من الوقوع فيه، من الضعف والبذخ واعتناق التقاليد الأجنبية، وفقد الشخصية المسلمة، في التصرفات اليومية وفي أسلوب الحياة، بعد ظهور علامات الفساد، على
الدولة العجوز، حتى ظهرت قصيدة أبي البقاء الرندي، عندما سقطت الدولة بأكملها في أيدي الفرنجة، الذين لم يكتفوا بالأندلس، بل أخذوا يطاردون العرب
والمسلمين في الشرق، يقول أبو البقاء الرندي:
لكل شيء اذا ما زاد نقصان
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسان
لا نعيب بأي حال من الأحوال الأديب عندما يستقي ثقافته من التراث، بل يجب ان يبدأ من التراث حتى يستطيع السيطرة على الحديث بلغة ادبية راقية، وفكر
منظم، وهذا هو المعنى الذي قصده الأسكوبي، ناقداً ومحذراً، ولسنا بصدد المقارنة بين القصيدتين، ولكن الظروف المتشابهة جعلت هاتين القصيدتين تتشابهان، من
حيث المضمون،وسبب هذه المرجعية يعود بالدرجة الأولى الى مرجعية الشاعر الثقافية التقليدية، ولم تكن السلطة التركية غائبة عما يجري، وكأنها تعرف أنهاتسير
في طريق الخطأ والجمود، حتى أنها أعطت نوعاً من الاستقلالية الذاتية لبعض المدن المهمة والأقاليم التي ظهر فيها بصيص من النور والأمل مثل مكة والأحساء،
فأعفي أبناؤها من التجنيد العسكري الاجباري، وتابعت كل ما يصدر من فكر وأدب في هذه الفترة وترجمته الى اللغة التركية، ومنها قصيدة الأسكوبي المذكورة، وطلب
منه الحضور الى الآستانة للتحقيق معه حول ما قال في القصيدة، ولكنه تخلص بلباقته ورده المقنع على الدعاة ضده، وبالتالي أفرج عنه، وعاد الى المدينة موفور
الكرامة عالي الرأس، كما يذكر عبدالله عبدالجبار,
ولم يكن ابراهيم الأسكوبي الشاعر الوحيد الذي تأثر بالمرجعية التراثية التقليدية، سواء ما كان منها في عهود الازدهار الأدبي للدولة العربية الاسلامية، أو
ماحدث في عهود التراجع الفكري، الذي صار فيه الشعر نظماً ساذجاً متهالكاً، يخلو من الفكر وروح التجديد,
وللأسكوبي شعر ضعيف من هذا الطراز، وقد وصف عبدالله عبدالجبار هذاالشعر بعبارات موجزة،هي لب ما يمكن أن يقال في شعر هذا العصر التركي الذي كثر فيه الفساد،
وفي مقدمته الفساد الفكري، وذوق القارىء المتدني:
سقم في المعنى وركاكة في الأسلوب، وتنافس على اللعب بالألفاظ، ومحسنات بديعية سخيفة، كالتورية والجناس، والترصيع، ولا يحسبون الشعر بغيرها شعراً