Friday 26th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 9 ذو الحجة


دكتاتور يسير على هدى جندي صربي تسبب في اندلاع الحرب العالمية الأولى
ميلوسيفيتش هل يشعل حرباً عالمية ثالثة
الاعمال الوحشية التي ينفذها الصرب في كوسوفا هي في الواقع عمل ثأري محض انتقاما لهزيمة قديمة

في بداية القرن العشرين تسبب جندي صربي في اشعال نار الحرب العالمية الاولى عندما اطلق النار على ولي عهد الامبراطورية النمساوية فرانز فرديناند التي كانت تسيطر على البوسنة فأرداه قتيلا في الثامن والعشرين من يونيو عام 1914,, فهل يعيد التاريخ نفسه ويتكرر المشهد الدموي مرة اخرى على يد الزعيم اليوغوسلافي هذه المرة سلوبودان ميلوسيفيتش الذي عقد حلفا مع الشيطان لابادة شعب بأكمله من ألبان اقليم كوسوفا.
يبدو ان ميلوسيفيتش قد فهم خطأ مقولة الزعيم الصيني ماو تسي تونج ان القوة السياسية تنمو من فوهة مدفع فراح يقتل ويشرد ابناء كوسوفا,, والمؤكد حقا ان ما يقوم به ميلوسيفيتش ليس سوى ثورة اخرق فظ على الحضارة على حد تعبير المفكر السياسي اتش جي ويلز.
ان الاعمال الوحشية التي ينفذها الصرب في كوسوفا هي في الواقع عمل ثأري محض انتقاما لهزيمة قديمة لحقت بالصرب على ايدي الجنود العثمانيين في موقعة كوسوفا عام 1389 التي تمثل البداية التاريخية لمشكلة كوسوفا التي نشهدها حاليا.
ورغم حصول صربيا على استقلالها من الحكم العثماني عام 1830 الا انها اختزنت الحقد والكراهية لألبان كوسوفا الذين استوطنوا الاقليم في العهد العثماني لتفريغه ضدهم عندما يحين الوقت المناسب.
وكان الرئيس اليوغسلافي الراحل جوزيف بروز تيتو الكرواتي الاصل قد اسس جمهورية يوغسلافيا الاتحادية في نوفمبر 1945 عقب الحرب العالمية الثانية وفي محاولة من جانبه لتقليص قوة صربيا منح اقليمي كوسوفا وفويفودين حكما ذاتيا في اطار الجمهورية اليوغسلافية.
لقد انفرط عقد الجمهورية اليوغسلافية بعد رحيل الرئيس تيتو في مايو عام 1980 وسرعان ما اندلعت المظاهرات في اقليم كوسوفا في ربيع عام 1981 للمطالبة بالاستقلال اسوة بجمهوريتي الجبل الاسود وكرواتيا الا انها قوبلت بالقمع من جانب السلطات اليوغسلافية التي قامت على الفور بسحب الحكم الذاتي من اقليم كوسوفا.
ويقول الخبير الاستراتيجي الفرنسي جيرار شاجون كانت يوغسلافيا من صنع تيتو وانتهت بوفاته وان الرئيس ميلوسيفيتش اخطأ في سحب الحكم الذاتي من كوسوفا وكان يتعين عليه بدلا من ذلك عدم المساس بوضع الاقليم ,وواصل الرئيس ميلوسيفيتش عناده منذ سحبه الحكم الذاتي من اقليم كوسوفا عام 1989 رافضا كافة الحلول السلمية للمشكلة بل ورفض الوفد الصربي في مباحثات رامبوييه التي جرت في فرنسا الشهر الماضي التوقيع على مشروع اتفاق السلام الذي توصلت اليه دول مجموعة الاتصال الست.
وذهب وزير الخارجية اليوغسلافي زيفادين يوفانوفيتش الى ابعد من ذلك عندما نفى في تصريحات صحفية مؤخرا وجود اتفاق من اصله قائلا أي اتفاق واي صفقة سلام؟ اننا لن نوقع على شىء غير موجود منتهى الاستعباط .
والان وقد وصلت الامور الى ذروتها في منطقة البلقان بما يهدد باندلاع حرب ربما تمتد آثارها الى اوروبا بل والعالم بأسره,, يطرح السؤال نفسه هل يمضي حلف الناتو قدما في خطته الرامية الى توجيه ضربات جوية الى المواقع الصربية وماهي الصعوبات التي تواجه تنفيذ هذه العملية.
ورغم تصاعد نذر الحرب في منطقة البلقان الا ان احتمالات عدم اندلاعها لاتزال قائمة في ضوء المعارضة الشديدة لها من جانب روسيا التي لن تنسى بالتأكيد في هذه اللحظات الحرجة وقوف صربيا الى جانبها وتحالفها معها عام 1905 ضد الامبراطوريتين النمساوية والعثمانية.
فقد اعلن وزير الدفاع الروسي ان يوغسلافيا قد تتحول الى فيتنام اخرى اذا اندلعت الحرب بينما حذر رئيس الوزراء الروسي يفجيني بريماكوف الذي قطع زيارته لواشنطن من ان ضرب يوغسلافيا يهدد الاستقرار في اوروبا والعالم باسره اما الصين من جانبها فتعارض ضرب يوغسلافيا وتعتبر ذلك عملا غير مسبوق في ايجاد الحلول للمشاكل الدولية.
واذا اضفنا الى ذلك رفض مقدونيا المجاورة استخدام الناتو لاراضيها لتنفيذ هجمات ضد القوات الصربية ورفض اليونان استخدام قواعد الناتو الموجودة بها لهذا الغرض وتحفظ عدد من الدول الغربية على ضرب الناتو ليوغسلافيا يمكن القول ان احتمالات التراجع عن تنفيذ العمل العسكري ضد يوغسلافيا لاتزال قائمة.
اما من المنظور العسكري فان حلف الناتو يدرك الصعوبات التي ستواجهه عند الاقدام على عمل عسكري ضد يوغسلافيا حيث لا تتوافر لديه القوة البرية اللازمة للقيام بعملية برية حيث لا يتجاوز عدد قواته المرابطة على الحدود المقدونية عشرة الاف جندي بينما تتطلب هذه العملية من منظور خبراء الاستراتيجية 200 الف جندي.
ومن هنا كانت اهمية الاعتماد على توجيه ضربات جوية, ولكن حتى هذا الخيار تواجهه صعوبة مزدوجة تتمثل في جانب منها في الدفاعات الجوية الصربية القوية التي حصلت عليها يوغسلافيا من روسيا في الآونة الاخيرة وهو ما يؤكده المحلل السياسي الصربي ميلوسلاف لازارسكى.
والجانب الثاني يتمثل في الطبيعة الجبلية ليوغسلافيا التي ستجبر طائرات الناتو على العمل على ارتفاعات منخفضة وبالتالي ستكون صيدا سهلا لوسائل الدفاع الجوي الصربية.
وعلى الصعيد الانساني هناك مخاوف من اقدام القوات الصربية في كوسوفا البالغ عددها 60 الف جندي و 40 الف من المتطوعين ورجال الميليشيات بمجرد تلقيها اول ضربة من الناتو على توجيه نيران مدافعها الى البقية الباقية من السكان الالبان في الاقليم,, وهنا مكمن الخطر.
اذن ربما يتراجع الرئيس اليوغسلافي ميلوسيفيتش عن موقفه ويقبل اتفاق السلام الذي وقعه البان كوسوفا في باريس قبل ايام كما حدث وتراجع من قبل في اكتوبر الماضي امام ضغوط الناتو, والمؤكد ان روسيا سوف تقوم بدور اكثر فعالية في اللحظات القادمة لتجنيب يوغسلافيا ضربات الناتو وتجنيب نفسها الحرج مع الحلفاء في الغرب الذين تحتاج الى اموالهم وليس صواريخهم.
بل وربما تعود وزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت الى ارتداء البلوزة السوداء ذات الحمامة البيضاء رمز السلام على كتفها الايسر التي ظهرت بها خلال مباحثات باريس الماضية لتواصل الجهود الدبلوماسية لنزع فتيل ازمة كوسوفا وتجنيب العالم حرباً ستكون خطيرة اذا اندلعت,, عملا بوصية الرئيس الامريكي الاسبق جون كنيدي الذي قال على الجنس البشري ان يضع نهاية للحرب والا فإن الحرب ستضع نهاية له .
ان على العالم ان يكتم انفاسه في اللحظات القليلة القادمة,, فمشاهد الطائرات القاذفة تحتل شاشات التليفزيون وتصريحات المسئولين من الجانبين تتلاحق بعضها يبعث على التفاؤل والبعض الآخر يحمل بشائر الحرب والعالم فيه ما يكفيه من فقر وجهل وخراب ودمار.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
الركن الخامس
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved