Friday 26th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الجمعة 9 ذو الحجة


هموم الإسلام في خُطب عبد العزيز
د, محمد بن سعد الشويعر

منذ دخل الملك عبد العزيز - رحمه الله - مكة محرماً في عام 1343ه وهو يحرص على اللقاء بحجاج بيت الله الحرام عند قدومهم لاداء ما افترض الله عليهم، ليأنس بهم ويأنسوا به، ويتدارس معهم ما يجب على المسلمين ان يحرصوا عليه، لأن الدعوة الى دين الله الحق والاهتمام بأحوال المسلمين هي هاجس الملك عبد العزيز,, وهي اكثر ما يشغل خواطره,, أخذاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم .
وخطب وكلمات الملك عبد العزيز التي رصدتها جريدة أم القرى، تنبىء عن خلجات فؤاد الملك عبد العزيز وما يتحمله من هموم وخواطر، نحو الاسلام والمسلمين، الاسلام من اجل تطهيره من البدع والمنكرات والمسلمين لكي يتحدوا ويقضوا على ما بينهم من تشاحن ليصلحوا انفسهم، ولتصفو قلوبهم من الاكدار، واعمالهم مما يخالف دين الله، او يتجافى مع طهارة الاسلام ونقاوته حسبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربه.
ففي عام 1344 بعدما استسلمت جدة ونودي بالملك عبد العزيز ملكاً على الحجاز وسلطاناً لنجد وملحقاتها دعا بعض الملوك لعقد مؤتمر اسلامي، ظاهر تلك الدعوة اعادة الخلافة، وخافيها الاستئثار بالمبايعة، لكن الدعوة فشلت لأن الله عالم بالنوايا، فلم يستجب لتلك الدعوة احد.
ولكن الملك عبد العزيز لما تبنى الدعوة لصدق هدفه، ولعدم الرغبة منه بأن تكون دعوة شخصية، فقد لبّت اقطار اسلامية عديدة هذه الدعوة التي تبناها ودعا اليها الملك عبد العزيز، وان يعقد المؤتمر الاسلامي في مكة المكرمة مرنى افئدة المسلمين واقدس ارض الله على اليابسة، وكانت الدعوة منه - رحمه الله - من اجل بحث شؤون المسلمين واقتراح توحيد كلمتهم وتضامنهم، ولم تكن الخلافة مطروحة في اعمال هذا المؤتمر.
وقد ابتدأ هذا المؤتمر جلساته يوم 20 ذي القعدة عام 1344ه الموافق 3 مارس 1926م وقد امتدح الشيخ محمد رشيد رضا في مجلته المنار نجاح هذا المؤتمر وما اضفاه الملك عبد العزيز على المؤتمرين من نبل وكرم، كان مثار اعجاب الوافدين للحج والمشاركين في المؤتمر، وقد ألقى الملك عبد العزيز في الجميع كلمة جاء فيها:
اما بعد: فإني أحييكم وارحب بكم واشكر لكم اجابتكم الدعوة الى هذا المؤتمر، ايها المسلمون الغُيّر، لعل اجتماعكم هذا في شكله وموضوعه اول اجتماع في تاريخ الاسلام، ونسأله سبحانه ان يكون سنة حسنة، تتكرر في كل عام عملاً بقوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ]2 المائدة[ وبإطلاق قوله عز وجل: وأتمروا بينكم بمعروف ]6 الطلاق[، انكم تعلمون انه لم يكن في العصور الماضية ادنى قيمة لما يسمى في عرف هذا العصر، بالرأي العام الاسلامي، ولا بالرأي العام المحلي، بحيث يرجع إليه الحكام للتشاور فيما يجب من الاصلاح في مهد الاسلام، ومشرق نوره الذي عمَّ الأنام.
الى ان قال: أيها الإخوان، انكم تشاهدون بأعينكم وتسمعون بآذانكم ممن سبقكم الى هذه الديار للحج والزيارة ان الأمن العام في جميع بلاد الحجاز - بين الحرمين الشريفين - بدرجة الكمال التي لم يعرف مثلها ولا ما يقرب منها منذ قرون كثيرة، بل لا يوجد ما يفوقها في ارقى ممالك الدنيا نظاماً وقوة ولله الفضل والمنّة.
ففي بحبوحة هذا الأمن والحرية التي لا تتقيد الا باحكام الشرع ادعوكم الى الائتمار والتشاور في كل ما ترون من مصالح ونظم، يطمئن اليها العالم الاسلامي وبإقامة شرع الله والتزام احكامه وآداب دينه.
ثم ختم كلمته هذه بقوله: أسأل الله عز وجل ان يوفقني واياكم لاقامة دينه الحق وخدمة حرمه وحرم رسوله صلوات الله وسلامه عليه والتأليف بين جماعة المسلمين والحمدلله رب العالمين.
وفي حج عام 1347ه ألقى الملك عبد العزيز في جموع من كبار الحجاج والعلماء كلمة ضافية، قصد فيها توضيح حقيقة العقيدة التي تسير عليها البلاد، مزيلاً بذلك شبهات طرحت وافتراءات حول عقيدته، حيث كان من ضمن ما افتراه اصحاب المقاصد السيئة القول: بأنهم يتبعون مذهباً خاصاً يختلف عن بعض تعاليم دين الاسلام وسمّوه واتباعه من الشعب والعلماء بالوهابيين فكان مما جاء في خطابه التصحيحي الذي ألقاه في القصر الملكي بمكة المكرمة يوم 1 من ذي الحجة 1347ه الموافق 11 مايو 1929ه قوله:
يسمّوننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا الوهابي باعتبار انه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها اهل الأغراض, نحن لسنا اصحاب مذهب جديد او عقيدة جديدة ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح, ونحن نحترم الأئمة الاربعة ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وكلهم محترمون في نظرنا.
هذه هي العقيدة التي قام شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو اليها، وهذه هي عقيدتنا وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل خالصة من كل شائبة منزهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو اليها وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب, اما التجديد الذي يحاول البعض اغراء الناس به انه ينجينا من آلامنا فهو لا يوصل الى غاية، ولا يدنينا من السعادة الأخروية.
ان المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما هم ببالغين سعادة الدارين الا بكلمة التوحيد الخالصة.
وختم هذه الكلمة بقوله: والله انني لا احب الملك وأبهّته ولا ابغي الا مرضاة الله والدعوة الى التوحيد، ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك وليتفقوا فإنني أسير وقتئذ معهم لا بصفة ملك او زعيم او أمير، بل بصفة خادم اسير معهم انا واسرتي وجيشي وبنو قومي والله على ما اقول شهيد وهو خير الشاهدين.
- وفي حج عام 1348ه التقى بوفود الحجاج والعلماء في امانة العاصمة بمكة المكرمة حيث تعاقب الخطباء والشعراء وتباروا في إلقاء كل منهم ما لديه,, فألقى عبد العزيز في الجميع كلمة في اول شهر ذي الحجة عام 1348ه الموافق 30 ابريل عام 1930م وكان مما جاء في كلمته هذه:
اشكر الله على ان أتاح لنا مثل هذه الاجتماعات العظيمة الجمة الفوائد، فهي في الحقيقة اجلُّ الاجتماعات التي نحن بحاجة شديدة اليها في كل وقت وآن, وليس الغرض من هذه الاجتماعات الأكل والزينات، فان هذا لا يهمُّنا، وانما المهم عندنا ان نتذاكر مع إخواننا بما يعلي كلمة التوحيد ويدعو لاخلاص العبادة لله، فهذا جلُّ ما نقصده من هذه الاجتماعات.
ان الله جلّت قدرته حكيم اذ جعل للاجتماع في بيته الحرام فوائد جمة، اولها الاخلاص في عبادة الله تعالى في اقدس بقعة حيث جعل بيته الحرام وارسل رسوله من افضل قبيلة قطنت هذه الديار، وقد جعل الله الفخار لأيٍّ كان بالتقوى لا بغيرها، فلم يكن في الاسلام تفاضل بين العربي وغير العربي الا بها وفخار العرب وعزهم بالاسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم, والكريم عند الله هو التقي الورع ان اكرمكم عند الله اتقاكم ]3 الحجرات[ وقد انزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم خير الكتب فأمرنا بهذا الكتاب المبين وبطاعة رسوله وهذا خير فخارنا, والمقصود من هذا الاجتماع هو ان نجدد اسم الاسلام ونعمل بمعناه والاسلام معناه الاستسلام لله تعالى والطاعة له والايمان بكتابه وبرسوله، وقواعد الاسلام قائمة على كتاب الله وسنة رسوله، واعمال الخلفاء الراشدين وما اتفق عليه الصحابة الكرام وما جاء به فيما بعد الأئمة الأربعة فهي حق لا نحيد عنه قط.
ثم ان الغاية من هذا الاجتماع هي التعارف والتآلف، لعل الله يوفقنا بذلك لخدمة الدين ونشرحقيقته وبهذا وحده ننال العز والفخار في الدنيا والآخرة، وثقوا بأن الله يؤيد من يعمل ويسعى في هذا السبيل.
ومن المسائل التي يجب ان نعمل بها في هذا الشأن وتعد في طليعة خدمة الدين الحنيف هي تطهير الاسلام من ادران الخلافات التي علقت بالدين، وهو منها براء وإنما ألصقها فيه أناس نفعيّون يبتغون من وراء ذلك النفع المادي.
- وعن الصحفيين يقول الملك عبد العزيز في هذه الكلمة: ومن غريب امر الصحفيين انهم اذا دخلوا في جدل مع الاوروبيين جادلوهم بالتي هي احسن، وألانوا لهم القول وانتقدوهم بهوادة ولين ولكنهم اذا ارادوا الدخول في جدل مع المسلمين - اي بعض الصحفيين - انقلبت الآية وجادلوا المسلمين جدلاً ملؤه الكذب والبهتان وحشوه الإقذاع والطعن والهجو الشديد، وانتقدوهم انتقاداً مرّاً بعيداً عن آداب الجدل والحديث.
انا ترعرعت في البادية فلا اعرف اصول الكلام وتزويقه ولكن اعرف الحقيقة عارية من كل تزويق، ان فخرنا وعزنا بالاسلام والله لا يهمّني مال قارون ولا غيره وكل همّي هو موجه لاعلاء كلمة الدين واعزاز المسلمين.
وفي عام 1350ه نشرت جريدة أم القرى يوم 7 من ذي الحجة الموافق 13 ابريل 1932م لقاء الملك عبد العزيز في تكريمه كبار الحجاج في القصر الملكي بمكة المكرمة بتاريخ 6 من ذي الحجة 1350ه وألقى في جمعهم كلمة ضافية دعا فيها الى القوة في كل شيء, مفنداً الاشاعات والاكاذيب التي يروّجها خصومه ورده على ذلك بقوة وحزم.
ومما جاء في هذه الكلمة قوله: كثيراً ما يقول بعض الناس: (ليش ما يحط ابن سعود جمعيات ودعاية ضد الانكليز والمسكوف او الطليان او غيرهم ويدافع عن المسلمين؟!) فأحب ان اكشف هذه الشبهة وأبيّن الحقيقة فيها:
أنا لست من رجال القول الذين يرمون اللفظ بغير حساب، انا رجل عمل، اذا قلت فعلت، وعيب عليَّ في ديني وشرفي ان اقول قولاً لا أُتبعه بالعمل، وهذا شيء ما اعتدته ولا أُحب ان اتعوده أبداً.
ماذا يريد الناس مني؟! يريدون ان اقول واتكلم ثم يهمل جوابي واسكت؟ واي فائدة في القول الذي لا يعقبه فعل؟, انه امر ما اعتدته ولم يعتده قومي معي, أنا لا اقول لصاحب أم القرى او غيره قل وتكلم على فلان وفلان وانما آمر بالسكوت الى وقت الفعل فإذا فعلنا تكلمنا.
سكتنا من قبل ومن بعد لأننا كنا في ريبة من امر الناس واريد بالناس، اكثر الذين يدعون الاسلام وهؤلاء هم الذين اخشى شرهم، وأراقبهم قبل غيرهم,, انهم اذا ارادوا التكلم عن نصراني تأدبوا وأحسنوا الرد ولكن اذا تكلموا عن المسلمين رموهم بالبهتان، كأنهم اعداء لهم يقولون: ابن سعود قال كذا، وفعل كذا,, وهذا زور، زور، لماذا كل هذا؟ هنا رجال نقموا علينا لما اعطانا الله اياه فسوّل لهم الشيطان من الوسواس الشيء الكثير، ولم أر احداً من اولئك دافع عني ولا مدافعة واحدة، بعضهم منعوا عن الحرمين الصدقات والاوقاف واخذوا يمنعون الناس عن حج بيت الله، كله لاجل ابن سعود، فما هو العمل الذي عمله ابن سعود؟,, هل نصب ابن سعود صنماً يعبده من دون الله؟ هل اباح الخمور؟ هل اباح الزنا والفجور؟ هل ترك ابن سعود الاشرار يفسدون في الارض؟ ام ماذا صنع ابن سعود مما ينكره الشرع وتأباه المروءة العربية؟.
إني والله اخاف الأجنبي مرة، واخاف الذين يدّعون الاسلام ثلاثة آلاف مرة، وارجو ان يعذرني المسلمون في قولي هذا واني والله صادق فيما اقوله، وما تكلمت به وقد قيل يا رسول الله المسلم يزني؟ قال: يزني,قالوا: يسرق؟ قال: يسرق, قالوا: يكذب, قال: لا,, فأنا أبرأ الى الله من الكذب، أنا اتأخر وأتقدم بقدر الحاجة، ولا اعمل عملاً اضرب به بلادي، واذا جاء وقت العمل واللقاء فالعار على الذي يتأخر، فإذا بذل الناس مالهم بذلت مالي، واذا بذلوا رقابهم بذلت رقبتي ورقبة عيالي، اما الهرج والمرج والكلام الذي يضرّنا اكثر مما ينفعنا فهذا ما لا دخل لي فيه، واذا برز المسلمون للعمل فالعيب في شرفنا - حنا العرب - ان تأخرنا.
يقولون: ابن سعود يأخذ قرضاً من الانجليز وابن سعود يريد ان يفعل ويصنع، فأنا لم آخذ مال أهل الحجاز ولا حلالهم بل اصلحت حال الحجاز وحال اهله في هذه البلاد الطاهرة، لقد أمن الله ثم أمنت الطريق وضربت على يد الظالم، وأقمت شرع الله في جميع انحاء المملكة من الخليج الى البحر الأحمر، ومن صبيا الى جيزان الى قريات الملح وهذا كله من الله وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ]17 الأنفال[.
واللهِ ليس لي من المال شيء ولا أملك غير السيف والمصحف، واموال الحجاز لأهل الحجاز وانا أحميهم وأدافع عنهم وإني اعلن واقول ان من اراد من ملوك المسلمين او امراء المسلمين او تجار المسلمين ان يقوم بعمل خيري للمسلمين في هذه البلاد فأهلاً وسهلاً ومرحباً بشرط الا يخلَّ بشرف بلادنا، او باستقلالنا ولا بشيء من امور ديننا واما كلام الحق الذي يراد به الباطل فهو مالا نقبله ولا نقرّه، ولا نسمعه وعلينا ان نحافظ على كل شيء يقدم الينا بأمورنا وانفسنا على الطريقة الشرعية.
لقد خاض الناس في القرض الكاذب، ولفّقوا وأوّلوا وانا اقول: والله ولا رب سواه لم اعمل مع الانجليز ولا مع غيرهم قرضاً ما، وربما أننا نحتاج ونأمل من المسلمين او غيرهم ولكن اذا وقع فلا يمكن ان يخرج ذلك عن حدود الشرع ولا يمكن ان يمس البلاد واستقلالها وما فيها واذا كان احد من المسلمين ملكاً او تاجراً يريد ان يساعد الحجاز واهله على الوجه المشروع فانا اقوم معه واساعده واني اقول: من كان عنده نصيحة او ارشاد ويريد عرضها علينا فنحن مستعدون لذلك سواء الآن أو في وقت غير هذا بيننا وبينه او أمام علماء المسلمين وإني والله لا اقبل لبلادي ولا على بلاد المسلمين ما يضرُّ بهم، وإني احترم الشائب منهم كأبي والوسط كأخي والصغير كابني وهذا ما اعاهد الله عليه ثم اعاهدكم عليه والحقائق ظاهرة كالشمس والحمدلله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين.
وهكذا نجد خطب وكلمات الملك عبد العزيز صريحة صادقة تعبر عن مكنون نفسه في جلاء الحقيقة وفي الاهتمام بما يعود على الاسلام والمسلمين بالنفع والمصالح والظاهرة، ومع هذا فهو يمقت الكذب ويكره البهرج من القول والتملق، يحب العمل ويجعل الأعمال هي التي تتحدث عن نفسها,, فرحم الله الملك عبد العزيز فقد كان رجلاً لا كالرجال شجاعاً في القول والعمل، محباً للخير بعيد النظرة، لا يسبر غوره ولا يداهن او يحاشي في قوله او عمله.
كرمٌ بعد كرمذكر التنوخي في كتابه قال: قرىء على الصولي وانا اسمع في كتابه: كتاب الوزراء: حدثكم احمد بن اسماعيل قال حدثني سعد بن يعقوب النصراني قال: أمر المأمون محمد بن يزداد بن سويد وزير المأمون واحمد بن أبي خالد استوزره المأمون ان يناظر عمرو بن مسعدة في مال الأهوار، فناظراه فتحصل عليه ستة عشر ألف ألف درهم فأعلما المأمون بذلك فقال: اقبلا منه كل حجة وكل تعلق وكل ادعاء, فقالا: قد فعلنا.
فقال: عودا فعادا فتعلق عمرو بن مسعدة بأشياء لا اصل لها، فسقط من المال عشرة آلاف ألف درهم وبقي ستة آلاف ألف درهم واجبة عليه لا حجة له فيها، وأخذ خطّه بذلك,, فأحضر المأمون عمراً بعد خروجهما فقال له: هذه رقعتك؟ قال: نعم, قال: وهذا المال واجب عليك؟ قال: نعم؟ قال: خذ رقعتك، فقد وهبته لك, فقال: اما اذا تفضل امير المؤمنين عليّ به فانه واجب على احمد بن عروة وأُشهدك اني قد وهبته له، فاغتاظ المأمون,, وخرج عمرو وقد عرف غيظ المأمون، وعلم خطأه في عمله فلجأ الى احمد بن ابي خالد فأعلمه بذلك، وكان يختصه فقال: لا عليك ودخل على المأمون.
فلما رآه المأمون قال: الا تعجب يا احمد من عمرو، وهبنا له ستة آلاف ألف درهم، بعد ان تجاوزنا له عن اضعافها، فوهبها بين يديّ لأحمد بن عروة كأنه اراد ان يباريني ويصغّر معروفي؟ فقال له احمد: أوَ قد فعل ذلك يا امير المؤمنين؟ قال: نعم.
قال: لو لم يفعل ذلك لوجب ان يسقط حاله, قال: وكيف؟.
قال: لأنه لو استأثر به على احمد بن عروة، واخذ احمد بأداء هذا المال، لكان قد اخرجه من معروفك صفراً ولما كانت نعمتك على عمرو نعمة على احمد وهما خادماك فكان الاجمل ان يتضاعف معروفك عندهما، فقصد عمرو ذلك فصار المال تفضلاً منك على عمرو، وعلى احمد بن عروة، ومع ذلك فأنت سيد عمرو ولا يعرف سيداً غيرك وعمرو سيّد احمد فاقتدى في امر احمد بما فعلت في امره وأراد ايضا ان ينتشر في ملوك الأمم ان خادماً من خدمك اتسع قلبه لهبة هذا المال، من فضل احسانك اليه فيزيد في جلالة الدولة وجلالة قيمتها فيكسر ذلك الاعداء الذين يكاثرونك.
فسرِّى عن المأمون وزال ما بقلبه على عمرو ]الفرج بعد الشدة 1/ 384[.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
الركن الخامس
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
تحقيق
شرفات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved