Friday 26th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 9 ذو الحجة


من وحي المنبر
النفقة في الحج

الحمدلله ما يقبل من الأعمال إلا ما كان طيبا، إن الله تعالى طيبا لا يقبل إلا طيبا، وأشهد أن لا إله إلا الله أمرنا بالحلال وحذرنا من الحرام وتوعد صاحبه بالنار وسعيرها ومحقق البركة منه ومن ماله وعياله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله القائل: كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين نزهوا أنفسهم عن الحرام وبطونهم عن الحرام فبارك الله فيهم وبارك في أهليهم وأولادهم ونمى أموالهم، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم المفلحون.
أما بعد:
أيها المسلمون,, اتقوا الله تعالى، واعلموا أن حياة الإنسان في هذه الدنيا مبنية على مقومات لأودها ومقويات للأجسام النامية وحركاتها، وحيث كان الهدف من إيجاد الإنسان في هذه الدنيا لأسمى الغايات، وهو سلوك أشرف الطرقات ليعيش عبدا لربه وحده ذليلا له منقادا مستسلما، أمر بأن يصحح ما يغذي به جسمه، وينشف به عظمه، ويحيا به بدنه لينبت نبتا حسنا، فتحسن عبادته لله، وتصلح أعماله فينال بذلك المقصود وهو الثواب على هذه الأعمال غير ان مقومات الحياة فيها حلال وحرام، وطيب وخبيث، فالإنسان مطلوب منه ان يطيب مطعمه ومشربه وملبسه وأن يحلل مأكله، قال تعالى:( ياايها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) فما حرم فلنجاسته أو لضرره على البدن وكلا الأمرين لا يرتضيهما الاسلام لبدن المسلم الطاهر الذي يضم روحه الطيبة.
علق ابن كثير على هذه الآية لما بين أنه لا إله إلا هو وأنه المستقل بالخلق شرع يبين انه الرازق لجميع خلقه فذكر في مقام الامتنان أنه أباح لهم ان يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالا من الطيبات، أي مستطابا في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول، فمن استباح المحرم أوحرم الحلال كان فيه شبه كبير بالجاهلية من الاستخفاف بأمر الله اتباعا للشيطان، لذا قال تعالى:( ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) قال ابن كثير: ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان وطرائقه ومسالكه فيما أضل اتباعه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها، مما كان زينة لهم في جاهليتهم في حديث عياض بن حماد الذي في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:يقول الله تعالى ان كل مال منحته عبادي فهو لهم حلال وفيه، واني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم فطيب المأكل وحله، والمشرب والملبس يترتب عليه قبول الأعمال والدعوات وتمام العبادات وهذا ما ينشده المؤمن بربه ورسوله، ففي الحديث ان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: يارسول الله: أدع لي الله ان يجعلني مستجاب الدعوة، ثم قال والذي نفسي بيده ليرفع أحدكم اللقمة الى فيه من الحرام لا يقبل الله منه صلاة أربعين يوما، وكفاك ان اختلف العلماء في صحة حج آكل الحرام وصلاته، هل يسقط عنه الفرض أم لا؟ والكل متفقون أنه آثم وان ذلك منقص من ثوابه فلقد جاء في الحديث ان الحاج اذا وضع رجله في الغرز، أي ركب على دابته قال لبيك اللهم لبيك،ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال، أما إذا كان غذاؤه وستره بنقيض هذا ناداه مناد في السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام وراحلتك حرام .
أيها المسلم: إن الانسان دائما وأبدا يأتي بالأسباب، أو يحاول الاتيان بها، التي تنفعه في جميع أموره وقد يصيبها وقد يضل عنها واذا وافق لها فليحذر من الموانع ففي الحديث الشريف: ان من أسباب قبول الدعاء الشعث والغبرة ومد اليدين الى السماء والالحاح للرب حالة سفر الإنسان لأن السفر سبب لقبول الدعاء واستجابته لكن الحذر الحذر من موانع قبوله، والاثابة عليه كالدعاء بالإثم من قطيعة رحم وغيرها أو استعمال المحرمات ملبسا ومأكلا ففي الحديث:إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وان الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا , وقال:يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل أشعث أغبر يمد يديه يارب يارب ومطعمه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له، فكن حارسا على بطنك وحافظا لفرجك وماسكا للسانك وغاضا لبصرك ومصما لأذنيك عما نهيت عنه تكن ممن ضمنت لهم الجنة،ففي الحديث من حفظ البطن وما وعى والرأس وما حوى فله الجنة وفي الآخر من يضمن لي ما بين لحييه وبين رجليه أضمن له الجنة وقد وردت آثار في فضل نفقة الحج فاحرص اخي الحاج على طيب نفقتك وحلها تربح من حجك ويطيب عملك عند ربك، فعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبع مائة ضعف وعن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها: إن لك من الأجر قدر نصبك ونفقتك أخرجه الدارقطني وعنها أيضا قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إذا خرج الحاج من بيته كان في حرز الله، فإن مات قبل ان يقضي نسكه وقع أجره على الله وان بقي حتى يقضي نسكه غفر الله ما تقدم وما تأخر من ذنبه، وانفاق الدرهم الواحد في ذلك يعدل أربعين ألف درهم فيما سواه , قال أبوعبدالله الباجي الزاهد رحمه الله: خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله عزوجل ومعرفة الحق واخلاص العمل لله والعمل على السنة وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل، وذلك اذا عرفت الله عزوجل ولم تعرف الحق لم تنتفع واذا عرفت الحق ولم تعرف الله لم تنتفع، وان عرفت الله وعرفت الحق وأخلصت العمل ولم يكن على السنة لم تنتفع وان تمت الأربع ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع.
فاتقوا الله أيها المسلمون وطهروا أنفسكم من الحرام واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:يا أيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين, إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
* عضو هيئة كبار العلماء

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
الركن الخامس
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved