Friday 26th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 9 ذو الحجة


الشاعر الدكتور محمد محسن لالجزيرة
هناك تكرار ممقوت للمتنبي في الدراسات النقدية
ولدت من رحم شعر المناسبات ولكني أتنكر له الآن وأرفضه

** من بين ثنايا التاريخ وعبق الماضي، ومن جنبات الكتاتيب وأروقة المتحف الروماني اليوناني وعلى نغمات شاطئ العجمي ومن ثغر الاسكندرية على ضفاف البحر الابيض المتوسط بدأ الشاعر الدكتور محمد محسن رحلته مع الكلمة الشاعرة مشحونا بروحانية وجماليات القرآن، ومختزنا في ذاكرته تاريخ البطالمة وقلعة قايتباي وقصر كليوباترا, قرأ الشعر وتغنى به وهو لايزال في خطواته الاولى حتى اصبح يلقيه في مدرسته الابتدائية ثم الثانوية الى ان دخل عالم الجامعة الذي فجر في دواخله براكين الشعر حبا وولهاً وعطاء واستطاع ان يحصل على المركز الاول على مستوى كلية الطب التي التحق بها اشباعا لنهم علمي كان يساوره فاصبح شاعراً طبيبا، كما يحب ان يُدعى, فالشعر عنده كل شيء وغيره بعض الشيء، على ان ضيفنا يرى ان هناك علاقة شعورية انسانية تجمع بين الطب والشعر تؤدي بدورها الى صدق التعبير والعطاء, اصدر ديوانه الاول انعتاق إلى القيود عام 93م وأصدر ديوانه الثاني ليالي العناق عام 1998م وقد لاقى ديوانه الاول صدى واسعا حيث تناوله العديد من النقاد والاكاديميين واجمعوا على غياب الشاعر الثاني في شعر الدكتور محمد محسن مما يعني تميز ضيفنا, اجرينا معه هذا الحوار الذي تناغم بين الدفء والحرارة وتماوج بين الطب والشعر.
الأفق العميق
** دكتور محمد من البدايات نرتحل الى الآتي وكأن السؤال هذا دائما يفرض علينا ذاته ولكن دعنا نسأل بتعمد كيف كانت البدايات؟
- من بين جنبات الكتاتيب ومن على ثغر الاسكندرية ومن داخل المتاحف والآثار القديمة انطلقت نحو افق عميق قادني إلى جمال اللغة العربية واسرارها واعجازها، من خلال حفظي لاجزاء كثيرة من القرآن الكريم ولأول وهلة احسست بجماليات النص القرآني، وبتصور بسيط ايقنت انني امام امرين الاول تلبية لرغبة والدي وثانيا لاشباع نقص داخلي بدأت احسه منذ ان حفظت اول سورة فيه، من هنا كانت الخطوة الاولى مع الكلمة الآسرة ثم التحقت بالمدرسة الابتدائية وكنت حفيا باللغة العربية عاشقا لها ولهذا تقدمت الصفوف لكي ألقي بعض القصائد للشعراء المعاصرين والاقدمين، وامتدت خطواتي إلى افق ارحب وكنت كبطل يزف في يوم نصره حيث دائما ما يدعوني اساتذتي وفي كل المناسبات لالقاء قصائد شعرية، وامتد الامل واتسعت رقعته الى ان وصلت الجامعة والتحقت بكلية الطب، لا كرهاً في اللغة بل عشقاً في الاكتشاف الذي سيثري لغتي ويزيد من خيالي وواقعي، وتعاطيت الشعر بشكله الحقيقي في تلك المرحلة رغم انني كتبته في سن مبكرة ولكن التجربة بدأت في النضوج اكثر على الاقل في تخيلي، واستطعت ان احتكر المركز الاول في كل المسابقات الشعرية، وحين تخرجت من الجامعة كنت كمن جمع الحسنيين، الشعر والطب.
عشق واخلاص
** إذاً أيهما اقرب إلى ذاتك الشعر أم الطب؟
- كلاهما له في نفسي وقع ومكانة، فالطب عالم بذاته تختلط فيه كل المشاعر والحالات الانسانية ويتجرد الانسان من كل نوازعه ويصب احساسه في لحظة واحدة في حدث واحد والشعر هذا العالم الذي يضم بين حروفه كل الموجودات في هذا الكون وكل المخلوقات وكل الخيال الواقع، ولهذا لكل مكانته الخاصة ولكني اعشق الشعر وأخلص للطب، فأنا شاعرطبيب، لانني خلقت شاعرا ودرست الطب، والطبيب الشاعر يستطيع ان يعبر عن حالات ومشاعر وأحاسيس بشكل اجمل وأعمق.
الملجأ الدائم
** دكتور محمد في زمن الضجيج الاعلامي هل بقي متسع في الخارطة للابداع شعراً ونثراً؟
- لاشك ان لكل عصر أدواته، واداة هذا العصر الاعلام، والاعلام اتخذ مسارا جديدا وهو البث الفضائي ومع ما يصاحبه من اغراءات وجوانب جذب وترفيه استطاع ان يلقي بظلاله على الابداع، بل استطاع ان يسحب البساط من تحت الابداع، وان يجرده من بعض جماهيره ويسلبه الكثير من وهجه وألقه، ولكن دعني أؤكد بأن الابداع وان اختفى وهجه سيظل الملجأ الذي يأوي اليه اصحاب العقول النيرة والفكر وذوو الاحاسيس المرهفة والمتطلعون الى تحقيق الذات، وسيكتشف الشباب ان هذه الفضائيات ما هي إلا مجرد تسلية وتضييع الوقت، وعلينا في هذا الوقت التعامل معها وعدم التقوقع داخل السياج الذي نحاول ان نضعه لانفسنا.
سلبية فكرية
** هل تعتقد ان هذا غزو فكري جاءنا من الغرب؟
- يا صديقي هناك سؤال لا أجد له مبررا، لماذا دائما نتهم الآخر ونعتب عليه؟ أليس من حقه ان يخطط وأن يسعى إلى تنفيذ مخططاته وأن كانت غير مرضية ولا مقنعة بالنسبة لنا؟ ليس هناك غزو فكري وانما هو سلبية فكرية من جانبنا والا ماذا حدث للغرب حينما اخذوا منا في ازمان كانت للعرب؟ استفاد الغرب ولم يقل هذا غزو فكري من العرب بل استطاع ان يتجاوز تلك المرحلة وان يطورها وان يتجاوزنا فيما بعد، علينا اذاً أن نفكر بما يجب ان نعمله وان نقوم به وان نبعد عن انفسنا هذه المقولات المعلبة وان نخطط للمستقبل.
مرحلة النضج
** كيف تكتب القصيدة في مراحلها الأولى ومتى تصل إلى مرحلة النضج؟
- أنا لا أكتب القصيدة - صدقني - القصيدة هي التي تكتبني، ولو كنت اكتب القصيدة لاصبح لدى مجلدات من الدواوين ولكن لان القصيدة وأعنى بها تلك التي تحمل الخلجات والمشاعر والاحاسيس تأتي عصية صعبة، وقد اكتبها على مراحل عديدة تبدأ بالذاكرة وتنتهي بالتكامل والنضج وقد تستغرق وقتا طويلا حتى تصل إلى تلك المرحلة.
الروح الشعرية
** ولكنك بدأت من شعر المناسبات التي عادة تكسو الشعر لباس النظم، بمعنى ولدت ناظما؟
- لم يحدث ذلك ابدا ولم أولد في شعر المناسبات وما يقال في المناسبات ليس شعراً وانما هو نظم يخلو من الروح الشعرية.
فالنظم يأتي بدون عاطفة وبلا تجربة شعرية متأججة ولا يؤثر في الآخرين بينما الشعر يأتي متأججا وانعكاسا للنفس الداخلية للشاعر، ينطلق من معاناة واحاسيس ومشاعر يحسها الآخر ويتفاعل معها.
التقيد المرفوض
** دكتور محمد إلى اي المدارس تنتسب؟
- أكتب القصيدة الموسيقية الموزونة بكل انواعها، التفعيلة والعمودية وخاصة في هذه المرحلة، أما المرحلة القادمة فإنني اتطلع لان اكتب القصيدة النثرية بكل تقنياتها ودوافعها ولغتها، وفي تصوري ان الشاعر الحق يستطيع ان يكتب في كل المدارس وان لا تحده وتقيده مدرسة بعينها.
** وهل يعني ذلك ان القصيدة النثرية هي قمة العطاء الشعري؟
- ليس هذا بالضرورة وانما ارى انني قد كتبت في الانواع الشعرية ولم اكتب القصيدة النثرية ولهذا أتمنى ان اكتبها, قد لا يرى الآخرون القصيدة النثرية شعرا وقد يراها آخر بأنها تاج الشعر ولكل رأيه.
الصراع والترقب
** الحداثة وما بعد الحداثة ماذا تعني لك تلك المراحل؟
- الحداثة هذا الهلام الذي لا يمسك به، وهذا الزئبق المراوغ والذي أسيء فهمه كثيرا، في رأيي ان الحداثة ليست بالضرورة الانسلاخ من التراث والاصول انما هي الاضافة إليه دون تحطيمه والقفز عليه والغائه، انا مع الحداثة بمفهومها الاصيل الذي يضيف جديدا دون الاخذ من القديم, مرحلة الحداثة كانت بالنسبة لنا حالة صراع وترقب اما مرحلة بعد الحداثة فهي حالة هدوء سيتبعها عاصفة جديدة.
** هل تتوقع تيارات جديدة في الشعر؟
- هناك تيارات جديدة في الغرب ولعل اهم تلك التيارات تيار جديد اسمه سوبر مودرنيزم واعتقد انه ما بعد الحداثة، وهي مرحلة متقدمة من الموضة الشعرية ان صح التعبير وهي دعوة للثورة على الحداثة والاضافة عليها والتجديد بروح العصر.
التوهج والروحانية
** أجواء الغربة ماذا أخذت منك وماذا اعطتك خاصة من ناحية شعرية؟
- الغربة اخذت مني الوطن والبعد عنه والبعد ايضا عن الاصدقاء ولكن اعطتني اشياء كثيرة واضافت لي اضافات ادبية وروحية، وان كنت اقول دائما ان باستطاعة المثقف ان يعيش في اي مكان في العالم وان يتأقلم مع كل المجتمعات، ولهذا فقد استطعت ان اكون صداقات جميلة خاصة في المملكة التي لا يحس الانسان بالغربة فيها لجوها الروحاني وتعامل اهلها الانساني والعلاقة التي تربطنا ببعض لغة ودينا ودما وتوجهات.
الاعلام والابداع
** لمن قرأت من الشعراء السعوديين؟
- الحقيقة ان هناك كوكبة شعرية وثقافية في المملكة ولكن الاعلام لم يخدمها بالشكل المطلوب، هذه الكوكبة لو تسنى لها ان تعرف خارج المملكة لاحتلت مكانة كبيرة على خارطة الثقافة العربية وان كان هناك مثقفون مبدعون عرفوا في خارج المملكة، وكذلك تقوقعهم الذاتي في محيطهم, لقد قرأت للاستاذ الشاعر الكبير محمد حسن فقي والدكتور غازي القصيبي والدكتور عبدالعزيز خوجة والاستاذ عبدالله الخشرمي والدكتور تركي الحمد والاستاذ عبدالعزيز مشري وللكثير من الشعراء الشباب والذين تجمعني بهم صداقات عميقة وأخوية.
تكرار المتنبي
** دكتور محمد هل انصف النقاد العرب الابداع العربي؟
- ليس على كل حال،لاشك ان هناك دراسات نقدية للابداع العربي ولكن الملاحظ ان اغلب الدراسات تركز على شخصية واحدة حتى الدراسات الاكاديمية تركز علىشخصيات معينة وبالتالي اهمال المبدعين الاخرين وهذا بدوره يؤثر على الساحة الابداعية، والا ما معنى ان تظل الدراسات النقدية والاكاديمية تتناول شعر المتنبي والذي اشبع منذ القدم.
الساحة الابداعية العربية ثرية وتحتاج إلى وقفات نقدية متميزة حتى يصل ابداعنا إلى العالمية.


رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
الركن الخامس
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved