Sunday 11th April, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 25 ذو الحجة


القلم الأبيض
جزيرة أبو موسى وأخواتها والمرجعية السياسية لسكانها العرب
عبد العزيز المهنّا

لا يكاد الاستعمار البريطاني يلفظ أنفاسه الأخيرة في منطقة الخليج عام 1971م حتى تبدأ الوان اخرى من المنازعات الحدودية في البر والبحر بين امارات ودول المنطقة وفي نظرة الى تداخلات الحدود تبدو وكأنها لوحة سريالية رسمها فنان اراد لها ان تكون لوحة ابدية تخلد فنه في ذلك المحيط الذي اراد ان تحيا ذكراه فيه.
وفي النظر الى حدود سلطنة عمان مع دولة الامارات او بين الامارات ذاتها او بين الامارات وايران عبر مياه الخليج يمكن ان نرى تعرجات الخطوط ذات اللون الباهت ثم تتلوها مسمّيات متشابهة وغموض يرافق تلك المسميات ثم لا تبث تلك التداخلات الحدودية ان تقف حاجزاً دون الوصول الى المأمول في مستقبل العلاقات الثنائية او الجماعية.
واذا وضعنا الخلافات العربية الحدودية على الرف بعد تصفية الحسابات الخارجية نرى جزيرة أبو موسى بسكانها العرب الذين يزيدون عن ألفي نسمة عند استقلالها عن بريطانيا عام 1971، وجزيرة طنب الكبرى التي يلامس عدد سكانها 1000 نسمة في ذلك الوقت تتجه قسراً الى ايران فقد اخذ الامبراطور محمد رضا بهلوي يرقب الوضع عن قرب فبعد ساعات من رحيل آخر جندي بريطاني من الجزر الثلاث (ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى) دخلت القوات الايرانية المسلحة جواً وبحراً سماء وارض تلك الجزر ولم يعد امام سكان تلك الجزر سوى الرضا بما قسم الله والهدوء والسكينة بعد ان رأوا بأمّ أعينهم ان التهجير الى بر الامارات وبخاصة الشارقة هو الجزاء الأول والاخير لكل من يعترض على الوجود الايراني قولاً وفعلاً.
والحقيقة انه لم يكن هناك مقاومة تذكر فقد وجد الجميع انفسهم امام خيارين لا ثالث لهما: اما الهجرة الطوعية الى الشارقة او البقاء في هذه الجزر وممارسة مهنتهم القديمة دون معارضة ولم يعد هناك ما يخيف اولئك السكان على مستقبلهم ما دامت السلطات الايرانية ستضمن لهم العيش بأمن وسلام وسط تبعية ايرانية للجزر جميعها دون سكانها: وتشير اوساط سياسية غير رسمية الى ان ايران ترحب بكل من يطلب الجنسية الايرانية من سكان تلك الجزر بل ان بعض المواطنين العرب قد حصل على الجنسية الايرانية بالفعل.
مذكرة التفاهم التي أبرمت بين المقيم البريطاني كوسيط او شاهد وبين كل من حكومة الشاه وحاكم الشارقة تمكن ايران من الاستفادة من الجزر كموقع استراتيجي وعسكري وأمني - وتعطي الشارقة الحق الكامل في ادارة الجزيرة سياسياً, وهذه المذكرة فيما يبدو عائمة وتفتقر الى مدلولات سياسية غير مزدوجة التفسير وغير قابلة للنقض, لذا كان لا بد من الجلوس على مائدة المفاوضات للتأكد من الارضية السياسية للتفاوض وتحديد المواقع ومن ثم تحديد التبعية الاقليمية والجغرافية والتاريخية للجزر.
وعلى مدى ما يقرب من 28 عاما كانت المفاوضات تهدأ احياناً وتنشط احياناً اخرى، وفي الوقت الذي تقول فيه اوساط سياسية ايرانية انه يمكن التوصل الى حل تؤكد اوساط اماراتية وخليجية ان الايرانيين لم يقدموا اي دليل يجعل المفاوضات تتقدم نحو آفاق مفتوحة.
ان نهاية حكم الشاه لم تكن نهاية للأزمات السياسية بين العرب والايرانيين، ولم يعد بالامكان ان ترى الثورة الايرانية نفسها متناقضة مع الشاه في تحديد مفهوم الجوار وانه لا يعني التنازل عن الجزر.
سياسيون ايرانيون اكدوا اثناء الندوة التاسعة للخليج التي اقيمت في شهر فبراير الماضي في معهد الدراسات السياسية والدولية في طهران ان ايران لن تنسحب من الجزر الثلاث لكنها يمكن ان تتفاوض بشأنها, وهذا التفاوض الذي يعني اتاحة المجال امام امارة الشارقة لمناقشة تبعية الجزر يرى الايرانيون انه لا يمكن تفسيره على انه دعوة ايرانية للشارقة بأن تتفاوض من اجل استرجاع الجزر.
ومن أجل تحقيق حالة تاريخية وسياسية لا بد من العمل الميداني للخروج بنتيجة سياسية وتاريخية واجتماعية واقتصادية وهذه النتيجة سوف تساهم بالتأكيد في انهاء الاشكاليات القائمة حول الجزر الثلاث، بل سيؤدي هذا العمل الى تفهم الجانبين الايراني والاماراتي للعلاقات الثنائية بينهما على اساس متوازن.
ان الاجواء السياسية القائمة حالياً افضل من تلك الأجواء التي كانت سائدة ابان حكم الشاه عندما كانت الامبراطورية الايرانية ترى ان كل موقع استراتيجي في الخليج يجب ان يظل تحت سيطرة ايران لانها الشرطي المسؤول عن امن الخليج, اما حكومة الثورة الاولى فقد جاءت آراؤها الاولى صدمة قوية لاولئك المستبشرين من العرب بذلك العهد الجديد, هذا العهد الذي كانت بداياته تمرداً على الواقع وثورة من اجل بناء عالم شيعي في الخليج, وعندئذٍ تأزم الوضع في الخليج فكان لا بد من المطالبة بالجزر الثلاث وعودتها بالكامل الى السيطرة العربية, فكان هناك اتجاهان متناقضان لا يمكن جمع أي رأيين عنهما على بساط بحث,, وعلى اطلالة حكم هاشمي رفسنجاني عادت الرياح الهادئة الى تلك الجزر مصحوبة ببعض الأعاصير,, فقد كان هاشمي رفسنجاني اول رئيس ايراني يزور جزيرة ابو موسى ويعيد ترتيب اوضاعها الادارية مما اثار المخاوف من جديد من ان ايران الثورة ليست افضل من سابقتها من حيث اوضاع الجزر, وكل ما اضافه عهد محمد خاتمي هو الدعوة الى الحوار حتى ولو لم يتمخض عن نتيجة ايجابية سريعة, فاستمرار التفاوض يزيح الحرج وينشأ عنه تأكيد المعرفة ورؤية الظروف بعين اكثر واقعية حسبما يقوله الايرانيون.
لكن دولة الامارات وجدت ان ايران توجه استفزازاً للامارات عندما تقوم بمناورات عسكرية حول تلك الجزر وتعتبر اية مناورات في تلك المواقع تأييداً لاستمرار النفوذ على الجزر الثلاث.
ومن خلال تتبعي لاحوال الجزر الثلاث رأيت انه لا يمكن لأي باحث مهما بلغت نسبة تمكنه من جوانب القضية السياسية التي يبحث عنها فإن لطرفيها او لأي من اطرافها وجهة نظر في ادارة تلك القضية, بل قد يكون لدى كل طرف مسلك خاص في بحث هذه القضية وتحديد درجة النزاع حولها بل قد يكون هناك مقايضات سياسية يمكن ان تساهم في حل القضية بعيداً عن تدخل آراء سياسية او فكرية نحاول التعرف على جوانب القضية وتحديد الموقف حسب الوضع التاريخي والجغرافي للجزيرة.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved