ابن زيدون ،،بين ولاّدة وأختها
في هذه الأيام كنت ضيفاً على الشاعر الأندلسي الشهير/ أبي الوليد أحمد بن زيدون،
أنام،، وأصحو على إيقاعاته التي تضج بالوجد والعشق والحنين، وكل مشاعر الوله والوفاء التي كان يحملها في وجدانه، ويبثها في قصائده الموجهة نحو عشيقته:
ولّادة بنت المستكفي، ونحو مدينته الجميلة: قرطبة،
أنام،، وأصحو على ذلك اللحن الخالد الذي أطلقه شاعرنا قبل أكثر من ألف سنة، ولا يزال تعزفه أنامل الدهر، وتطرب له آذان الأجيال المتعاقبة:
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا،، فما ابتلت جوانحنا
شوقاً اليكم، ولا جفت مآقينا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
أنام،، وأصحو على ذلك الموال الجميل الذي تغنى به الشاعر الكبير، ولا يزال يجري على ألسنة المبدعين والمتذوقين،، فيثير فينا لواعج العشق واللهفة، ودواعي
الامتزاج والتفاعل مع التطريب والفن الأصيل:
ودع الصبر محبٌّ ودعك
ذائع من سره،، ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن
زاد في تلك الخطا،، إذ شيعك
يا أخا البدر سناءً وسنا
حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي، فلكم
بت أشكو قصر الليل معك
لقد أصبحت في الآونة الأخيرة أعمد إلى ديوان أحد الشعراء البارزين، وأجلس إليه، وأستمع إلى إبداعاته واستمتع بألحانه التي تروق لي،، وأتجاوز عن تلك
الألحان النشاز التي لا يخلو منها ديوان شاعر،، مهما بلغت شهرته، ومهما علا مجده، وارتفع صيته،
وفي ديوان (ابن زيدون) الذي حققه وشرحه/ كرم البستاني، توقفت كثيراً وطربت أكثر مع قصائده ومقطوعاته وموشحاته في مجالي الغزل، ووصف الطبيعة،، بينما مررت
مروراً عابراً، وربما تجاوزت القصائد الخاصة بالمدح والرثاء والإخوانيات التي كان يوجهها للمعتضد، والمعتمد ابني عبّاد، ولابن جهور،وغيرهم،، نظراً إلى أن
حظها من الابداع ومن صدق العاطفة قليل، رغم كثرتها، واستيلائها على ثلثي ديوان الشاعر تقريباً،
،***
وفي هذه الأثناء التي كنت أقضيها في ضيافة الشاعر/ ابن زيدون،، طالعت نصاً جميلاً وحديثاً للشاعرة السعودية الدكتورة/ ثريا العريض (بنت ابراهيم) نشرته في
زاويتها بجريدة (الجزيرة) يوم الخميس 1419/3/8ه، عنوان النص: أخت ولادة، استوحته الشاعرة من قصة ابن زيدون ومعشوقته، ووظفت تلك القصة في كل مقاطعه،
والفارق بين الموقفين أن ابن زيدون كان هو المتحدث في القصة والنصوص القديمة،، بينما المتحدث في النص الحديث (أخت ولادة) التي تستحث ملهمها على أن يقول:
بيننا الآن منطلق للتواشيح
هل تستحي أن تبوح بأسرار وجدك؟
،، قل لي
لماذا إذا نثر الأقحوان جدائله،
واستوى فوق عرش الوجود،
تراجعت الكائنات إلى ذاتها،
واستعارت تواشيح من سافروا للبعيد؟
تقول الشاعرة: لماذا نعود إلى الماضي، ونستنجد بالسابقين، ونستعير أصواتهم، عندما نعايش مثل حالاتهم وتجاربهم؟!،
لماذا لا يكون لنا لساننا الخاص، ولغتنا الخاصة، وصوتنا الخاص بنا، وبالتالي نتحدث عن مواقفنا وتجاربنا،، مثلما تحدثوا هم عن تلك المواقف والتجارب بكل
تجرد؟
هل يمنعنا الحياء من البوح بأسرار وجدنا؟
ثم تستدعي الشاعرة الماضي المتمثل في: ابن زيدون،، ولادة،، عفراء،، زرقاء اليمامة، لكي تدفع ملهمها إلى عتبات البوح البريء بأسراره، كما فعل ابن زيدون مع
ولادة،
وفي ختام النص تقرر أنها هي التي سوف تقوم بالمهمة، مدفوعة بشجاعتها وجرأتها، واستلهامها لقصة ولادة وتقمصها لشخصيتها، لأنها أختها:
وفاجأني في التواشيح صوتي
فأشرعت كل المصاريع والشرفات المصونة
قلت:
غداً عندما تستبيح الرياح سكوني وأعصفُ سوف على نبضها استميح الوجود وجوداً جديداً،،
وأهمس كالأقحوان ببوحي: أنا أختها
أخت ولّادة الفخر والعزّ بيتي
عتيق،، عتيد،


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved