Friday 26th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 9 ذو الحجة


لا تثريب علينا

تسييس الحج والتعويل على (اذان البراءة) ضرب من الافساد وإلحاد وظلم يذاق فاعله من عذاب الله الاليم، والله حين يعد او يتوعد يكون الاوفى، وقد شهدنا ألواناً من العذاب العاجل لكل من حاول ايذاء الحجاج اوتشويه سمعة القائمين على راحتهم او تعكير صفو اجتماعهم الاكبر باي شكل من الايذاء، ومنذ الجاهلية الاولى سمعنا كلمة راشدة قالها ابرز القائمين على شأن المشاعر:-
(انا رب ابلى وللبيت رب يحميه) وقد تكفل رب البيت بحمايته حين ارسل الطير الابابيل.
فالمشاعر المقدسة محارم الله والوافدون اليها للحج او العمرة وفد الله وضيوفه لهم ربهم الذي يحميهم وينصرهم وينتقم لهم من اي ماكر يريد ايذاءهم وما نقوله عن خطيئة التسييس لا يحملنا على تبني دعوى فصل الدين عن السياسة، فالاسلام دين ودولة والمملكة خير من يمثل هذا التلاحم وانما ذلك في غياب الخلافة الاسلامية الجامعة لشمل المسلمين الموحدة في مشروعها السياسي ونظامها الدستوري واذ يكون الحجاج من عوالم سياسية متباينة ومذاهب وملل ونحل مختلفة فان من الخير لهم ان يحيدوا الحج عن التنازع القائم في المشهد السياسي والديني واذا اجتمع المسلمون تحت حكم واحد ومذهب ديني واحد كان لكل حادث حديث, وخلق الازمات الحقيرة التافهة او احداث مشاكل تعرقل مهمات الدولة التي شرفها الله بخدمة الحجيج وتطهير بيته للطائقين والعاكفين والركع السجود ممارسة دنيئة وعمل مشين ووصمة عار تطارد الماكرين وتأخذهم بجرائرهم اخذ عزيز مقتدر (وكذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة ان اخذه أليم شديد) والمقصود الظلمة الذين يقيمون في القرى (ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها) فكل من جعل المشاعر المقدسة وتجمع المسلمين ورقة سياسة تحركها الاهواء والمطامع والرغبات ظالم عنيد ومتعرض لنقمة الله وعقابه، والححاج الذين يهتفون لزعيم اوحزب او منهج سياسي يثيرون الفتن النائمة والفتنة اشد من القتل ويعرضون المشاعر والحجاج لمشاكل تعكر الصفو وتقضي على الروحانيات.
وتسييس الحج في ظل الظروف القائمة وتدنيسه بلعبة التماكر ولفت الانظار وتصدير المشاكل وشغل الراي العام والتشكيك في اهلية الدولة المشرفة بخدمة المقدسات وتعريض سمعتها عمل لا يقدم عليه الا الاذلون الذين ضاعت حيلهم واحيط بهم، ومكر سيء ولا يحيق المكر السيء الا بأهله وكم من ماكر فكر وقدر فقتل من حيث فكر وقدر، ولو قلبنا اوراق الماضي القريب لقلنا بلسان واحد: ان التاريخ يعيد نفسه.
لقد مرت بمواسم الحج ازمات حقيرة افتعلها اناس لاخلاق لهم واستطاعت الدولة بما وهبها الله من حكمة وروية واناة امتصاص كل ذيولها وتحويلها نقمة على مفتعليها ومحمدة لها واثرا حسنا من آثارها وقد عجل الله العقوبة وانتصر للمظلوم ولكن الايات والنذر لا تغني عن قوم لا يؤمنون والعمى قد يكون للقلوب التي في الصدور والا كيف يجرؤ من له قلب او القى السمع وهو شهيد على تعريض المقدسات وضيوف الرحمن لصنوف الخوف والايذاء وما من احد تعمد تدنيس نصاعة الحج وتعكير صفو الحجاج الا عجل الله عقوبته، وخيب امله وحمله على اتفاق جهده ووقته وما في يده ثم يكون كل ذلك عليه حسرة وندما.
لقد تابعت بامتعاض والم المؤتمر الصحفي الذي عقده مهندس الأمن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، وأحسست انه متألم ومستاء حتى لقد بدت على محياه بوادر الحزن العميق، فالتلاعب بالشعائر الدينية وصد القاصدين لبيت الله من الكبائر ورجل مؤمن يخاف مكر الله وعقابه ينتابه الشك في نفسه فقد يخطىء من حيث يريد الاحسان وقد يتصور انه قصر في امر الححاج العراقيين او غيرهم ولم يبذل ما في وسعه لهم والحق ان الموضوع واضح من اساسه واللعبة مكشوفة وكنت اتمنى لو ان سموه الكريم يستل أطراف المشكلة من سياقها بحيث يسائلها عن فعلها انها في سياقها الطويل لا تثير استغرابا ولا تؤلم مراقبا فهي كما هي منذ ان برزت للوجود سلة تخصيب للمشاكل، والشيء من معدنه لا يستغرب ومن قال بان الحشود على الحدود من المواطنين العراقيين القاصدين لبيت الله؟ انهم ومن خلال سياق الدولة وبوادر الاحداث كتيبة عسكرية او مجموعة ملفقة من العملاء تم زرعهم وسط المساكين الذين قدموا لا يريدون الا وجه الله والدار الآخرة واريد لهذه الشرذمة ان تمارس تمثيل دور اعلامي رخيص، القصد منه شغل الراي العام العراقي بأزمة مفتعلة من عشرات الازمات التي تفرغت الحكومة لخلقها لمجرد التنفيس واشغال الناس عن التفكير بواقعهم المؤلم.
وحكومة المملكة العربية السعودية تقدم لحجاج بيت الله من كل الاجناس من الخدمات والتسهيلات مالا يرقى إليه الشك ومالا يصل اليه التصور ولسنا بحاجة بعد كل هذا الى ان نعطي مثل هذه الاستفزازات ما يساعد على اشاعتها، فالحكومة العراقية راغبة في ان يتداول الاعلام العربي والاسلامي والعالمي مثل هذه المكيدة ولا يهمه فيما بعد من يكون المخطىء المهم ان يتمكن المفلسون من كل القيم والفاقدون لكل مقومات الوجود المشروع من شغل وسائل الاعلام وتوجيه الانظار بعيدا عما يعانيه الشعب العراقي من ويلات وعما تعانيه الدولة من تخبط عشوائي يزيد ارتكاسها في حمأة الترديات ومثل هذه الممارسات تشبه رفات الذبيح قد توجع من تناله ولكنها لا تعيد الحياة الى مصدرها.
وكم تمنى العقلاء من الساسة والاعلاميين وسائر صناع القرارات في انحاء العالم تحييد المشاعر والمقدسات والسمو بها فوق الخلافات العارضة وتطهيرها من الممارسات الدنيئة التي تعكر الصفو وتضاعف مهمات الدولة التي تستنهض كل امكانياتها لخدمة الحجاج والمعتمرين.
واذا كانت الدولة بما وهبها الله من امكانيات اقتصادية وكفاءات بشرية في غنى عن اية مساعدة فانها حريصة في الوقت نفسه على ان يخلي الاخرون بينها وبين مهماتها لكي توفر لضيوف الرحمن ما تصبوا الى توفيره والله حين وضع مقدساته بيد حكومة عربية مسلمة انعم عليها بالمال الوفير حيث فجر لها كنوز الارض، وانعم عليها بالامن والاستقرار، ومنحها القوة وهداها لتحكيم شرع الله، وهيأ لها شعبا عربيا مسلما كريما سباقا الى الخير والعطاء، وهي بهذه الامكانيات بحاجة - فقط - الى ان يكف الاخرون عن التماكر معها في قضايا الحج وبحاجة الى ان يبتعد اعداؤها عن جعل المشاعر ميادين لتصفية الحسابات وخلق الازمات واذا كان المأزومون بحاجة الى خلق ازمات تطفىء حدة مشاكلهم ولو الى حين فان اتخاذ المشاعر ومواسم الحج مجالا لهذه الازمات خسة ودناءة ومحاداة لله ورسوله والمؤمنين وعلى الدولة الواثقة بنفسها الراضية عن فعلها المشغولة بالاهم ان تستدبر تلك الزوابع وعليها ان تكل امر البيت لرب البيت الذي تكفل بحمايته.
واذا كان الله المنتقم قد قيض لبيته الطير الابابيل لضرب اصحاب الفيل فانه قادر على ان يفعل بالمعاصرين ما يخضد شوكتهم ويقصم ظهورهم ويخيب امالهم وقد شهدنا ما بعث في نفوسنا الثقة والاطمئنان والعاقبة للمتقين.
وما عليك يا مهندس الامن من تثريب فامض على بركة الله تحفك عنايته ويكلؤك نصرة ولست بحاجة الى ان تشهد الله والناس على براءة ذمتك مما فعل المرجفون اننا نشفق عليك وانت تقول للعالم كلمة الحق التي قالتها افعالك قبل اقوالك, فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ولا يتخشب لسانك من هول ما ترى وما تسمع فما انت بهادي العمي عن ضلالتهم ويكفي ان ترتقب فالله رب البيت وهو القادر على نفي الخبث عنه.
د, حسن بن فهد الهويمل

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
الركن الخامس
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved