Friday 26th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 9 ذو الحجة


خلجات نفس في ذكرى رحيل الغالية

وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر الى ابنه ابراهيم وهو مسجى في كفنه نظرة الوداع، فسقطت دمعة منه - صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله - على خد ابراهيم, فقال رجل: انك لتبكي يارسول الله! فقال (انها رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده).
ان القلب ليحزن وان العين لتدمع ولا نقول الا ما يرضي ربنا, وانا لفراقك يا ام الرجال لمحزونون، وانا لله وإنا اليه راجعون.
الحياة مسرات واحزان، اما مسراتها,, فنحن مدينون بها - بعد الله - للأم الصالحة، فهي مصدرها وينبوعها الذي تتدفق منه، وأما احزان الحياة: فمن منا ينكر ان الأم هي التي تتولى تحويلها الى انس وسعادة او ترويحها عن نفوس اصحابها؟! اننا مدينون للأم بحياتنا كلها,.
لابد لكل نفس ان تذوق هذه الجرعة وتفارق هذه الحياة، لا فارق بين نفس ونفس,, انما الفارق في نوعية المصير: فإما النعيم الباقي الذي يستحق السعي والكد، واما المصير المخوف الذي يستحق ان يحسب له الف حساب.
والامر جد,.
ليس معنى الوجود في الحياة ان يتخذ المرء فيها لنفسه نفقا يتصل اوله بباب مهده وآخره بباب لحده، ثم ينزلق فيه انزلاقا من حيث لا تراه عين ولا تسمع بينه اذن حتى يبلغ نهايته فيخرج كما دخل!!
انما الوجود رسالة مبلغة وامانة مؤداة ,, هو تأريث جذوة المودة في قلوب الاخيار,, هو قلب كبير آسر وخلق كريم ومآثر,.
ونحسب الراحلة عنا كذلك والله حسيبها، وقد افضت الى رب كريم.
كانت واسعة الصدر، فسيحة رقعة الحلم,, الكريمة ام الكرام، غريسة الطهر والصلاح.
كنتم - زوجها وابناؤها - ترون عذوبة نفسها في عذوبة لفظها، وطهارة قلبها في طهارة لسانها، وصفاء ذهنها في وضوح مراميها، وجمال ذوقها في جمال ملاحظاتها واستنتاجاتها.
وكانت هي لكم النبتة النضرة التي تعتلج ذرات الارض في سبيل نماء لفيفها ووريقاتها سوية يانعة,, عظيمة شريفة، جمعت حولها غرسها متحابين متآخين ترفرف عليهم صفاء العقيدة واواصر الرحم.
كانت القدوة الحسنة بين المستنيرين ممن خالطها وعرفها,, فبكاها معارفها لأنهم كانوا يحمدون ودها، وبكاها منتفعوها لأنهم كانوا يغرفون من معروفها وبكاها درر انجبتهم,, انجال يتقون الله في سلوكياتهم، ويجتهدون لارضائه في القيام بمصالح المسلمين على الوجه اللائق المحمود.
وقف لها في طريق حياتها الضر والمرض فما استكانت وما استسلمت، بل باشرت تربيتها وحنانها وصابرت واحتسبت، وحباها المولى تبارك، تعالى بصفات الأمومة الغالية، عالية الهمة,, تؤثر على نفسها ولا تشكو مللا ولا ضجرا، ولا تستشعر خورا ولا فتورا,, حتى آخر ايامها.
فنعم الأم كانت، ونعم البر ما لقيت,.
اخرج مسلم في صحيحه عن عمر رضي الله عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان خير التابعين رجل يقال له اويس، وله والدة هو بها بر، لو اقسم على الله لأبره - وكان به بياض - فمروه فليستغفر لكم).
ويقال: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا تقبل واحدة منها بغير الاخرى:
(الاولى) قوله تعالى (واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة).
(والثانية) قوله تعالى (واطيعوا الله واطيعوا الرسول).
(والثالثة: قوله تعالى (أن اشكر لي ولوالديك).
فالعزاء العزاء لأنجالها البررة اصحاب السمو الملكي الامراء، وهنيئا لكم عقبى بركم بوالدتكم، صاحبة السمو الاميرة العنود, ففي سبيل الله - عنود - ما فقدنا بفقدها، وفي ذمة الله وجواره تلك الروح الطيبة التي عاشت ما عاشت في هذه الدنيا سرا كامنا بين ضلوعها لم يكتننها ويستشف باطنها الا بعد رحيلها.
***
كذلك كانت بالامس، واليوم طواها الرمس,, فرحمة الله عليها يوم كانت على ظهر الارض، وبعدما اصبحت في بطنها, حسبها من ذلك ثواب الله وأجره على احسانها وبذلها النفس والنفيس في سبيله.
وللآخرة خير وابقى.
صالح بن علي الجار الله
إمام وخطيب جامع العريجاء القديمة
والمشرف على فرع جمعية البر بحي العريجاء القديمة

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
الركن الخامس
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved