أجل نجم علم، وخلق، نجم علم مضيء برّاق، ونجم خلق فاضل، ولم يبق لنا بعده إلا ذكراه العطرة، وصورته الباسمة البهجة، ونتجمل بعده بالصبر، والإيمان بأن الطريق الذي سلكه لابدّ له، ولكل حيٍّ من سلوكه، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
رحم الله الشيخ صالح بن غصون، رحمة الابرار،ورضي عنه رضاه عن الاخيار،وأسكنه فسيح جناته، وأعلى فيها عنده درجاته، وألهم اهله وطلابه، ومحبيه أجمعين الصبر والاحتساب، إنه المولى المجيب.
لقد كان الشيخ صالح - رحمه الله - ضوء بهجة ساطعاً في المجتمع، يهُتدى بسيره، وما أجمل سيره، ويقُتدى بنهجه، ونعم النهج، ويُستفاد من علمه، وما أغزره من علم ترك ثروة لآلىء وجواهر لا تقدر بثمن، ابناء بررة، ربّاهم أحسن تربية، وطلاباً نابهين، علّمهم فأحسن تعليمهم, كان مثال الأب الحنون لمن هو اصغر منه سنّا، والأخ العطوف لمن هو في سنّه.
عُرف قاضياً عدلاً، لا يكتفي باصدار الاحكام جافة، ولكنها تأتي منه متشحة برداء الاصلاح، وبقدر ما يفرح بها من جاءت في صالحه، لا يأنف منها من جاءت عليه، لعلمه بعدل مصدرها، وتوخّيه الحق، وقدرته بعون الله على الوصول إليه، ويعلم المحكوم عليه بأنه في إحقاق الحق حماه من نفسه، ودرأ عنه إثماً، وساعده على التطلع إلى الأجر والثواب.
يخرج الشيخ صالح - رحمه الله - من منصب فيودّعه محيطه بالتجلّة والتقدير والاكرام، ويستقبله منصب آخر بيدين مفتوحتين، تسبقه في ذلك سمعة أصفى من البلّور، وأزكى من عبق الزهور.
لقد كان رحمه الله يمثل جيلا نذر نفسه لخدمة الناس، والسعي في نفعهم، وإصلاح ذات البين بينهم، أعطاه الله حسن المنطق، وحسن التصرف، وحسن المقابلة، مع نيّة صافية سليمة، ونفس كريمة رضيّة.
***
إن الشيخ صالح لم يمت، فقد أودع ما عنده من وافر العلم أذهان طلابه، وملأ صدورهم بدرٍّ وجواهر منه، وسنّ لهم السَّنن الحسن، واختط لهم النهج المستقيم، فأصبحوا صورة صادقة لجمال خطوه، وبهاء فعله، وسعة صدره، وقدرته على التحمل، في مناصب هي محك عقول الرجال وأعصابهم وتصرفهم، ومجال اختبار الافذاذ وتميُّزهم.
كان التواضع له سمة، وحسن الخلق له سجيّة، فكسب حب من عرفه، واحترام من قابله، ومن أحبه فَخُر بحبِّه له وباهَى.
كان من الرعيل الاول الذي حمل العبء الثقيل عندما كانت الكفاءات محدودة، وقد فتح طريقاً حميداً فيما تبوأ من مناصب، فأصبح محل الثقة، وهو أهل لذلك، فقد أثبت كفاية وسداداً.
* * *
كان - رحمه الله - ينسى نفسه عندما يسعى لمصلحة الآخرين، وكان يسعى لسبل الخير لغيره، ولو على حساب حقوقه وصحته.
رحمك الله يا شيخ صالح، ففقدك كبير، لأنك كبير في الأنفس وفي القلوب، كبير في نيّتك، وكبير في قصدك، وكبير في قولك، وكبير في فعلك, سوف يلهث كثيرون خلفك، ليكونوا مثلك، ولن يكونوا، فأنت فريد في زمننا هذا ويعرف هذا جيداً من كان قريباً منك.
رحمك الله رحمة الابرار، وأسكنك من الجنان فسيحها، وبوأك من الدرجات اعلاها، وأعظم لك الأجر، لك ولأبنائك وأهلك وطلابك وأحبائك، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
د, عبدالعزيز الخويطر