Sunday 11th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 25 ذو الحجة


القاص العوض
لم يعد هناك نص يمكن أن يكتب

البطل الحديث لم يعد بطلا، وإنما هو ذلك الإنسان الذي سحقته الآلة وأحالته الى مجرد مادة تمشي على الأرض, هذه الشخصية الحديثة، والتي تمثل انسان القرن الواحد والعشرين والمشحون بكل تراكمات إنسان العصور السابقة، تخلت عن أدوار البطولة وأصبحت تمارس دورا هامشيا, الشخصية الرئيسية التي يجب أن يتحدث عنها النص الحديث هو هذا الإنسان الهامشي الذي فقد هويته ويحاول دون جدوى أن يبحث عنها، وهو لا محالة صائر الى نهاية وشيكة تحت رحمة الآلة التي اخترعها بيده, البطل في الأعمال الادبية اليوم هو ذلك الشخص الذي يمكن أن يكون اي شيء إلا أن يكون بطلا! قل لي بالله عليك كيف أكتب نصا بطله يتمركز حول نفسه، ولا يستغني عن الريموت كنترول،ويأكل طعامه خارج المنزل، ولا يذهب بأطفاله الى المدرسة؟ لم يعد هناك نص يمكن أن يكتب، ولهذا السبب تجد بعض الكتاب يتهرب من الوضع المعاصر ليكتب عن حقبة قديمة أو زمن ولّى لأنه لا يجد ما يصلح كمادة أدبية في هذا الوقت الحديث.
في ظل هذه الظروف السيئة، سيظل النص بلا روح لأنه يعكس حياة انسان جامد، لكن مازال هناك بعض الشخصيات التي أحب أن أقرأ عنها والتي أصطادها في طرقات الأحياء الكادحة والتي مازالت تحتفظ ببقايا الإنسان القديم, أما الشخصية الأرستقراطية فاني أكره القراءة عنها فهي لاتصلح أن تكون مادة لأي عمل أدبي لأنها تعيش حياة جامدة جاهزة تقدم لها على طبق من ذهب دون أن تحاول المشاركة في خلقها.
لهذا السبب فأنا أبحث عن هذه الشخصية التي تكدح في سبيل صنع حياتها وتتذوقها حتى الثمالة إن خيرا فخير وإن شرا فشر, أبحث عنها في كل مكان: الشارع، السوق، المطعم، المستشفى، المسجد، الجامعة، الملعب، البنك، الجريدة، التلفزيون، الهاتف، الرحلات.
يكفي، مثلا، أن أسترق السمع لمحادثة هاتفية تحدث في مكان عام فأجتهد خيالي وأرسم صورة متخيلة لهذه الشخصية وأختلق لها العقبات والأزمات واصنع لها الحياة التي أريدها أن تكون, احب قراءة النص الذي يزيدني نفورا من الأشياء التي أكرهها، أو يزيدني أنجذابا الى الأشياء التي احبها، أو يكشف لي شيئا جديدا لم يكن يخطر ببالي، لكن تظل الشخصية الرئيسية ومن يشترك معها تحت سيطرتي الكاملة وإن اتضح لي أن هذه الشخصية قد انفلتت عن الأشياء التي أؤمن بها انتظرت لأرى ماالذي يمكن أن تؤول اليه فان اقتنعت بما تحاول أن تقول وإلا رميت بها في صندوق النفايات.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved