Friday 26th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 9 ذو الحجة


د, محيي الدين عبدالحليم في كتاب بعنوان (الرؤية الإسلامية لإعلام الطفل)
الطفل المسلم بحاجة إلى استراتيجية إعلامية تقيمه على النهج الصحيح
القرآن والسنة هما المصدر الرئيسي لصياغة الرؤية الإسلامية لإعلام الطفل

* كتب - سلمان العُمري
تلقي اجهزة الاعلام بظلالها على الطفل المعاصر ايجابا او سلبا حتى انه يصعب عليه ان يفلت من اسارها، فهي تحيط به احاطة السوار بالمعصم، وتحاصره من مختلف الجهات، وبمختلف اللغات، ليلا ونهارا,, وتحاول ان ترسم له طريقا جديدا لحياته، واسلوبا معاصرا لنشاطه وعلاقاته، ومن ثم فهي قادرة على الاسهام بفاعلية في تثقيفه وتعليمه وتوجيهه، والاخذ بيده الى آفاق الحياة الرحبة.
ويكشف الواقع المعاصر ان برامج الاطفال في اجهزة الإعلام بالبلاد الاسلامية تفتقر الى التخطيط العملي والكوادر المبدعة، مما ادى الى الاعتماد بشكل مكثف على برامج الاطفال الاجنبية التي تحمل من المفاهيم والمعاني ما قد يؤثر بالسلب على عقل الطفل ووجدانه، وقد يهدم قيما تكون هذه الدول قد انفقت الكثير لغرسها في كيانه.


هكذا استهل الدكتور محيي الدين عبدالحليم مقدمة كتابه القيم الذي قام بتأليفه تحت عنوان: (الرؤية الاسلامية لاعلام الطفل والذي صدر بالتعاون بين المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) وهيئة ابوظبي الخيرية، من اجل نهضة اعلامية مستقيمة التوجه تعنى بالطفل المسلم، وتمده بما يقيمه على النهج الاسلامي الصحيح وتحبب اليه تعاليمه، وتكون له خير زاد في مقاومة تلك المساعي الرامية الى النيل من تلك القيم والمبادىء.
وقد تناول المؤلف في دراسته التي تضمنها الكتاب اهم القضايا ذات الصلة باعلام الطفل وعالج اشكاليات الاعلام الموجه للطفل المسلم، واقترح حلولا عملية لها.
كما قدم المؤلف تصورا مستفيضا لاعلام الطفل في ضوء تحديات العصر المتمثلة في الغزو الثقافي المدعوم بامكانات البث الفضائي المباشر.
وتعمل الدراسة ايضا على تقديم رؤية اسلامية لاعلام الطفل لعلها - كما يقوم المؤلف - تسهم في وضع الضوابط وتحديات الهدف ومواجهة التحديات، وذلك من خلال مجموعة من المباحث التي اوردها د, محيي الدين عبدالحليم في مطبوعة مكونة من (116) صفحة من القطع المتوسط الفاخر، وتضمنت اربعة فصول خلص المؤلف في نهايتها الى توصيات ومقترحات تمثل اساسا لانطلاقة اعلامية رشيدة تؤمن للطفل المسلم تربية وتثقيفا يؤيدان صلته بعقيدته وتراثه، وتؤمن في الوقت نفسه وسائل الترويح والتنوع التي تمثل جزءا اساسا من حاجاته.
فلسفة إعلام الطفل
في الفصل الاول تناول د, محيي الدين عبدالحليم مبحثا بعنوان (الاسس الفلسفية والعلمية لاعلام الطفل) اشار فيه الى ان الاسلام فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ليجرف كل عقبة تقف امام التطور في حياة الامم والشعوب، وانه سوف يكون من الصعب على وسائل الاعلام الاسهام في بناء الطفل المسلم الا اذا أعادت هذه الوسائل النظر في برامجها وخططها الموجهة للاطفال واستلهمت روح الشريعة وطبقت اوامر الحق في تحقيق التوازن بين احتياجات الجسد ومطالب الروح ، وهو ما يصعب تحقيقه في اي من الافكار والمذاهب الاخرى.
وابان المؤلف ان الفلسفة الاسلامية في الاعلام لا تفيد حركة الطفل ولا تطلق سراحه بشكل جامح دون ضابط او رابط، لان ارادة الله هي التي تصوغ شكل الحياة في المجتمع المسلم، ومن ثم فان المرجعية العقدية اذا التزمت بها وسائل الاعلام في الدول الاسلامية تستطيع ان تسهم بصورة مؤثرة في تشكيل اتجاهات الاطفال.
كما تطرق المؤلف في هذا البحث الى المعالجة الاسلامية لقضايا الغيب مشيرا الى ان الحقائق الكونية التي تحيط بالاطفال تؤكد انهم عاجزون عن تفسير كثير من ظواهر الطبيعة وإدراك حقائق الحياة، وان في القرآن الكريم رداً على علامات الاستفهام التي يثيرها الاطفال لو تعمقنا في الآيات التي تناولت قضايا الغيب وحاولنا تبسيطها لتقريب المعنى للطفل.
واوضح د, عبدالحليم ان هذا الحقائق تكمن في ان حقائق الغيب قد حملها رجل امي قضى حياته في البادية وهو رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - وان طاقة جهاز الاستقبال لدى الاطفال لا تحتمل استيعاب حقائق الغيب، وان التصرف في الملك حق ثابت للمالك وحده، وان ادراك المحسوسات يقود الى الايمان بالغيبيات وانطلاقاً من ذلك يمكن ان تنطلق وسائل الاعلام لتسليح الطفل بهذه الحقائق ليعيش في سلام مع ربه ومع نفسه.
المنهج الإسلامي لإعلام الطفل
وتحت عنوان المنهج الاسلامي المميز لاعلام الطفل جاء الفصل الثاني وفيه استعرض المؤلف الاسس التي يقوم عليها هذا المنهج الذي استطاعت الدعوة الاسلامية - من خلاله - تحقيق منجزات متميزة في بناء طفل مسلم يعكس صورة هذا الدين ويترجم آلياته ومنها: البساطة في المضمون والوضوح في اللفظ والمعنى، والثراء والتنوع والتطور، وان الاسلام دعوة عقلية تقوم على المنطق السليم والبرهان الصحيح، وان الدعوة يجب ان تكون بالكلمة الطيبة والاسلوب الحسن، بالاضافة الى التسامح والرفق في مخاطبة الأطفال غير المسلمين، واخيرا ضرورة التدرج المرحلي في اعلام الطفل المسلم حتى لايقع الاطفال في المحظور وهو العجلة وحتى لا يشق الامر عليهم.
الطفل بين الاستمالة والإقناع
وفي الفصل الثالث تطرق المؤلف الى وسائل اعلام الطفل بين الاستمالة والاقناع حيث اشار في بدايته الى اتساع وظائف وسائل اجهزة الاعلام المعاصرة مما زاد من اهمية الدور المنوط بها، الامر الذي دعا الامم المتحدة الى التأكيد على هذا الدور المتعاظم الذي يحقق ميزة لم تكن موجودة من قبل، حين جعلت الجماهير يستطيعون متابعة الاحداث العالمية والاعمال الدرامية والمباريات الرياضية والاستكشافات العلمية اثناء حدوثها.
وقد مكنت الوسائل المعاصرة من الوصول الى ملايين الاطفال في نفس اللحظة، كما استطاعت الثورة التي تم احرازها في تقنيات العمل الاعلامي، ان تشد اطفال العالم شدا وتغريهم بما تقيمه، حتى ان البحوث والدراسات كشفت ان هذه الوسائل اصبحت من اقوى اسلحة العصر التي يخشى معها ان يسقط الطفل في دوامة تسير به الى حيث أريد له، ويعتبر في النهاية ان كل ما شاهده هو الحقيقة فلا يملك القدرة على التميز والاختيار.
وما نسمعه ونقرؤه عن حوادث مريعة كسقوط بعض الاطفال من اماكن مرتفعة وهم يقلدون ابطال افلام الكرتون والمسلسلات، وممارساتهم الشاذة مع ذويهم ورفاقهم ما هو الا نموذج لسيطرة البرامج التي تقدمها هذه الوسائل، وهذا يتطلب التنسيق بين هذه الوسائل المباشرة وغير المباشرة بحيث تتناغم وتتوافق جميعها لكي تؤدي كل واحدة منها مسئوليتها على الوجه الاكمل.
الوسائل في حقل الطفولة
ثم تناول المؤلف دور وسائل الاتصال في حقل الطفولة ومنها: وسائل الاتصال المواجهي التي تتميز بانخفاض تكلفتها، اذ ان اللقاءات الجمعية التي تتم مع الاطفال لا تكاد تتكلف شيئا سوى اعداد المكان واجراء الترتيبات اللازمة لهذه اللقاءات خاصة من حيث الهدف.
وكذلك دور الوسائل المطبوعة التي تمكن الطفل القارىء من التعرض لمضمونها وقتما يشاء وفي الوضع الذي يريد، وتسمح له بمساحة اكبر في التخيل والتفسير، ومن ابرز هذه الوسائل الكتاب والصحيفة والدورية.
اما الوسائل السمعية (الاذاعة) فيقول عنها المؤلف انها تحتل مكانة مرموقة بين اجهزة الاعلام على الرغم من التحدي الذي تواجهه من التلفزيون والفيديو، حيث يمكن ان تسهم اسهاما بليغا في البناء من خلال: استخدام القالب القصصي، وعالم الخيال العلمي، والقصة والحوار في عرض سير الانبياء والرسل والمصلحين، واستخدامها ايضا في بث آيات القرآن وتفسيرها وربطها بالواقع، وعرض القصص التي تحض على الشجاعة والمخاطرة والبحث والسلوكيات المرغوبة، بالاضافة لزيادة الحصيلة اللغوية للطفل.
ثم تعرض المؤلف للتلفزيون - ذلك الجهاز الساحر - الذي يستطيع السيطرة على حاستين من اهم حواس الاطفال واشدها اتصالا بما يجري في نفوسهم من افكار ومشاعر وهما السمع والبصر .
واورد الكتاب سلبيات التلفزيون من تعطيل لخيال الطفل، وانه لا يتيح المجال لاشباع هواياتهم للقراءة وممارسة الرياضة، ويربك البرامج الدراسية في عدم المذاكرة والتأخر في النوم، كما اورد ايجابياته في تغذية العقل بالثقافة المتنوعة والحصيلة اللغوية، وفتح الآفاق للتعرف على عوالم مختلفة والارتقاء بالاذواق.
وعن القنوات الفضائية التي اضافت بعدا اخر في حقل الاعلام من حيث الجذب والسرعة، فقد وصف المؤلف الاقمار الصناعية بانها تشكل الثورة الخامسة في عالم الاتصال الانساني، بعد الثورة الاولى في اكتشاف الكلمة المنطوقة، والثانية باختراع الكتابة، والثالثة باختراع الطباعة، والرابعة باكتشاف وتطور الالكترونيات التي ولدت الهاتف والبرق والراديو والسينما والتلفزيون, وطالب المؤلف بضرورة اتخاذ الاجراءات الجادة لحماية اطفالنا من العادات والمعتقدات الثقافية والاجتماعية التي تتسرب عبر هذه القنوات.
واعتبر المؤلف شبكة الانترنت هي الثورة السادسة في عالم الاتصال والتي تعمل على بث واستقبال المعلومات في شتى صنوف المعرفة من والى انحاء العالم عن طريق الكمبيوتر، ومن ثم فهي موسوعة علمية تقدم خدماتها لكافة المستفيدين في جميع المجالات كالابحاث العلمية ورجال الاعمال والمجال الحكومي، بحيث تحولت الكرة الارضية الى سوق واحدة متطورة، والانترنت سلاح ذو حدين فهي الى جانب نقل المعلومات ومعارف الخير فهي تنقل المعلومات التي تبثها المؤسسات التنصيرية والتبشيرية والصهيونية التي تحاول الاساءة للاسلام واهله.
المشكلات والحلول
وينتقل المؤلف بعد ذلك الى الفصل الرابع تحت عنوان (اعلام الطفل وتحديات العصر: المشكلات والحلول) حيث عرض التحديات التي تواجه اطفالنا من وسائل الاعلام مشيرا الى اعتماد الاعلام في الدول الاسلامية على المصادر الاجنبية بما تحمله من عقائد فاسدة وافكار، مما يصبح معه من الاهمية امتلاك وانشاء قنوات فضائية خاصة بالمسلمين وامدادها بالكفاءات المدربة.
كما تطرق المؤلف الى ازمة التبشير والتنصير التي يتعرض لها ابناء المسلمين، وطالب بوضع برنامج علمي سليم يسير في اتجاهين متوازيين: الاول توضيح المفاهيم الاسلامية الصحيحة للاطفال وكشف الاخطاء الشائعة حول الاسلام، والثاني مناقشة الافكار الوافدة واعداد الردود عليها وتعريتها.
مشكلة اخرى اثارها المؤلف وهي ازمة الكوادر المتخصصة في اعلام الطفل مبينا انه لابد لمن يتصدى لاعلام الطفل ان تتوافر لديه مهارات معينة واخرى رفيعة، الى جانب فهمه ومعرفته باصول الدين، واشار الى ان مناهج الدراسة في المؤسسات والمعاهد العلمية الاعلامية خالية من برامج علمية وعملية متخصصة في اعلام الطفل بصفة عامة والمسلم بصفة خاصة.
وتعرض المؤلف الى مشكلات اخرى منها الافتقار للنموذج القدوة في اعلام الطفل المسلم، وازمة التخطيط الاعلامي الموجه للاطفال، ونقص الدراسات العلمية الخاصة باعلام الطفل، واشكالية اللغة العربية في وسائل الاعلام والطفل، وشرعية الترويح الملتزم واهميته باعتباره مطلبا انسانيا يزيل من النفس الهموم والاحزان بحيث لا يصبح عبثا ولهوا.
النتائج والمقترحات
وفي نهاية دراسته قدم الدكتور محيي الدين عبدالحليم خاتمة الاصول والقواعد التي تحكم الرؤية الاسلامية لاعلام الطفل والنتائج والتوصيات والمقترحات حيث كشف عن مجموعة حقائق تشكل الاساس العلمي للنشاط الاعلامي وهي: اعتبار القرآن الكريم وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - المصدر الرئيس لصياغة رؤية اسلامية لاعلام الطفل، والاعتماد على ان الفلسفة الاسلامية غير جامدة وتقبل التطور والتجديد بما يتلاءم مع مقتضيات العصر واحتياجات الاطفال، مع ضرورة الالتزام الاخلاقي بالضوابط التي حددتها الشريعة الاسلامية بالصدق وعدم الاجتهاد بغير معرفة، ولا فتوى بغير علم، ولاغيبة ولا نميمة,, والالتزام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الخوض في الثوابت من اصول العقيدة، ومخاطبة الاطفال باسلوب عذب، ووضع استراتيجية علمية اعلامية جادة تحقق الحد الادنى من التنسيق بين وسائل الاعلام، مع الاهتمام بالبحوث والدراسات الاعلامية خاصة الموجهة للاطفال، والحفاظ على اللغة العربية، وتحصين اطفالنا بحقائق الدين الحنيف من اخطار الجهل به وحفظهم على العبادات بصورة صحيحة، واعداد كوادر اعلامية ودعوية متخصصة في قضايا الطفولة وحمايتها.
استراتيجية إعلامية صحيحة
واخيرا يبقى بعد ما قدمه الدكتور محيي الدين عبدالحليم في دراسته الوافية التطبيق العملي والسريع لما اورده فيها من نتائج وتوصيات، تحتاج الى جهد مخلص ومنظم وتخطيط علمي وعمل دؤوب وتنسيق للجهود، لتحقيق الغايات المستهدفة.
كما يبقى ان يتحقق ما دعا اليه المؤلف من ضرورة التقاء الاعلاميين مع التربويين وقادة الفكر وعلماء الدين وغيرهم ممن يعملون في مجال الطفولة بهدف رسم استراتيجية اعلامية صحيحة للاطفال،ووضع الخطط التي توفر لها مضامين جذابة تسهم في تثقيفهم وتربيتهم، وتجعل منهم صناعاً صالحين لمستقبل افضل.
ان ما قدمته هذه الدراسة من عرض تفصيلي للمشكلات والتحديات المعاصرة التي تواجه اعلام الطفل المسلم، كشفت النقاب عن خطر داهم يهدد مستقبل الابناء كما قدمت اجتهادا عظيما في تقديم الحلول الجذرية، والتي يبقى بعدها ان تبدأ الخطوات العلمية من ذوي العلاقة من المسئولين وبدعم من ولاة امر المسلمين في كل مكان حتى يمكن بناء طفل مسلم سليم العقل صحيح البنيان، مؤمن بربه، حريص على حقوقه، متفان في واجباته.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
الركن الخامس
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved