Friday 26th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 9 ذو الحجة


آداب الحج والعمرة
د, نبيل بن محمد آل إسماعيل *

قد جاءت نصوص شرعية كثيرة في افضلية هذه الشعيرة لكنها ليست على اطلاقها بل هناك آداب يجب ان يتحلى بها المسلم حتى يحظى عمله - عند الله - بالقبول,, وهذه الآداب نجملها فيما يلي:
1- ان يكون الباعث على هذا العمل وجه الله - عز وجل - وابتغاء مرضاته واجابة لدعوته,, اما من حج على سبيل العادة اوليعلو بين الناس ذكره او ليقال: انه لا يفوته الحج كل عام، فقد خاب وخسر,, وفيه - وفي امثاله - يقول الحق سبحانه وتعالى: (قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا, الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهو يحسبون انهم يحسنون صنعا)، وقوله - عز شأنه -: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا) وما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم: (ان ادنى الرياء شرك).
2- ان يكون المال الذي ينفقه مكتسبا من حلال,, حتى يقبل عمله بصفة عامة، وحجه بصفة خاصة,, فعن سعد بن ابي وقاص - رضي الله عنه - انه قال: يا رسول الله: ادع الله ان اكون مستجاب الدعوة فقال: (يا سعد اطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة فوالذي نفسي بيده ان العبد ليقذف اللقمة الحرام في بطنه ما يتقبل منه عمل اربعين يوما وايما لحم نبت من سحت فالنار اولى به).
واذا كان المال الذي سينفقه في الحج حراما فان الحج باطل وفي الحديث: (اذا وضع الحاج رجله في الغرز (اي شرع في السفر) قائلا: لبيك الله لبيك - وكان زاده حراما فان قائلا يقول له: لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور).
3- ان يكون متوكلا على الله حق التوكل: فقد جاء في سبب نزول قوله - تعالى: (وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا اولي الالباب) ان وفدا من اهل اليمن جاءوا للحج وكانوا يسألون الناس شيئا من المال ويقولون: نحن متوكلون على الله!! فنزلت هذه الاية وما وقعوا فيه ليس توكلا بل هو تواكل وتكاسل وتعطيل كل للاسباب الكونية والشرعية اما التوكل الحقيقي: فهو ان يأخذ المرء بالاسباب كاملة - ما استطاع - ثم يفوض الامر والنتائج الى مسبب الاسباب - عز وجل -,, يقول الله - عز وجل -: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا) ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا).
4- ان يترسم منهج المعصوم - صلوات الله وسلامه عليه - في كل عمل يعمله، ما ستطاع الى ذلك سبيلا: لقول الله سبحانه وتعالى: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) وقوله - عز وجل -: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ان الله شديد العقاب), وقوله - صلى الله عليه وسلم -: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).
5- ان يتقي الاعمال التي تتنافى مع مناسك الحج: من لغو أو رفث او فسوق او جدال او مزاحمة فان الواقع فيها يخشى عليه ان يكون من المفلسين المحرومين - في الآخرة - فأعمالهم الصالحة كثيرة ولكن اعمالهم السيئة أكثر!! فطاشت صحائفهم ولا حول ولا قوة الا بالله,, يقول الله - جل وعلا - : (الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله).
6- ان يتعفف عن سفاسف الامور، كالنظرة الساقطة على محارم الله فتشعل في قلبه نارا,, وليتذكر انه في اشرف البقاع على الاطلاق ومعنى هذا: ان الحسنات اذا كانت تضاعف في تلك الاماكن فكذلك السيئات مضاعفة,, يقول الحق - عز وجل -: (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) وليتذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي كرم الله وجهه: يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فان الاولى لك والثانية عليك) وقوله - عليه الصلاة والسلام -: (النظرة سهم مسموم من سهام ابليس، من اتقاها مخافة الله - عز وجل - آتاه الله ايمانا يجد حلاوته في قلبه) (او كما قال).
وقد رأينا وسمعنا امورا يندى لها الجبين تحدث من اناس لا خلاق لهم ولولا حلم الله وسعة عفوه لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالامم السابقة.
ولله در القائمين على الامر في تلك البقاع انهم للمجرمين بالمرصاد فمن وقع في قبضتهم انزلوا به حكم الله كاملا ومن امهله الله وستره,, فأمره مفوض اليه ان شاء عفا عنه وان شاء انتقم منه بعدله.
7- ان يكون قد عقد العزم على التوبة الصادقة ومن ابرز معالمها: رد المظالم الى اهلها,,وألا يعود الى الخطيئة مرة اخرى,, والا كانت توبته مجرد دعوى عارية من ادلة صدقه فيها,, وفي الاثر: (الراجع في توبته كالمستهزىء بربه).
8- ان يعتقد زيف الشبهات التي تثار مثل قولهم: ان استلام الركن والسعي ورمي الجمار نوع من التشبه بعابدي الاوثان والاصنام او انها امور لا حكمة من مشروعيتها وفيهم وفي امثالهم يقول الحق - جل ثناؤه -: (كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا) والمؤمن الحق: شعاره: (سمعنا واطعنا) ظهرت له حكمة التشريع، ام لم تظهر,, ولو لم يكن في الامر من حكمه الا الاتباع وعدم العناد لكان ذلك كافيا,, ومن هذا القبيل: ما قاله الفاروق عمر - رضي الله عنه - يخاطب الحجر: (اني اعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا اني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك).
9- ان يتذكر يوم البعث الاكبر - وما الحج الا صورة مصغرة منه - الثياب واحدة والقبلة واحدة، الهول شديد والتضرع قائم، والمقصد واحد وهو: الفوز بالجنة والنجاة من النار.
10- ان تظهر فوائد الحج على سلوكه بعده لا سيما مبدأ المساواة وانه لا فرق بين غني ولا فقير او شريف وحقير ولا عربي ولا اعجمي - الكل امام خالقهم سواء، وانه لافضل لاحد على احد بالتقوى والعمل الصالح,, يقول الله - تعالى -: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير).
11- ان يكون التزامه بهذه الآداب بداية الالتزام الدائم وليس في فترة الحج وحدها,, ففي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (احب الاعمال الى الله ادومها وان قل) وفي رواية (وان قلت).
12- ان يكون ترتيبه لحج التطوع ترتيبا صحيحا (فقه الحج والعمرة): اذلا يعقل ان يحج المرء عشرات المرات ويعتمر مرات عديدة وقد عطل ابوابا كثيرة من شعب الايمان ككفالة اليتامى والاحسان الى الارامل ومن لا عائل لهن الا الله - تعالى - والقيام على ابناء الشهداء بالحسنى ومساعدة طلاب العلم الفقراء,.
ان المنهج الصحيح: ان يسير المرء في شعب الايمان وهو مقبل على رب العالمين - في خطوط متوازية وبناء متكامل، فلا يجتهد في شعبة على حساب اخرى,, اننا لو راعينا ذلك ماوجدنا على وجه الارض - من يتكفف الناس او من حال الحياء والتعفف بينه وبين السؤال، وهو في امس الحاجة الى ضروريات الحياة.
وقد كان السلف الصالح يراعون الاولويات في منهجهم الشرعي من جميع جوانبه,, ومثال ذلك ان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لما كان اميرا على الحج صلى بالناس الرباعية تامة وهو على سفر ولما عاتبه ابن مسعود - رضي الله عنه - على ذلك قال: اني وجدت خلفي كثيرا من الاعراب فخشيت ان اصلي بهم اثنتين فيعودون الى بلادهم وهم يظنون انها هكذا شرعت!!
ولنضع في الحسبان ان الافضلية من الامور النسبية التي تختلف من وقت لآخر,, فبينما نجد ان الحج والعمرة من افضل الاعمال في وقت,, نجد ان رعاية اليتامى افضل الاعمال في وقت آخر، بينما نجد حماية ثغور الاسلام افضلها على الاطلاق في وقت ثالث,, وهكذا,, نسأل الحي القيوم ذا الجلال والاكرام ان يمن علينا بالفقه في الدين والعمل به انه ولي ذلك والقادر عليه, وصلى الله على سيد ولد آدم وعلى آله وسلم.
* وكيل قسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
الركن الخامس
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved