تلك اللغة قد يمتلكها شاعر عامي,, في حين لا يمتلكها شاعر فصيح، وقد يمتلكها شاعر أجنبي,, بينما لا يمتلكها شاعر عربي,, وقد يحدث العكس,
فالشاهد في الأمر أن من يمتلك ناصية تلك اللغة، ومن يجيد السباحة في تيارها، والعزف على أوتارها,, سوف يكون شاعراً,, مهما كانت اللغة، ومهما كان الشكل أو القالب الذي يصبُّ فيه نصوصه,
ومن لا يمتلك ناصية تلك اللغة فلن يكون شاعراً يعتذُ به,, مهما أجاد لعبة النظم,, وسواء كتب نصوصه بلغة امرئ القيس أو حميدان الشويعر أو أدونيس,,!!
تلك اللغة الخاصة تشترك في صناعتها عدة عوامل منها: المفردة الشعرية,, والصورة البلاغية,, وفكرة القصيدة,, والمضامين غير المطروقة، وقبل ذلك وبعده، قدرة الشاعر على توظيف هذه العوامل ودوزنتها داخل النص أو استخدامها في بنائه, ومن ثم قدرته على تفريغ شحناته العاطفية وانفعالاته في تلك القوالب اللغوية,،, بشكل متوازن يحافظ على جمال الشكل والمضمون,
هذه العملية المعقدة يمارسها الشاعر أثناء كتابة القصيدة بكثير من العفوية والتلقائية، وبشيء من الغياب أو الشرود الذي يشبه الحلم,, حتى إذا ما انتهى من كتابة النص قد يتساءل في داخله كيف استطاع التوصل إلى كتابته بهذا الشكل الذي لا يستطيع أن يكتب مثله في كل الأوقات؟!
وهذا يقودنا إلى الحديث عن اللحظات التي تحضر فيها القصيدة,, وتلح على الشاعر,, وتجعله يلجأ إلى أوراقه,,وإلى ممارسة الطقوس الخاصة بكتابتها,
فقد يمرُّ على الشاعر أيام,, وربما أشهر دون أن يستطيع كتابة أو إنتاج قصيدة أو مقطع من قصيدة,, لأن اللحظة الشعرية غير خاضعة للتوقيت أو التقنين,, إنها لحظة خارجة عن إطار الزمن,,!
وقد تمر تلك اللحظة ولا يهتبلُها الشاعر فتضيع عليه,, وقد يؤجلها ثم يطلبها في وقت لا حق فلا تستجيب لطلبه,,!
وأمامي الآن نص آخر مما نسميه الشعر الشعبي الحديث أسوقه كشاهد جديد على أن للشعر لغة متفردة لا تشبه أية لغة أخرى في العالم,
هذا النص قرأته على صفحات مجلة إقرأ العدد 1150 الصادر يوم 22/10/1418ه,
النص بعنوان سارة وهو للشاعر/ عبدالمجيد الزهراني,
يقول عبدالمجيد في النص,, أو يقول النص عن عبدالمجيد:
آه,,ن يا سارة
وثوب الحزن شققني,, وراح
كنتِ أكثر من يقول:
إن باب الذنب مفتاح السماح
,, وإن كان يبدو لي أن في هذا المقطع كثبراً من الخصوصية التي أراد أن يسجلها الشاعر مستخدماً الرمز إلى معنى أو موقف يحرص على أن يكون سراً بينه وبين ملهمته,
ثم يقول في المقطع الذي يليه:
آه,, يا سارة
ها,, وجهك يرتسم في كل شيء
في عصا البواب
في الحارة
في التفاتات البزارين الصغار
في النقوش اللي على باب العمارة,
,, ويبدو لي ايضاً أن هناك علاقةً ما بين عصا البواب في هذا المقطع وبين باب الذنب في المقطع الذي قبله,
وكم كان جميلاً حين تلاعب باللفظ في المقطع التالي:
والله,, أدري ما اتسع صدري لصدري
ووالله أدري,, أني أدري
وأدري أني,, كلما ادري,, اني ادري
صرت ما أدري
,, ولعل أجمل مقاطع النص على الاطلاق هذا المقطع الذي يقول:
يا الحبيبة: اسندي صوتي
تعبت اسند على شوفي نهار
واحمليني في رفوف يديك
لو بعض الغبار,, واذكري:
كم مرة قدام بيتك كنت أقول:
آه,, يا قصري وياطول الجدار,