فهو مثل حنان عنيد كثير الاسئلة لا ترضيه الاجابات المعدة مسبقا والتي أرضت اخوانه من قبل, وموازين العدل لديه واضحة ونقية ولا يقبل الا الصدق والاخلاص
في تطبيقها, لذا فهو يحتج عاليا على اي تجاوز بطريقة تفاجىء اهله الذين لم يتعودوا على مناقشة مسلماتهم قبل ان يرزقهم الله بهذا الطفل الصعب كما تقول أم
حنان,
فسلوك حنان خارج مقدرة اهلها على فهمه وفق مرجعيتهم التي عادة ما تكون سلوك اخوتها الآخرين لذا فهي تكرهها وكثيرا ما تقسو عليها,
علم النفس يرى ان بعض الاطفال يحمل منذ صغره وعيا مميزا وحساسية خاصة ثأتيه من عوالم عجيبة وأبعاد يستعصي على علم النفس التقليدي فهمها, لذا يطلق عليها
لكي لا يخلط بالمفاهيم النفسية فقط,Psychospiritual علم النفس الحديث مفهوم النفسي - الروحي
فهذا الطفل ولد بشفافية روحية عالية وإبداعه وحساسية نظرته الى الحياة هي التي تجعله لا يقبل كثيرا من المواقف التي قد يقبلها اخوته الامر الذي يدخله في
مشاكل نفسية كثيرة نتيجة مصادماته مع البيئة، فهو كما قلت مثالي يكره الكذب والنفاق, فكثيرا ما تصدم حنان حين تجد ان اهلها ومدرساتها لا يطبقون تعاليم
الدين والاخلاق التي يدعون لها, والمشكلة انها نظراً لتكرار هذه المواقف صارت تنسحب عنهم ولا تشارك الآخرين فعالياتهم بل تنظر لهم بنقد واستخفاف, فميولها
التحليلية وشفافيتها في العلاقة بالاشياء وبالناس تجعلها غير قادرة على مشاركة الآخرين (كذبهم ونفاقهم) كما تسميه, وهذا ما يجعلها غير مقبولة من قبل اهلها
رغم ذكائها وجمالها, فعادة ما لا يرحب الاهل بالطفل الصعب كما تطلق ام حنان على ابنتها، وكثيراً ما تقارنها بأخواتها وتقسو على الطفلة في محاولة لكبت
اسئلتها وتحويل مسارات شخصيتها الامر الذي جعل الطفلة تكره نفسها ووالديها وتشعر بالاضطهاد الدائم وبأن الحياة لم تنصفها,
علم النفس ينظر لهذا الاختلاف على انه قدر ليس للطفل يد فيه, وقد خلقنا الله مختلفين ولكل رزقه, فلكل روح مساحاتها ولكل روح فضاءاتها التي لا تستطيع ان
تسبح الا بها وإلا فمصيرها المرض النفسي وهذا غالباً ما يحدث لأمثال حنان والتي عادة ما يرى الناس وعورة تضاريس روحها غافلين عما تحمله هذه التضاريس من
قدرات عجيبة, فهذا النوع من الاطفال موهوبون مبتكرون فعلا وأذكياء وقادرون على التفوق حين يجدون من يفهمهم ولكنهم مثل البضاعة الثمينة القابلة للكسر, اي
حين لا تسمح لهم الحياة بتحقيق ما في ارواحهم من ابداع - وهذا للأسف كثيرا ما يحدث - ينضب ابداعهم مع الزمن ويتركهم معرضين للكسر فقط حساسين قلقين مكسورين,
وهذا على ما يبدو لي قد حدث لحنان فهي منذ نعومة اظفارها تكافح ضد التيار وبدلا من ان تمضي يومها في محاولة تحقيق طاقاتها الكامنة تقضي حنان كل يومها في
محاولة ابقاء رأسها فوق الموج حتى لايخنقها الاختلاف, فمنذ الخامسة من عمرها صارت تخاف النوم لوحدها وتفزع من الظلام الذي تراه مليئا بالرؤوس المقطوعة
والايدي التي تلاحق رقبتها بالخنق,
كبرت حنان وكبرت معها مخاوفها حتى جاءتني بها امها الى العيادة وهي في الثانية عشرة, طفلة تعاني من الافعال القهرية وتكره المدرسة مع انها متفوقة وليس
لديها صديقات, تقص شعرها قصيراً جداً وتحني كتفيها لكي تخفي معالم انوثتها وتلبس ملابس واسعة, اما لماذا؟
،- لا اريد ان اكبر,,!،
،- وماهو اسوأ ما في حياة الكبار في نظرك؟؟
،- ,,,,,,
،- ماهو؟ يعني مثلا؟
،- لا اريد ان اصير امرأة ماكرة,, النساء ماكرات والرجال مستبدون,, كل النساء ماكرات!،
،- كلهن؟؟
،- نعم كلهن,, خالاتي وعماتي وأمي كلهن منافقات كاذبات, وأبي متسلط لا يهمه الا نفسه, لا اريد ان اكبر ولا ان اتزوج رجلا مثل ابي ولا ان اصير ماكرة ضعيفة
مكسورة الجناح مثل امي, هذا هو حال حنان, فمن المسؤول عن غرس هذه الفكرة عن النساء والرجال في رأسها؟
ولايزال لدي الكثيرعن حالة الطفلة, فحالتها فعلا خطيرة, فلقد لفت نظري حلم أو قل كابوس يتكرر عليها ويرعبها, والحلم الذي يتكرر خطير جدا لأنه رسالة عاجلة
من اللاشعور يعيد ارسالها بسبب اهميتها ولا يجب التساهل في قراءتها,
ومن تحليل الحلم شككت في شيء خطير وتمنيت ان اكون مخطئة في تشخيصي, ولكنه تأكد للأسف فكشف عن ميول انتحارية قوية لدى الطفلة تسكن في لاشعورها وتريد ان
تقتلها,
وللحديث بقية,,,
د, هناء المطلق