وقد نويت تذييل المقالة الاخيرة باشارة الى هذا الكتاب غير اني وجدته جديرا بأن توقف عليه مقالة لشرف موضوعه من ناحية ولأنه يعالج حاجة ملحة من ناحية أخرى ذلك انه لايمكن لعلماء اي امة الابداع في اي ميدان ما لم تكن محاولاتهم ومعالجاتهم بلغتهم الام,
ولا يمكن للمتلقي، بخاصة الطلاب ادراكا ما يلقى عليهم ادراكا كافيا مالم يكن بلغتهم الام، وهذا ما أشار إليه ايضا الدكتور زغلول النجار في مقدمته التي صدر به الكتاب وذلك بقوله: لان الانسان لايمكن له ان يبدع بغير لغته الام التي نطق اول ما نطق بها، ونشأ منذ حداثته عليها، مستمعا إليها ومتحدثا بها حتى تترسخ في ذاكرته ووجدانه وعقله، وحتى يتكون لديه احساس عميق بها وشعور مرهف لها، وهذا لايتنافي ابداً مع تعلمه لعدد من اللغات الاخرى التي قد يحتاجها في حياته العملية او في اطلاعه على انتاج غيره من اصحاب اللغات المغايرة وهذا قول واقعي صائب ليس في مقدور احد انكاره وشاهده أن المجتمعات في العالم كله لا تتدرس الطب ولا سواه إلا بلغاتها الام فما الذي خص الامة العربية بهذا العجز مع كون لغتها اشرف اللغات ولديها القدرة الكاملة على القيام بواجبات العلم ايا كان في اي زمان ومكان,
ومما اشار إليه الدكتور النجار ان الطالب العربي مهما بلغ حذقه, لغير لغته فإنه لن يستطيع بأي حال الالمام بها كأهلها, وهذا يوجد نقصا ظاهرا عندهم حينما يمارسون التعليم بغير لغتهم, وقد بسط الدكتور النجار القول في هذه القضية وما اضافه امر واقع لاجدال فيه وهو ان من يدرس بغير لغته يفضي به ذلك الى الانفصال عن مجتمعه حتى يصبح غريبا فيه ومن قوله: والادهى من ذلك والامر ان المتخصصين الذين ينهمكون في التدريس والبحث والتأليف والنشر بلغات اجنبية ينعزلون تدريجيا عن مجتمعاتهم حتى يصبحوا غرباء بين اهليهم وعشائرهم، على غير قصد او تخطيط منهم مما يؤدي الى تفكيك روابط المجتمعات الانسانية وحجبها عن اصحاب الفكر والرأي فيها حتى يتم تحللها!! وهكذا تتأكد العزلة عزلة المتخصص عن اقرانه في التخصصات الاخرى من بني جنسه وعزلته عن مجتمعه وعزله المجتمع عن المتخصصين فيه، وهذا مما يؤدي الى تخلف البشرية عن ركب التقدم العلمي والتقني المتسارع الخطى والوثبات في ايامنا هذه وهو وضع لاتحسد عليه امة من الامم وهو وضع امتنا العربية اليوم,
وفي هذه المقدمة من النصح والتوجيه والارشاد والتحذير من النتائج الوخيمة للاستمرار في التعليم بغير العربية ما يبين بوضوح وجوب التنبه لهذا الخطر والاسراع بتلافيه من طريق الصيرورة الى التعليم بالعربية,
وفيها ايضا عرض موجز لما اشتمل عليه هذا الكتاب الذي يعد دليلا قاطعا على خطأ الذين يدعون افضلية التعليم بالانجليزية, وفي التمهيد عجب الدكتور السباعي من اجماع عمداء الطب وابرز الاطباء في المؤتمرات على وجوب تعريب الطب قبل نهاية هذا القرن الميلادي ثم لم يكن لهذا الاجماع ادنى صدى,
وفي الفصل الاول: تحدث المؤلف عن علة تعليمنا بغير العربية وقد صدر هذا الفصل بقوله توجد في العالم العربي نحو تسعين كلية طب منها,
78 كلية تدرس باللغة الانجليزية، 6 كليات تدرس باللغة الفرنسية، 5 كليات تدرس باللغة العربية، 1 كلية تدرس باللغة الايطالية,
واذا ما نظرنا الى دول اوروبية مثل المانيا وهولندا وفلندا والسويد والدانمرك والنرويج ودول آسيوية مثل اليابان فاننا نجد كلا منها يدرس الطب بلغتها، مع انها مجتمعة لا يبلغ تعدادها تعداد الامة العربية، حتى الكيان الصهيوني الذي لا يزيد عدد سكانه عن اربعة ملايين ونصف المليون نسمعه، تمكن من احياء العبرية من موات اصبح يدرس كل المعارف بها بما في ذلك الطب الذي لا يقل مستواه فيها عن مستواه في دول اوروبا وامريكا الشمالية، والواقع ان تدريس الطب في بلادنا العربية بلغات اجنبية هو هزيمة نفسية اولا وقبل كل شيء خاصة اذا علمنا ان طالب الطب في الغالب لا يملك ان يكتب صفحة واحدة باللغة الانجليزية دون ان يرتكب فيها عشرة اخطاء على الاقل, كما نجده يتجنب الحوار والمناقشة لضعف لغته ذلك لأنه يدرس بلغة انجليزية ضعيفة وبعد عرض تاريخي لتعليم الطب قرر ان الاطباء السوريين الذين درسوا الطب بالعربية قد اثبتوا نجاحهم وجدارتهم في الامتحانات التي تعقد للاطباء في الولايات المتحدة مع كون الامتحان يجرى بالانجليزية ويعد الفصل الثاني تجربتي في تعليم الطب باللغة العربية اهم فصول هذا الكتاب لكونه حديثا عن عمل تطبيقي مارسه الدكتور السباعي وخرج منه بنتيجة لم تكن في حقيقتها غير متوقعة ولكنها تبرز تخاذل الآخرين الذين تهيبوا الميدان او لم يريدوا طرقه لاسباب ذاتية لاعلاقة لها باللغة ولا بالعلم نفسه واول حديث لصديقنا الدكتور السباعي في هذا الفصل يشير الى شيء من هذه الذاتية وفيه اعتراف صريح كان السبب في اخذ الدكتور السباعي بالاتجاه السليم في لغة التعليم ذلك في قوله كنت لا احفل بقضية تعليم الطب باللغة العربية ولا أهتم بها لعدة سنوات مضت بعد عودتي من دراستي العليا في امريكا بل كنت أنظر الى قضية استخدام اللغة العربية في مجال الطب بشيء من التعالي وأذكر ان حديثي انذاك كان هجينا من العربية والانجليزية حتى في مجالسي الخاصة ، وكأني كنت أفاخر بأني املك ان اتحدث بلغة اجنبية,
وذات يوم كنت اقف على باب فندق في مدينة الخبر فسمعت شخصين عربيين يتجاذبان اطراف الحديث يخبر احدهما رفيقه بانه ذاهب لزيارة صديق ثم الى السوق ثم الى موعد آخر استغرق الحديث دقيقتين وكان نطقه بالانجليزية واستغربت لماذا؟ وما الداعي لتلك الرطانة اللهم الا التفاخر والتظاهر، لحسن الحظ تذكرت ساعتئذ اني لست بعيدا في سلوكي الشخصي عن هذا الذي يفعلانه، وعدت الى نفسي اراجعها وأسائلها واتضح لي اني ايضا اتكلف في حديثي واتفاخر برطانتي وبعد ايضاح اسلوبه في تعليم الطب باللغة العربية وما سبقه من ممهدات انتقل الى الحديث عن كتابة الاطروحات العلمية بالانجليزية وكيف انه وبعض من زملائه قد نجحوا في اقناع الجامعة والطلبة بكتابة الرسائل باللغة العربية لينتقل بعد ذلك الى الحديث عن المؤتمرات والندوات,
وخطأ استعمال غير العربية فيها على ان من اهم النقاط التي اثراها في هذا الموضوع هو مسألة عقدة الاجنبي وفي الواقع ان هذه هي الاساس الخاطئه في كثير من جوانب حياتنا ومنها التعليم بغير العربية والمحادثة وأخطاء كثيرة منطلقها عقدة الاجنبي التي يسميها المصريون عندهم عقدة الخواجات وكان ذلك في حديثه عن مؤتمر عقد في جدة عن امراض الحج وضربة الشمس وكان من المحاضرين اجنبيان لم يتحدثا الا عن الحرارة في المصانع ومن قوله في هذا الحديث وتساءلت يومها عن جدوى استقطاب الخبراء من الخارج وفي ذلك مافيه من تكلفة مادية اذا كانت بلادنا ترزخر بهمم مواطنين ومتعاقدين، لا أنكر ان بعضهم ذوخبرة ولكننا غالبا ما نسرف على انفسنا ونتكلف شططا والامر لا يعدو في حقيقته ان عقدة الاجنبي هي التي تجعلنا ننتهج لغة اجنبية في تعليمنا ونستقطب الاجانب ليحاضرونا في قضايا نحن ادرى بها، بيد أن هذا موضوع آخر قد نعود اليه في موطن آخر , يومها آليت على نفسي الا اشارك في مؤتمر في بلد عربي الا والقي كلمتي باللغة العربية على ان اعد الشرائح باللغة الانجليزية اذا وجد من الحضور من لا يحسنون العربية وحجتي في ذلك هي:
1 - ان الغالبية العظمى من المشاركين في المؤتمرات والندوات في بلادنا عرب,
2 - ان من واجبنا ان نثبت عمليا قدرة اللغة العربية على التعبير,
3 - اننا اذا ذهبنا الى دول في امريكا الشمالية او اوروبا الغربية نحرص على ان نتعلم لغاتهم منذ اللحظة التي نطأ فيها ارضهم وهم لا يقابلوننا بالمثل وحديثه في هذا جيد لو لا انه قال امراض الحج فالحج ليست له امراض وانما هي امراض تفد مع الحجاج خلال ما قد يحدث بسبب ضربة الشمس واذا كان السباعي قد كرر الشكوى من عقدة الاجنبي في حديثه عن المجلس العربي للاختصاصات الطبية والمجالس الاخرى المتصلة بالعلوم التي تدرس باللغة الانجليزية واذا كان السباعي قد كرر هذه الشكوى في هذا الموضوع فما ذاك الا انه احس وامثاله من ضيق بهذه العقدة,
وفي الفصل الثالث: تحدث الاستاذ الدكتور عن سرعة القراءة باللغتين ومدى الاستيعاب فيهما ولما لم يكن هناك تجارب سابقة فقد اجرى التجربة بنفسه يعاونه طبيبان احدهما عربي والثاني غير عربي فكانت النتيجة في القراءة عدد المشاركين كانوا 124 ، ومتوسط سرعة قراءتهم باللغة العربية 109,8 كلمة في الدقيقة وباللغة الانجليزية 76,7 كلمة في الدقيقة، اي بفارق 33,1 كلمة في الدقيقة لصالح اللغة العربية ، اي ان سرعة القراءة باللغة العربية تزيد 43% عن سرعة القراءة باللغة الانجليزية الفوارق بين القراءتين العربية والانجليزية كلها فوارق احصائية ح، ,001 اي انها فوارق حقيقية وليست نتيجة للمصادفة وفي الاستيعاب 120 فردا شاركوا في الامتحان ، وان مدى استيعابهم للنص باللغة العربية افضل ب، 7,5 درجة عن استيعابهم للنص باللغة الانجليزية أي بزيادة 15% والفوارق كلها احصائية اي انها حقيقية ,
ثم ذكر نتائج اخرى لامتحانات اجريت في الجامعة الامريكية ببيروت والجامعة الاردنية وجامعة الزقازيق وكلها مؤدية لما ذهب اليه، وذكر ان الطلبة في كلية الطب بجامعة الملك فيصل اجابوا بأنهم لو قرءوا باللغة العربية لوفروا 50% او اكثر من الوقت وعن المصطلحات الطبية غير الشائعة في الكلام مثل الفيروس ، والطحال والبكتريا وتليف الكبد,
إذ هذه المصطلحات لا تكون في الاحصاء الاستطلاعي الذي اجراه المؤلف سوى ثلاثة في المائة وثلاثة من عشر3,3% مما اكد ان هذه النسبة لا تفرض لي الألسن باللغة الاجنبية,
اما الفصل الرابع، فقد وقفه المؤلف على خطة عمل مبدئية لتعريب الطب وفي بدايته حديثه عن هذه الخطة وضع لها عناصر اربعة اساسية هي,
1 - تحديد الأهداف والوسائل,
2 - التنسيق بين الجامعات,
3 - توفير المواد التعليمية,
4 - اعداد اعضاء هيئة التدريس,
ثم اخذ في بسطها على نحو يجلي الطريق الى المهمة سهلا ميسرا والواقع ان الانسان كلما تذكر هذا الوضع وراجع اسبابه وملابسته فرضه على مناهج التعليم في البلاد العربية عجب من اولئك الذين يصرون على ما يسهم في محاربة لغتهم وتخريب علاقاتهم الاجتماعية واضعاف مهمتهم في هذا الميدان اعني مهنة الطب بوجه عام لا في التدريس وحده بل في كل ميدان جلا واقعه هذا للاستاذ الدكتور زهير السباعي أثابه الله,