فسوف تجد البون شاسعاً بين لغة شاعر جاهلي مثل: النابغة الذبياني وبين اللغة التي يستخدمها احد الشعراء المعاصرين في بناء النص الشعري,
وفي اثناء قراءتي في ديوان النابغة توقفت عند مفردات كثيرة,, وأحسست بأنني في حاجة الى قاموس لغوي لاستظهار معانيها ومدلولاتها,,
وأتذكر انني اثناء قراءتي لأشعار وقصائد بعض ابرز الشعراء الجاهليين اتوقف عند قليل من المفردات التي لا افهم معناها، لأنها اصبحت غير متداولة,
وهذا يدل على ان للنابغة منهجاً خاصاً، ولغة خاصة ينفرد بها عن غيره من شعراء العصر الجاهلي,
كما اعتقد ان هذا هو السر الذي يكمن وراء تميز هذا الشاعر الى الحد الذي اهّله الى ان يكون من امراء الشعر في عصره، والى ان تنتقل سمعته بين القبائل، والى
ان تنصب له قبة في سوق عكاظ فيحتكم اليه الشعراء، ويقضي بينهم، ويكون حكمه في الموازنة بين اشعارهم دقيقاً وصائباً ومقبولاً,
لقد نشأ هذا الشاعر الفحل في منازل قومه ذبيان، وكانت منازلهم بين الحجاز وتيماء، ولم يكتشف موهبته الشعرية الا بعد ان اصبح كهلاً,, حيث رحل الى النعمان
بن المنذر ملك الحيرة وأصبح شاعره الخاص ونديمه المفضل، الى ان وشى به حساده لدى الملك واتهموه بزوجته المتجرَّدة فتوعّده,, فلم يجد بُدّاً من الهرب
والعودة الى ديار قومه,
ثم اتصل بالغساسنة في الشام، ثم لم يلبث ان عاد الى ملك الحيرة,, بعد ان اعتذر اليه ونفى ما اشاعه عنه خصومه لدى الملك، وبعد ان تشفع عنده ببعض اصحابه من
فزارة فقبل النعمان شفاعتهم فيه، وأعاده الى منزلته السابقة لديه,
واسمه: زياد بن عمرو بن معاوية,, وانما لقب بالنابغة، لأنه نبغ على قومه بالشعر بعد ان اصبح كهلاً كما سبقت الاشارة الى ذلك,
وسوف استشهد ببعض ابيات من قصيدتين لهذا الشاعر، وذلك لتأكيد خصوصية اللغة التي كان يستخدمها، ومدى اغراقها في الغرابة، واعتمادها على الحوشي من الالفاظ,
قد تكون تلك اللغة سهلة ومستساغة ومتداولة في تلك المرحلة المتقدمة من مراحل الشعر العربي,
ولذلك لا يضيرها اننا لا نفهمها -الآن- كما ان موت تلك اللغة، واختفاء تلك المفردات من قاموسنا المعاصر,, لا يسوغ لنا العودة الى احيائها من جديد, بل
يكتفى بأن تبقى في ركن التراث، وأن ينساق الشعراء مع تيار اللغة المتجدد- دائماً وأبداً,
- يقول النابغة من قصيدة يمدح فيها النعمان بن المنذر ويعتذر اليه عما بلغه عنه في امر زوجته المتجرِّدة ,