في فضاء الكلمة
حمد العسعوس
الشاعر
قال أبونا آدم عليه السلام بعد قتل قابيل لهابيل ابياتاً منها:
تغيرت البلادُ ومن عليها
فوجهُ الأرض مُغَبّر,, قبيحُ (بالضم)
وبُدِّل أهلها أثلاً وخمطاً
بجناتٍ من الفردوس فيحِ (بالكسر)
وقَتَّل (بتشديد التاء المنقوطة) قابل هابيلَ ظُلماً
فوا أسفا على الوجه المليحِ (بالكسر)
فما لي لا أجود بسكب دمعٍ
وهابيلٌ تَضَمَّنه الضريحُ (بالضم)
فعارضتهُ أمُّنا حواء بثلاثة أبيات تعزِّيه فيها، وتخفف من مصابه بفقد ولده تقول:
دع الشكوى,, فقد هلكا جميعاً
بموتٍ ليس باليمن الربيحِ
وما يُغني البكاء عن البواكي
إذا ما المرءُ غُيِّب في الضريحِ
فَبَكِّ النفسَ وانزل عن هواها
فلستَ مُخَلَّداً بعد الذبيحِ
ولأنه لا يوجد على ظهر البسيطة آنذاك سوى آدم,, وحواء عليهما السلام وإبليس الذي أخرجهما من الجنة,, فقد تطوَّع لعنه الله بالمشاركة في المصاب
الجلل بأبيات وجهها إلى أبينا قال فيها:
تنحَّ عن البلاد وساكنيها
ففي الجناتِ ضاق بك الفسيحُ
وكنت بها وزوجُك في رخاءٍ
وقلبك من أذى الدنيا مريحُ
فمازالت مكايدتي ومكري
إلى أن فاتك الثمن الربيحُ
،******
وردت هذه الأسطورة بين ثنايا مقالٍ طريف للباحث الدكتور محمود جبر الربداوي نشر على صفحات العدد (259) من مجلة (الفيصل) الصادر في غرة محرم 1419ه,
اطلعت عليه ورأيت ان يشاركني قراء الجزيرة متعة الخوض في هذه القضية الطريفة التي تتعلق ببدايات وينابيع الأشياء الموغلة في القدم والبحث عن البذور
الأولى للأجناس الأدبية وما نسجته خيالات بعض كتاب السير من (خزعبلات) وما دبجوه من حكايات وأساطير حول ذلك,
يقول الدكتور الربداوي: إن هذه الرواية طالعنا بها بعض المؤلفين بنقلهم عن رواةٍ يتمتعون بأسماء مرموقة انتهى-,
ولو صدقت الرواية على الافتراض فسوف نستنتج منها:
،1 أن حواء أقوى وأسلم شاعريةً من آدم,, لأن الأبيات المنسوبة إليها سلمت من العيوب التي تفشت في الأبيات المنسوبة لأبي البشرية وهي كما أشار الباحث :
الركاكة في المباني والمعاني,
الإقواء الشنيع الذي يتكرر في معظم الأبيات,
الضرورات الشعرية المبثوثة في الأبيات,
اللغة المضرية العدنانية التي صيغت بها,
وبالتالي فإن المرأة اقوى شاعرية من الرجل,
،2 أن اللغة العربية هي أقدم لغات العالم على الإطلاق، وأن إبليس أحد مستخدميها ومن أقدم شعرائها,,!!
ثم انتقل الدكتور الباحث من هذه الرواية (الاسطورة) الى الحديث عن قضية (انتحال الشعر)، وأشار الى أن هذه المقولة التي اخترعها من كانت حرفته سرد الأساطير
وإمتاع العامة بغرائب الاقاصيص، أولئك الذين سُمُّو بكتَّاب السير، تضعنا وجها لوجه أمام نظرية نادى بها المستشرقون في مطلع هذا القرن، وتابعهم بعض
الأدباء والمثقفين العرب، تسمى نظرية النحل انتهى ,
واعتقد أن الباحث يشير إلى قضية انتحال الشعر الجاهلي التي أثارها وتزعمها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وأثارت زوابع من الاعتراضات والمناقشات
والردود بينه وبين عدد من معاصريه في أنحاء الوطن العربي,
وقد أشار أيضا الى أن الأدباء فرغوا من الحديث عن هذه القضية في النصف الأول من القرن العشرين انتهى ,
وفي اعتقادي الشخصي ان ظاهرة انتحال الشعر واردة,, ليس في العصر الجاهلي فحسب,, بل انها موجودة وستظل باقية في كل العصور, يؤيد ذلك وجود مثل هذه الروايات
الملفقة والشعر المنحول الذي قال عنه الباحث: انه شعر مفتعل مصنوع لا يوقف عنده، صنعه مؤلفون لتزيين مروياتهم، ودعم آرائهم بشعر (ينطلي) على السذَّج ولكنه
لا يثبت للتمحيص والدراسة الجادة انتهى ,
وفي نظري لو ان الدكتور طه توقف عند هذا الحد لما اعترض عليه أحد,, ولكنه تجاوز ذلك الى نسف ديوان الشعر الجاهلي، والحكم عليه بانه منحول,, وبذلك فقد ألغى
أساسيات الشعر العربي ورموزه الأولى,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved