الآن فقط أود أن أضحك كما لم أفعل من قبل,, ليس رغبة مني في التسلية وليس لأنني أعاني فراغاً من الوقت وليس لأنني أتابع إحدى المسرحيات الفكاهية الشهيرة
بدءاً بشكسبير وانتهاء بعادل إمام,,
لكنني أضحك من باب شر البلية ما يضحك,,!،
أضحك الآن كلما تذكرت تلك المحاضرات المطولة المكرسة لتهيئة أذهاننا إلى أبعد مدى ومن ثم حشوها بالتعليمات والأنظمة والأسس والقواعد الادارية,, أضحك الآن
إلى مالا نهاية كلما تذكرت ذلك الحماس لدخول كلية كنت أجهلها تماماً لأنها غالباً تمس عالم الرجال اكثرمن مما تمس عالم النساء,, هذا أولاً,, وثانياً كلما
تذكرت تلك الليالي الطويلة وخاصة الشتائية منها التي كنت أقضيها أمام المدفأة في قراءة كتاب مبادىء الادارة الثقيل السمج وأعرف الآن لماذا لم أكن أستوعب
كثيراً مما كان يحتويه,,ليس لصعوبته ولكن ربما كان لديَّ حدس يومها بأننا دول نامية تسعى إلى تطبيق أنظمة أشبه بالمستحيل أحياناً,,!!،
درسنا وتعلمنا,, وتأملنا طويلاً عبارات جميلة منمقة شبيهة بهذه العبارات,,!!،
التنظيم بمثابة النغم، فهو لا يتكون من مجرد الأصوات الفردية، ولكن من العلاقات التي تتم فيما بينها بمثل ما للصحة البدنية من أهمية للكائن الحي فان
للروح المعنوية قيمتها في المنظمة - وللمعلومية فالمنظمة هي موقع العمل أياً كان في القطاع الحكومي أو الخاص -
من غير المعقول أن نجادل بأن المشاعر لا ترتبط بالموقف وأنها تقف حجر عثرة في طريق العمل
حين كنا نناقش هذا الأمر,,تقول الاستاذة:
إننا نتعب في الدراسة الآن نحن طالبات اليوم,, الموظفات مستقبلاً كي نخرج بماهو أقرب إلى المثالية والمفترض! وليتها قالت في ذلك الحين: (اننا ندرس هذه
القواعد والمبادىء والنظريات كي نزداد قهراً حين نعلم فيما بعد أنها صعبة التنفيذ على ارض الواقع وخاصة في دولنا العربية النامية,,!،
كم حلمنا وكم أرهقنا أنفسنا ثم في النهاية وجدنا بأن المسافة شاسعة بين ما كان يسطر لنا على صفحات الكتب وبين ما هو موجود على الواقع فعلاً,
،***
سيقول البعض بأني متشائمة وسيقول البعض الآخر بأني أشطح كثيراً في افكاري,, وسيقول البعض بأني أعدُّ للثأر من حالة خاصة,, ولكم الحق في هذا التصور إلا
أنني بصدد الحديث عماهو أبعد من ذلك بكثير,,!،
تُعلمنا الكتب الجامعية بأن على الادارة أن تراقب عن كثب وتتابع جيداً تأثير الموظف القديم على الموظف المستجد حديثاً,, فذلك (القديم) لابد أن يكون لديه
شيء من الاحباط والأفكار السلبية عن العمل,, وربما يعتقد المتأمل للأمر ظاهرياً ان هذا الملل والإحباط يعودان إلى أسباب شخصية تخص الموظف ذاته,, ولكن
الحقيقة التي تبدو لذوي الخبرة الطويلة أن الموظف القديم يواجه بالكثير من العوامل التي قد تسبب له احباطاً وفقداناً للحماس والنشاط,, ومن امثلة ما يواجه
به:-
،- غياب الحوافز المادية والمعنوية,
،- عدم تشجيع الابتكار والابداع,
،- والأسوأ من جميع ما ذكرت ان يواجه بالنكران والجحود الذي يتمثل في صور متعددة أهمها وأصعبها التجميد فهل سمعتم بمثل هذه الكلمة؟!،
نظاماً وحسب نظام الخدمة المدنية هناك العقوبات التي لابد من تدرجها حسب مرتبة الموظف ومكانته وتتراوح هذه العقوبات ما بين الخصم ولفت النظر والانذار وكف
اليد,, وفي النهاية الفصل من الوظيفة,, وهذا الأخير لايحدث سوى بعد استنفاد كافة الوسائل لإصلاح الموظف,, ولكن الذي يحدث على ارض الواقع وما نراه هو
التجميد بشكل آخر,, ألا وهو تجميد الموظف بحيث لايؤدي عملاً وانما يصبح مجرد وجود شكلي,, يحدث هذا لبعض الموظفين في مراتب تتفاوت ما بين الدنيا إلى
العليا,, وقد يكون هذا التجميد أشبه بالعقوبة او شيء من هذا القبيل بمعنى ان يتقاضى الموظف راتبه بشكل روتيني، ويأتي ويذهب إلى عمله هكذا = دونما عمل -
وفي ذلك كما يرى الرئيس المباشر عقاب معنوي له يجعله في النهاية لا يحتمل، ثم يضطر إلى الانتقال الى عمل آخر أو الاستقالة,, وأحياناً يحدث هذا التجميد
لموظف لم يقترف ذنباً او يخطئ,, فقط لأنه اصبح عدداً زائداً وغالباً يكون ذلك بسبب تغييرما طرأ على تنظيم العمل وعندها يزاح هذا الموظف جانباً ريثما ينظر
في امره تماماً كما تزاح قطعة الأثاث والنتيجة ان يجد نفسه في وضع غريب فهو يستلم راتبه شهريا هكذا مجاناً ويشعر في قرارة نفسه بأنه يأخذ مالاً لا حق له
فيه (بلا انتاج) اضافة الى انه لا قيمة ولا أهمية له,,!،
وإليكم هذا المثال: منذ بضع سنوات قلائل فكر احد المسؤولين في افتتاح قسم نسائي في احد المرافق الحكومية وعيَّن إحدى الموظفات ذات الخبرة كمسؤولة عن
القسم، قام بذلك دونما دراسة موضوعية جادة والنتيجة أن الموظفة بقيت هكذا دونما عمل لمدة ثلاث سنوات كاملة,,!! حتى تداركتها رحمة رب العالمين وتم حل
مشكلتها من خلال طرف آخر,, هذه مجرد حكاية واحدة من حكايات كثيرة يميزها انها واقعية جداً وابطالها يدبون على الأرض ويعيشون بيننا,,,!،
أخيراً,, أقترح وأتمنى وذلك ليس على سبيل المزاح أن يقوم المسؤولون عن المناهج في كلية العلوم الادارية الآن باستحداث منهج جديد يدرسه الطلبة
والطالبات,, يختص هذا المنهج بالحديث عن التناقض والتفاوت الهائل المتوقع ما بين المبادىء والنظريات وما بين الواقع المعاش,, ولا أجد مسمى مناسباً لهذا
المنهج أفضل من أن يكون تحت عنوان الصدمة !!،
فوزية الجارالله