Sunday 11th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 25 ذو الحجة


مع التربويين
البداية الجادة مطلب تربوي هام
د, عبد الحليم بن ابراهيم العبد اللطيف

في النفس الانسانية ضعف اساسه ما ركب فيها من شهوات وما يعرض لها من شبهات او مغريات وما يستولي عليها احياناً من غفلة وما تتعرض له من اغواء او اغراء (ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) والعبادات في الاسلام في مجموعها صلاح وفلاح ديناً ودنيا، وهي في الوقت نفسه طريق جيد وموصل للتغلب على هذا الضعف ومقاومته وسبيل الى التألق والتسامي والانعتاق من رق الشهوة وغيرها من المثبطات, وعهد الله لآدم عليه السلام لا بد منه تربوياً لبنيه لتربية الارادة وتأكيد الشخصية والتحرر الكامل من رغائب النفس وشهواتها المذلة، فلا تستعبدها الرغائب والمطالب وتقهرها كما يلاحظ في كثير من دنيا الناس, وكلما كانت النفس البشرية قادرة على ضبط رغباتها كانت اسلم وكلما ضعفت امام المغريات والملهيات كان ذلك سبباً في ضعفها وهوانها وقلة عطائها ووفائها بما يطلب منها، والتربوي الكفء بعد الله اقدر الناس على ضبط رغباته وشهواته وما تميل اليه نفسه كما انه بحول الله اقدر على القيام بالواجب بوحي من ايمانه وثوابته التربوية الأصيلة والتربية القرآنية حين تعرض للضعف البشري لا تحترمه وتعالجه من جذوره بعلاج عملي واقعي، فهي تعالج جذوره في النفس حتى تطهره من اسبابه ودواعيه ومعرفة النفس البشرية ضرورة ملحة فهي حصن احكمت اقفاله، وهي عصية لا تلين الا للتربية القرآنية، واي منهج يهدف الى تربيتها واي نظام يريد ان يقومها واي جهد يبذل بغير هذه التربية الفذة جهد خاسر ونصب ضائع لانه بني على جهل وضلال، والدليل الأكيد على ذلك - وهو لا يحتاج الى دليل - فشل هذا الترقيع والتلميع للتربية الوافدة في العالم الاسلامي, واذا كانت التربية الاسلامية تميزت بالتأكيد والتركيز على الجانب الايماني او الرباني - كما يقول التربويون المسلمون - فانها كذلك تميزت بالتكامل والشمول في جميع جوانب التربية، كما تميزت ايضا بالتركيز على الايجابية والبناء, والتربية الاسلامية تريد من المرء دوماً الفعل قبل القول، فلا يقول قبل ان يعمل، ولا يعمل الا ليتقن والمرء دائماً يوزن بأفعاله لا بأقواله وقد مل الناس التنظير والهراء الكثير والكلمات الرنانة والعاطفية ونقل ثغاء ورغاء الآخرين، والتربوي اولى من غيره بسلوك هذا الاتجاه وتعميمه وتعميقه، في نفوس طلابه ومن حوله ولن يكتب للمعلم النجاح والسداد في مهمته الا اذا كان سليم التصور صحيح العقيدة رفيع (غير رقيع) التربية أشرب اصولها وفروعها من القرآن العزيز والسنة النبوية الكريمة ولهذا نجد كبار الأئمة امثال الامام مالك رحمه الله، يحرصون كل الحرص على ابعاد أولاد المسلمين عن تعليم اليهود والنصارى, ويقول علماء التربية من المسلمين ان هذا موقف حي ومتبصر وعلى درجة كبيرة من الوعي والحكمة حيث حرفوا كتابهم وبدلوا كلمات ربهم, ويقولون ايضا ان مثل هذه اليقظة الشديدة وهذه الحساسية المرهفة هي التي حفظت بعد الله الاسلام مما قد يعرض له او يشوبه خفية من تيارات ملحدة، أو امشاج الثقافات الأجنبية التي تتجافى وصفاء ونقاء الاسلام، وينهج التربويون من المسلمين منهج السلف الصالح في الحرص على ابعاد الكفرة والعصاة من مخالطة ابناء المسلمين حفظاً لهم من اخطار التلوث الذهني والخلط الفكري وهو امر بين المصلحة وهو يخالف - ولا شك - تلك الدعوات غير الرشيدة للتفتح غير المنضبط الذي وجد في بعض ديار الاسلام فأساء الى التربية الاسلامية الماجدة ذات الأصول والجذور المتينة والعميقة, والتربية الجادة طريق الرسل الكرام ومن نهج نهجهم على مر العصور والأزمان والمعلم المقتدر يعلم بفعله وأدبه وسمته وحشمته ووقاره وهيئته قبل ان يعلم بقوله، قال وهب تعلمت من أدب مالك افضل من علمه، قال الشاطبي رحمه الله (من انفع طرق العلم الموصل الى غاية التحقق به اخذه عن اهله المتحققين به على الكمال والتمام)، وقال ايضاً (من شروطهم في العالم أن يكون عارفاً بأصوله وما يبنى عليه ذلك العلم قادراً على التعبير عن مقصوده فيه، وقال ايضا (وللعالم المتحقق بالعلم امارات وعلامات تتفق مع ما تقدم (من قول سابق) وهي ثلاث احداها العمل بما علم حتى يكون قوله مطابقاً لفعله، فان كان مخالفا له فليس بأهل لأن يؤخذ عنه ولا ان يقتدى به في علم.
الثانية: ان يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم, وملازمته لهم فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك وهكذا كان شأن السلف الصالح.
الثالثة: الاقتداء بمن اخذ عنه والتأدب بأدبه كما علمت من اقتداء الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم واقتداء التابعين بالصحابة فلما ترك هذا الوصف رفعت البدع رؤوسها (اه)، واذا كان من المسلَّم به لدى العقلاء ان التربية قضية جادة، والا فلا تربية ولا تحصيل، والكتاب العزيز، وهو اس التربية الجادة وجذرها الاصيل يقول مخاطباً نبي الله يحيى عليه الصلاة والسلام (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا) نودي ليحمل العبء وينهض بالأمانة الثقيلة في قوة وعزم، ولا يضعف ولا يتهاون ولا يتراجع عن تكاليف الوراثة، والمعلم المسلم وارث لهذا العلم الكريم وعليه ان ينهض بالتبعة الكبرى، ولذاقال التربويون المسلمون (التعليم ميراث انبياء ووارث الانبياء يلزمه ان يرث الصفات المميزة للأنبياء في ابلاغ رسالات ربهم) ومن صفاتهم ما حكاه القرآن هنا حيث قال (وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقياً) والحنان هبة ربانية لا يتكلفه ولا يتعلمه والحنان صفة كريمة للأنبياء ولمن يقتدي بهم مثل المدرسين ونحوهم، (وكان تقياً موصولا بالله وهذه اهم صفات المدرس الكفء, ومن الوثائق التربوية المهمة والتربية الجادة بالذات ما حكاه الله تعالى عن موسى عليه السلام حيث قال: وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين) واعمال التربويين المسلمين مستقاة من منهج المرسلين يجب ان تؤخد بقوة وان يكون للعمل التربوي جديته في النفس وصراحته وحزمه وحسمه، ولا يؤخذ كما يفعل البعض في رخاوة وتميع وعدم اهتمام بل بجد وهمة وحسم وصراحة وتذمم, وبمناسبة عودة المدرسين والطلاب الى اماكن الطلب وغرف الدراسة، على المدرس ان يهتم بدرسه وطلابه وان يحفظ وقته وجهده ويسخر جميع قدراته وامكاناته لنفع واسعاد طلابه، وقد فرض التربويون المسلمون على المعلم الكفء جملة من الآداب والاخلاق,, فهذا الامام سحنون حرم على المعلم الانشغال عن تلاميذه ودعاه لصرف كل وقته وجهده وطاقته لهم حتى انه حرم عليه حضور صلاة الجنازة فضلاً عن عيادة المرضى اثناء قيامه بواجبه التربوي فوقته ليس ملكاً له بل هو ملك لهم ونجد ذلك واضحا في كلام ابي الحسن القابسي حيث كان يحرم على المربي ان يتخلف عن تلاميذه لأداء الشهادات فضلاً عن حضور غيرها، ويقول اذا اضطر للتشاغل عنهم فعليه ان يعوضهم من وقت فراغه وحيث جرت العادة احياناً ان يكون الاسبوع الاول من بداية الدراسة فترة تجمع، والاسبوع الأخير فترة تقطع وهو امر غير مرغوب، ولا مستساغ لدى المربين فإن على المدرسة النابهة محاولة تلافي ذلك قدر الطاقة وبالطرق التربوية المسلم بها, ولتقطع الطلبة اسباب وهو داخل ضمن مفهوم كراهية بعض الطلبة للمدرسة، والسبب احياناً المدرسة ذاتها او المدرس نفسه، والكلام هنا وفي غيره يقال للمدرس والمدرسة في حال التقصير، - اما الجادون وما اكثرهم والحمدلله - فهم برآء من هذا وغيره، فالمدرسة الجادة والمدرس المهتم يقل او تنعدم عنده مثل هذه السلبيات اعني تقطع الطلاب وعدم انتظامهم واهتمامهم في الايام الاولى من الدراسة, وكل علاج او تنظيم سوى ما ذكر سيبقى محل نظر,, والسؤال هنا الآن هل اصبحت المدرسة بما فيها محل اغراء وجذب للطالب ويدخل تحت هذه الفقرة الكثير من كلام التربويين وثانياً: هل المدرس بعلمه وخلقه وتعامله وتجديده لمادته وافادته لطلابه وحفظه لوقته وانتاجه فيه اصبح ايضاً موضع رغبة وتسابق من قبل طلابه, الطالب انسان يهوى الجمال والكمال والتفوق والتجديد المفيد نعم الطالب مهما كان عمره يعشق كثيراً الماهر في مهنته المبتكر في اساليب تعليمه المحب كثيراً لوظيفته وطلابه يبذل جهده في التربية الحسنة فهو يربي ويعلم في آن واحد, ولدى المدرس الكفء النشيط البحاثة من الآراء والطرق الحديثة والدراسات الجادة في التربية ما يغذي به روحه وعقله, اما المدرس الآخر المتردد المتشكك الهازل غير الجاد فقد يشك في كل شيء وقد يتردد في البديهيات، والتربية الجيدة تتطلب جعل الدروس والمواد المدروسة والمدرس نفسه محبوباً لدى التلاميذ كما ان قيام التلاميذ بنصيبهم من اعمال المدرسة امر مهم وكبير، وبهذا وغيره من الطرق والمعارف التربوية نملأ ايام الطالب بالسعادة والتعليم السار المثمر، ولقد قال علماء التربية من المسلمين: (احياناً قد تمر بالمعلم اوقات يختل فيها مزاجه ويتعكر صفاؤه ويقل تفكيره وتدبيره فعليه والحالة هذه الا يعلم طلابه اذ قد تزيغ به الطريق ويكون الخطأ) ولهذا ايضا نصح المربون المسلمون المعلم المقتدر الا يدرس في وقت جوعه او عطشه او همه او غمه او غضبه او نعاسه او قلقه ولا في حال برده المؤلم او حره المزعج ويعللون ذلك كله بأنه ربما قال بغير الصواب فيقع المحذور ومما يعين بعد الله على الضبط والربط والانتظام من اول يوم من بداية الدراسة - وهو مستخلص من كلام اهل الاختصاص - ما يلي:
1- حفظ الوقت ومحاسبة النفس فالموظف والمدرس ايضا اجير وواجب الاجير الوفاء والتمام وإلا لم يقم بالواجب ولم بحل له الأجر.
2 - الانتاج المفيد وبذل المستطاع واستفراغ الجهد ما امكن.
3 - محاولة الاطلاع على الجديد المفيد والقديم الكريم في مجال التربية والتعليم.
4 - التسلح بالعلم النافع وان تكون المادة جيدة ومعدة ومرتبة حسب الطاقة.
5 - عدم التأخر عن بداية الحصة او المحاضرة ومحاسبة النفس بحزم وعزم.
6 -عدم الغياب بلا عذر ظاهر او قاهر ففي ذلك اخلال بالعمل وعدم وفاء بالواجب كما ان فيه إثقالاً على الزملاء لا مبرر له.
7 - للعمق التربوي والتأصيل المعرفي اثر كبير في تعديل المخالفات وتحسين العادات.
8 - شغل الحصة او المحاضرة بما هو نافع ومفيد وعدم الخوض في احاديث غثة او باردة ولا ينظر للطالب الغائب ويهمل الحاضر بحجة قلة الحاضرين,, وهذه من اهم وسائل المعالجة الحازمة فمصلحة الحاضر اهم من انتظار الغائب وكان الامام الشافعي رحمه الله في دروسه كثيرا ما يتمثل بهذا البيت الرائع:
أهين لهم نفسي لأكرمهم بها
ولن تُكرم النفس التي لا تهينها

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved