدلالة من سكون وثبات، الا انها صعدت دينامي الحدث الشعري بين (حال قيامته، شعري) كمجهول تناسبت اضاءته من قبل الصورة اللاحقة، كمرتكز لون البياض باللمح والخضرة (وعليه يفتح) وهي اشارة على انبثاق (اكتمه) الانبثاق الذي لونته مخيلة الصورة المحمولة على (قدرة خضرته) ثم تتوالى اللحظة المختزلة لتتوتر فجوة تتلامح فيها الذات كوجود متسع ضم عناصر التكوين:
(كم بخرني بالورد
وزفرني
بايادي الماء,.
القى نيزكه في قلبي وطغى).
(بخرني) رمز نتج عن الماء ليتحول الى هواء، ويبقى رهين التحول (المجنون/ الانواء) وذلك لما لهذه الدوال من تغيرات لا تعرف الاستقرار لكنها قابلة للحواس المركبة والمتفاعلة بين العناصر الاخرى (الخضرة/ الورد/ الماء) و (2) (نيزكه = النار) المتناقضة مع (3) (الظلماء)، فالعنصر الاول يرمز الى انقلابات الصلصال (الخضرة/ الورد= التراب - الانسان) (الماء) = الخصب.
من هذا التباين الاختزالي نستشف كيف اتحدت الذات بنفسها وانسجمت مع كونها تاركة للمأخوذ المسحور، دهشة التكوين التي دارت حول نفسها لتتشظّى الى محورين (الدم/ الوطن) وهذا ما أومأ اليه المقطع الثالث كحالة استدرجت حضرتها الى حلم اشتبكت فيه مدلولات (الشجر/ المطر) لتنعكس بين وقعين (يقرع الحلم/ نبض النخيل) ولترتفع الى فضاء الدم والوطن، وذلك ضمن دلالية الرؤيا المتأرجحة بين الفعل (يذرف) وبين (اجراس المطر):
(انه الآن على
مرمى الشجر
يقرع الحلم ,,وفي نبض النخيل
وطن يذرف الحب ,,واجراس المطر,,)
دلالته رؤيوية شكلت من البياض حالتها المختلفة ، والمتلاطمة على جسد القصيدة.
يتبع
(3) (بطاقات) للشاعر (طلعت سقيرق):
عناوين اربعة (نهار/ النقيض/ الحياة/ أمنية) داخل الشاعر ذاته بينها ليخرج من حالاتها روح الواضح ويتركها في اول عمق للكلمات الطالعة الى شفافية الحلم وانينه في آن.
(أطير قلبي غمامة عشق
لتمطر حبا على كل دار
لعلها الزمان يعيد الامان
ويزهر في الطرقات النهار).
غنائية النبض تعالت بين الرفيف (أطير) وبين مدلولات التحول (قلبي/ غمامة) المستمرة في العبور الى ملامح فسرتها آثار (لتمطر) مشيرة الى تصحر الزمن، والى مسافته الاتية من (القلب) كاحالة على اشعاع اللحظة (يزهر/ النهار)ومفردات الخصب, اما (النقيض) فهي حالة وازت بين (البكاء/ الفرح، الابيض/ الاسود) مرتكزة على وقع (القلب والروح) ومبتعدة عن الزمكانية (يأخذني القلب في كل الجهات وتطويني الروح) ومقتربة من حاسة الانكسار المتضادة بين (اعيش لحظة البكاء والفرح) وبين (يعود القلب قتيلا وعلى باب الصدر والروح، ينقط حلما ودما وشيئا من رماد) فما بين البين هذا توترت العلائق لتكون فجوة المدلولات المحورية الناهضة من مخيلة النص الى مخيلة الصورة وذلك كحواس تأملية تكثفت بالرموز (الحلم - الرماد)، ولونت فضاءها باللا اتجاه.
اما (الحياة) و(امنية) فهما حالتان تراوحت ظلالهما بين المباشرة والالتماع فمهدت الاولى رؤى الثانية، وذلك عندما عرى الشاعر الحياة (اجمل اجمل ما في الدنيا انك تحيا) (انك تمشي,, تركض,, تحكي,, تمطر تشعل فيك هواك) وقرأ التضاد (تمطر تشعل) على انه البعد الذي اختار انعكاساته من دواخل فضائه (فيك) الى دواخل العالم ( اجمل ما في الدنيا انك تحيا)، اشارة من الذات الشاعرة على اتساع الفضاء الاخر والمترامي في عنوانه الثاني (امنية) وذلك ليحاور الانسان عبر خباياه الكامنة (يا صديقي يتسع العالم للجميع، فلماذا تدور حولي لاهثا، تحاول ان تهدم كل ما ابنيه) هل ضاقت الدنيا الى هذا الحد؟) ورغم سردية اللحظة المقروءة الا انها ترصد اليومي المعيش، والزمن المتحلل داخل النفوس كاشفة عن امكانية للتغيير تتجادل مستفهمة لتظهر في نهاية القصيدة على شكل الم محب يضم حلمه الى الآتي:
(كم اتمنى ان تكون كبيرا
ان تفهم سر الحياة
ان تكون صديقي,, ياصديقي).
(4) معلقة للغياب للشاعر (فادي الخلف):
توترت القصيدة في اللا مألوف، غابت عن الواقع لتدخل في الرؤيا ناسجة من اللاثبات (الرحيل) لحظة الكامن (السر) ولحظة الموت: (الرحيل انتقام من السر/ واذ تغربين يموت النهار) ومن هاتين اللحظتين تفتقت اللحظة الغائبة لتكون من الكامن ما يرتعش بعد الموت (تصير الخرافة بيتا من الشعر - يزحف نحو الرماد ليحفر قبرا) درامية الحواس تتصعد كفجوة اختزلت الرؤى وعكست احالاتها على مدلولات الروح الساطعة بين (الموت - القبر/ الشعر - الرماد) لما تضمه هذه الرموز من تفاصيل تؤدي الى بروز العمق - ذات الشاعر، على جسد النص كمعادلة وازت الشعر بالموت، لكنها اوحت بما وراءه مجردة المجهول من سره والآتي من الموت (ستطمره الريح بعد القصيدة) متوسلة في ذلك عودة الحيز الابيض الى فاعليه القصيدة (ستطمره) مستقبل البياض ( القصيدة) سر هذا الآتي, فرغم دلالات فعل (تطمره) الا انه الكشف يُراكب ابعاد الطمر في الصور اللاحقة ليجانس مخيلة الرحيل كحركة تستمر في اللاثبات وليس في القبر .
الرحيل:
1 - انتقام من السر
2 - اعتراف من السحب والاقحوان.
3 - ارتجاف من النور.
وبعد هذا لارتفاع الحلمي تخفت دينامية المستمر لتعود الى قاع اللحظة المستقرة (شنق الضفاف) ثم الى اللحظة المتوترة (خوف من القبل الهائجات) (وتسبيحة للجفاف).
وعن طريق تضاد الرموز (السحب/ الجفاف) ينفي الشاعر النقيض الثاني (الجفاف) موهجا الابعاد المتنامية من خلال الصورة المنفلتة من الغياب (لست السراب الذي تنزفين) والدائمة الخفق الظاهر من تراكمية المداليل على جسد الحضور المرموز له ب (حائك لخيوط العناكب) وذلك للتأكيد على النفي (لست) باشارة حملت أنا الشاعر الى مكانية لغوية، واهية وشفيفة اولا (سوى حائك لخيوط العنكبوت) ثم منطوية في حلظة من الابد، لحظة ولجت قلق الشاعر وشكلت مكانية مجردة بين الحلم والحرف (في حجرة اغلقتها الحروف الى المنتهى,,) نتراءى هذا المجرد يكور الرحيل على الرحيل، ثم يسبقه الى لامألوفه المسقط بين (المنتهى) و(الغياب)، ومن هذه المفارقة التي شكلت تفاعلية انكشاف السر (الرحيل انتقام من السر) شعّت في القصيدة دينامية الغامض، وتناسبت مع بنيتها الشاملة (قبيل الرحيل احرك معلقة للغياب).


رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved