الشيخ محمد متولي الشعراوي، وتظل فاجعة مصر الشقيقة هي الأكبر، حيث خبت فيها اكثر شموع الفكر الاسلامي انارة خلال العامين الأخيرين الشيخ جاد الحق متولي
شيخ الازهر، الشيخ محمد الغزالي الاستاذ خالد محمد خالد، وها هو ذا الشعراوي يذوى جسداً ويبقى فينا فكراً وروحا، ونبراسا للهدى والحق,
كان الشعراوي مدرسة قائمة بذاتها في علم التفسير، كان يستأنس بالقرآن ويؤنس غيره به، فلا هو استاذ يلقي محاضرة ولا بالشيخ يعطي درسا فحسب وانما صديق حميم
يحدثك عن صديق حميم آخر، فمن كان غيره يجعل من دروس التفسير مجالس للأنس,
ولكن )إنك ميت وإنهم ميتون(، وليس هو على الله بعزيز، فلسنا نعزي فيك أحداً أكثر من أنفسنا, ولنا الله بعدك يا شعراوي، وعزاؤنا فيك هذا الارث الضخم الذي
خلفت، وهذا العلم الغزير الذي كم سبيلاً به انرت، وهذه الحكمة والموعظة الحسنة التي كم ضالاً بها هديت، وإنا على فراقك يا شعراوي لمحزونون ولكننا لا نقول
إلا ما يرضي الرب فلا حول ولا قوة إلا بالله,
وللشيخ الجليل معي قصة أوردتها في ديواني (على ربى اليمامة) حيث كنت تلميذاً في سنتي الاولى من كلية الشريعة وفي درس الانشاء طلب منا الاستاذ الشيخ
الشعراوي الكتابة حول معنى بيت شوقي القائل:
ولا خير في الدنيا ولا في حقوقها
إذا قيل طلاب الحقوق بغاة
وذلك عندما اشتدت وطأة الانجليز على مصر، ايام الاحتلال فأردت الاجابة شعرا، فكتبت على زنة البيت وقافيته:
أمالك يا ركب الحياة هداة
وقد ضلَّ في الليل البهيم سراة
وجُنَّ جنون السفر واستأثرت به
على غير هدي المقسطين غواة
يقودونه نحو النجاة خديعة
وليس مع البغي الصراح نجاة
سوى ما يرجيه المهيضُ بمهمه
له النسر إلف والذئاب اساة
فيا لك من ركب يغذ مسيره
وغاية إدلاج المسير شتات
تنازع أيدي الآثمين قياده
وصدَّته عن نهج الهدى شهوات
وقامت شرور واستجيبت مطامع
وسِيمت شعوب واستبدَّ ولاة
وثارت لإخضاع الانام زعانفٌ
تنادي بأنَّا للسلام دعاة
وأي سلام يدَّعيه معاشر
غواة لإسعار الحروب اداة
بلى قد اعدُّوا للسلام قوارعاً
تهون لأدنى فتكها النكبات
ليبنوا على انقاضه جاهلية
لها الجور حكم والأسود قضاة
فليسوا ولاة النيل ما دام جارياً
وما دام في ذاك الجناب أباة
حرام على ابن النيل برد شرابه
وأنسام ذلك الموطن العطرات
وتأباه في بطن الرموس ابوّة
وتنكره غاداته الخفرات
وما مصر بدعاً من شعوب تجرعت
ظُلامة عادٍ بل لها اخوات
فما عزبت عنا فلسطين اذ قضت
وابّنها تحت الرغام نعاة
وظل يذيب القلب طارق ذكرها
واشلاء شذاذٍ هناك عراة
وإذ قيل للمظلوم إنك ظالم
وقيل بأن المهتدين عصاة
وأفعمت الدنيا بجور وغلظة
ولم يبق للحق المبين رعاة
(فلا خير في الدنيا ولا في حقوقها
إذا قيل طلاب الحقوق بغاة)
وبعد ان اطلع عليها الاستاذ العالم العلامة محمد متولي الشعراوي استاذ الدرس نفحها بعبارات اطراء وتقدير وذيل تحتها العشرة الابيات الآتية:
وما قولهم هذا بضائر فتيةٍ
توقد في أرواحهم جمرات
لهم أن يقولوا ما ارادوا وردُّنا
اذا ما حذقناه لهم حسرات
وللحق لفظ كل معناه قوة
فان لم نجوِّدها فنحن موات
ولو أننا صنا معاني حقنا
لما كان للحق العظيم فوات
عفا الله عن أسلافنا وبنى بنا
رسوما لها في قلبنا وخزات
وليس لهذا المجد رجعى بنوَّم
مدى جهدهم في نصره عبرات
وما كان أولى ان يقول أميرنا
- عفا الله عنه - كم له حسنات:
(ولا خير في الدنيا ولا في حقوقها
(إذا لم يكن الا الشكاة اداة)
ارجِّيك عبد الله باذر غيرة
لها من قوافيك الحسان بنات
ومثلك يرجى ان ذلك أول
وفيه لمرجو النبوغ نواة
وهكذا كان الشعراوي متفرداً في اسلوبه متفرداً في تفسيره متفردا في شعره,
له الرحمة ولنا ولكم حسن العزاء,,
و(إنا لله وإنا إليه راجعون),