Sunday 11th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 25 ذو الحجة


تلويحة
تفاهة الفضائيات
عبدالعزيز مشري

* قال زيد ل عمرو وكانا قد بلغا حدا هاويا في الحوار الذي يعتبره عمرو حواراً مهما اتخذ شكل الخصومة والمنافرة؛ وعدم التوافق في احترام قول المحاور,, او السماح له بمواصلة القول، او الاتهام ب العلمنة المدعاة والمخالطة بين الرأي الانساني والعقيدي، او ضروريات الحياة التي لا يمكن ترجيعها بحكم الرغبة:
- هيّا، قل لي يا عمرو,, هل تشاهد ما يسمونه ب الفضائيات ، وهل رأيت كم هي فاجرة ومضيعة للوقت، وتقود اولادنا الى الخراب والتسيب والركض وراء الصورة المصبوغة بطلاء الغرب,, وقل ما تشاء فيما لا تشاء؟!
أجابه عمرو ؛ وكان يستمع باخلاص حتى ولوكان في غير موقف الموافقة على كل ما قال في سؤاله,, (انه يسأل دائما):
- نعم ,, يا أخي زيد اني أوافقك على ان الفضائيات التلفزيونية - العربية - منها بالذات؛ ما تقدم للمشاهد العربي سوى ركام من التكريس على الاعلانات والمسلسلات المستهجنة، وبعض الاخبار التي تنافي الوكالات الغربية القائمة على استراتيجات يفهمها القريب والبعيد، الأمي والمتعلم، الفاهم والغبي,, لكن ماذا تقول يا اخي هل نعزل انفسنا عن العالم؛ ونحيا بعيدا في هذا اليوم الزماني عن العالم الموجه لنا؟
! غضب زيد وتجهم وجهه قائلا بكامل انتفاخة شدقيه:
- هذا الفساد بعينه ,, لقد تعبت مع اولادي وهم يربون شعورهم الطويلة,, فاذا بالاعلانات الفضائية تتحدث في وسط برامجها التافهة عن احدث المبتكرات عن الشامبوهات والمستخلصات عن تطوير الشعر ولمعانه وبريقه!
- ليست هذه هي القضية يا ,, أخي زيد دعهم ينظفونه ويلمعونه,, لكن ماذا قدمت لعقولهم؟!
زيد لا يستطيع ان يأخذ الامور الا بأشكالها قبل عقولها رد وقبضته في يده الاخرى:
- لا,, لا,, ان هذا الامر يهمني جدا؛ فالرجال لا يتشبهون بالنساء، النساء لا يتشبهن بالرجال كيف يجوز ونحن خير امة اخرجت للناس ان نفعل هذا؟
اجابه عمرو قائلا:
- وهل تهمك الشكليات يا أخي,, دعنا من هذا الآن؛ وليطولوا شعورهم, المهم ماذا يعقلون ويفهمون؟!
قاطعه زيد بحدة:
- لا ,, لا ,, الشكل هو المهم,, المظهر هو الاساس, فلولا الدافع التقليدي الشكلي لما كان الانجراف.
أجابه عمرو وقد استحسن تجاوب المحاورة - على الاقل:
- لا بأس,, يا أخي,, خذ ما يناسبك في الفضائيات؛ واترك ما لا يناسبك!.
اجابه زيد :
- وماذا يناسبني؟ ، لقد هددت بقطع الدش ورميه من فوق سطح الدار، اعلنت على كل اهل الدار؛ المقاطعة لكنني حين اذهب لصلاة العشاء,, اعود؛ وقد وجدتهم في غرفهم يطالعون ما منع عنهم في هذا الجهاز التلفزيوني الخبيث,, ماذا افعل؟
اجابه عمرو وبمنتهى الواقعية:
- لا تحرق اعصابك يا أخي,, دعهم ؛ فانك لا تستطيع تغيير البرامج على ما ترغبه، ولا تقدر على نسف كل الفضائيات العربية الممجوجة على رغبة ما ترتضيها؛ انني اتفق معك على ان الفضائيات العربية لم تأت بجديد.
- ربما بعض الجديد القليل فيها جاد بجدية نحتاج اليه جميعا فكيف نعترض على الكل مقابل القليل البسيط؟
حك رأسه زيد بكل حسرة وقال:
لولا انني قرأت قولا ل ابن المقفع قال فيه (اخذ القليل خير من ترك الكثير، وبالله التوفيق) لأعلنت ,, انك علماني لامذهب لك اذهب ,, فان قولك (ولو انني اشك فيه) ربما كان جانحا نحو الصحيح ,, ولكن,, الا ترى السماء مغيمة في أول بوادر الربيع؟
***
كان زيد يخاف من ابتلال ثيابه بغيوم الخريف فحاذر ألا يقع في هذا وترك صاحبه عمرو في سماء متغير بغيوم متغيرة لا يأمن لها.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved