سرديات
عبدالعزيز السبيل
في مفهوم القصة القصيرة (4)،
لو أردنا ان نقدم تعريفا للقصة القصيرة، فسنجد ان ثمة طرقا مختلفة، لكن بأي طريقة تم تعريفها، ستبقى بشكل أساسي فن اتصال موجز, بمعنى ان الشكل الأساسي لها
ان تكون محدودة الكلمات، وهذا التعريف في الواقع ينطلق من مفهوم الرواية, ولذلك فإن من أقدم التعريفات للقصة القصيرة ما قدمه مؤصل هذا الفن الشاعر
الأمريكي إدجار آلن بو, فهو يعرف القصة القصيرة التي اسماها القصة النثرية بطريقة بدائية، حيث يرى انها المروي الذي يمكن ان يقرأ في جلسة واحدة, ورغم
بساطة هذا التعبير إلا انه يخرج من رحم الرواية، التي عادة ما تحتاج الى فترة أطول في قراءتها,
وقد أثار هذا التعريف بعض النقاد، فتساءل وليام سارويان ان مشكلة هذا التعريف تكمن في ان بعض القراء يمكنهم الجلوس فترة أطول من الآخرين, ويأتي ويلز ليعطي
تعريفا زمنيا اكثر تحديدا، فيشير الى ان القصة القصيرة هي التي يمكن قراءتها في مدة تتراوح بين ربع ساعة وثلاثة ارباع الساعة, ثم يضيف انها حكاية تجمع
بين الحقيقة والخيال، وتتسم بالتشويق والامتاع، وليس من المهم ان تكون انسانية أو غير انسانية، تمتلىء بالأفكار التي تثير القارىء، أو تكون سطحية تنسى بعد
قراءتها بلحظات، المهم ان تربط القارىء لمدة تتراوح بين ربع ساعة وخمسين دقيقة، ربطا يثير فيه الشعور بالمتعة والرضا، كما جاء في كتاب فن كتابة القصة
لحسين القباني,
يحدد ان القصة s encyclopeadia of literature 'cessellوفي محاولة لايجاد تعريف اكثر دقة ضمن اطار الكم، نجد سارويان نفسه في حديثه عن القصة القصيرة في
القصيرة ينبغي ان تتراوح كلماتها بين ألفين وخمسمائة كلمة وعشرة آلاف كلمة,
, لكنه بعد كل Novellaفإن قلّت عن هذا العدد اصبحت قصية قصيرة جدا, وان زادت عن ذلك اصبحت قصة قصيرة طويلة، وان تجاوزت عشرين الف كلمة اصبحت رواية قصيرة
ذلك، يضيف بأن مثل هذا التحديد، وان بدا مريحا لبعض النقاد، فإنه لا معنى له, وفي نفس الاطار نجد ان ناقداً آخر هو جرويج يحدد بأن طول القصة يجب ان يكون
حوالي ثلاثة آلاف كلمة, ويرى بيرنت انها اقصر من الرواية، لكنها عادة لا تكون اكثر من خمسة عشر ألف كلمة,
واذا كانت الصحافة لعبت دورا كبيرا في تقديم القصة القصيرة للقراء وانتشارها على مساحة جغرافية وثقافية واسعة، فإنها حولتها الى فن محكوم بصياغة محددة، بل
فرضت عددا معينا من الكلمات، كي تناسب مساحة محددة قررتها الصحيفة سلفا, وقد حدث ذلك في فترة مبكرة في عدد من الصحف الغربية, بل ان ثمة تزامنا تقريبيا بين
نشأة الصحافة وانتشار القصة القصيرة, وان كلا منهما قد خدم الآخر, ففي الوقت الذي نجد فيه ان الصحافة لعبت دورا كبيرا في توسيع رقعة قراء القصة القصيرة
وزيادة انتشارها على مساحة جغرافية اكبر ومستويات اجتماعية وثقافية مختلفة فإنها في نفس الوقت فرضت عليها مقدارا كميا محددا، نظرا لمحدودية الزوايا
والصفحات, واتخذت الصحافة القصة القصيرة بديلا عن الرواية، التي كانت تنشرها مسلسلة, لكنها حين رأت ان القارىء ليس بمقدوره المتابعة اليومية أو الاسبوعية
الدائمة، تحولت الى القصة القصيرة حيث وجدت فيها البديل الافضل، المناسب للصحيفة السيارة المقروءة في ذات اليوم,
وفي عالمنا العربي، يؤكد يحيى حقي في فجر القصة المصرية ان من اسباب تغلب القصة القصيرة على الرواية في مصر مع بداية القرن ان الجرائد اليومية كانت تمثل
الطريق الوحيد للنشر، اذ لم تبدأ مطابع كثيرة في نشر مجاميع قصصية قصيرة, كما ان الجرائد على حد تعبير حقي- تفضل نشر قصة كاملة مستوعبة الموضوع من ان تنشر
قصة مطولة, فالقصة الطويلة الرواية حين يتم نشرها على أجزاء عديدة، سيجد القارىء صعوبة في متابعتها، ناهيك عن انه التزام قد لا تستطيع الجريدة الوفاء به
بشكل منتظم, وظاهر نشر الروايات مجزأة لم تنته من الصحافة, ولعل القارىء الكريم لا يزال يذكر رواية ابراهيم شحبي التي كان ينشرها ملحق الجزيرة الثقافي
خلال الفترة الماضية، وكذلك رواية عبده خال عندما ترحل العصافير ، التي استمر نشر اجزائها لأسابيع عديدة في جريدة عكاظ، خلال العام الماضي, ولمعلومة
القارىء فإن هذه الرواية قد صدرت عن دار الساقي بلندن قبل اسابيع فقط، ولكن بعنوان مدن تأكل العشب ولعل التسمية الأخيرة تمثل رؤية الناشر,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved