تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل
أد: عبدالله عبدالرحيم عسيلان
أ د: محمد بن سعد بن حسين
عندما يكون العمل العلمي ثمرة خبره طويلة وممارسة طويلة متكررة تكون جداوه اكبر وفائدته اكثر واطمئنان الباحث الى ما يرد فيه آت من منطلق ثقته بتلك الخبرة والممارسة التي مر بها صاحب العمل فنزع في عمله عنها لا لكونه أتى في هذا العمل بجديد انفرد به كله ولكن لان ما قدمه من جديد كان ثمرة لاطلاع واسع ومتابعة لاعمال المحققين المحسنين وغير المحسنين والاستاذ الزميل الدكتور عبدالله العسيلان من الرجال الذين طالت صحبتهم للكتاب تحقيقا وتأليفا واقتناء، ومن هنا تأتي أهمية كتابه هذا تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الامثل، الذي نشره في عام 1415ه في 343 صفحة من القطع المتوسط
افتتحت بمقدمة طويلة وقف فيها مع اعمال من سبقه وقفات اراد منها بيان أهمية عمله وانه فيه نجا مما وقع فيه سابقوه وهذه المؤلفات هي: أصول نقد النصوص للمستشرق برجستراسر، تحقيق النصوص ونشرها - لعبدالسلام محمد هارون، قواعد تحقيق المخطوطات - لصلاح الدين المنجد، تحقيق التراث العربي منهجه وتطوره - لعبدالمجيد دياب، مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين - لرمضان عبدالتواب، محاضرات في تحقيق النصوص - لاحمد محمد الخراط
وممااراد به تعزيز موقفه - وما احسبه كان في حاجة الى ذلك - ذكره ما وقع فيه كثيرون من المحققين وذلك في قوله: على ان كثيرا مما خرج في عصرنا من هذا التراث على انه محقق يحتاج الى وقفة تقويم وتصحيح، واعادة نظر لما يعتور جهود المحققين له من قصور واضح في الالتزام بالنهج الامثل للتحقيق ولا سيما في الاونة الاخيرة حيث أسند الامر الى غير أهله وأعطيت القوس لغير باريها وتجرأ على الغوص في مضمار السباق كل مدع وجاهل بما يتطلب المقام من قدرة، واستعداد، وتمرس، ودراية
ويتجلى من خلال ذلك الاختلاف الشديد والظاهر في أساليب التحقيق ونهجه فمنهم من يلتزم بالقراءة الصحيحة للكتاب مع شيء من التعليقات التي تدعو إليها الضرورة توضيحاً وتوثيقا لنص الكتاب وتقريبا له من القراء والمستفيدين، ومنهم من يهمل اهمالا واضحا في القراءة الصحيحة، ويثقل الحواشي بفروق النسخ والتعليقات المستفيضة بداع وبدون داع، مما يؤدي الى تضخم حجم الكتاب بما لا تدعو الحاجة اليه من جهة والى تفشي الأخطاء والتصحيفات والتحريفات من جهة اخرى ومنهم من يقتصر على ذكر فروق النسخ مع ما يعتورها من الاخطاء، ولا نجد عنده شيئا سوى ذلك، ومنهم من يتصرف في صلب الكتاب ونصه زيادة ونقصا وتصحيحا دون الاخذ في الحسبان قيمة النسخة واهميتها، وكونها نسخة المؤلف، او الانطلاق في ذلك من اساس علمي صحيح ومنهم من يقصر التصرف في ذلك على هوامش التحقيق ومنهم من يحقق الكتاب على نسخة واحدة، مع وجود نسخ اخرى او يستوفي النسخ اللازمة او يقصر في ذلك فلا يتحرى اختيار النسخ النفيسة والقيمة، بل يكتفي بما هو في متناول يده من نسخ سقيمة وحديثة مع وجود النسخ العالية، ومنهم من يعني بالفهارس المتنوعة بينما يقصر فيها اخرون تقصيراً واضحاً ان لم تهمل اهمالا تاما، ومنهم من لا نجد عنده شيئا من مظاهر التحقيق، أو يسطو على جهود الاخرين، ومع ذلك يتجرأ فيكتب على غلاف الكتاب عبارة تحقيق فلان ادعاء وتبجحا
على ان مثل هذاالحديث قد يعد بيانا لسبب التأليف الذي اراد به تقويم الواقع وسلكه في السبيل الامثل وذلك مااشار إليه بقوله: ولكي نقوم هذا الواقع بما فيه من سلبيات وايجابيات تقويما صحيحا سليما لابد لنا من أمرين:
الاول: دراسة هذا الواقع وتصوير ما فيه من سلبيات تحتاج الى علاج
الثاني: بيان النهج الامثل لعلاج ذلك الواقع وتلافي ما فيه من سلبيات بوضع الاسس والتصورات الايجابية الكفيلة بذلك ويتكون هذاالكتاب من قسمين:
اولهما: واقع التحقيق
وثانيهما: النهج الامثل للتحقيق
: سبقهما بتمهيد ذي فقر أربع هي
،1 رحلتي مع المخطوطات
،2 تراثنا المخطوط آفاقه وأهميته
،3 التحقيق في اللغه والاصطلاح
،4 من صفات المحقق
وهذا يعني انه لم يصغها داخل عنوان واحد يجمعها حتى ولو كان عاما ككلمة تمهيد او توطئة او نحوها واهم ما في هذا التمهيد الجزئية الرابعة حيث تحدث : فيها عن صفات المحقق التي من اهمها
،1 الاحساس بقيمة التراث العلمي والفكري احساسا ينبع من الايمان العميق بدوره الفعال في بناء حضارة الامة عن طريق احياء تراثها
،2 الحب والتعلق بتراثنا المخطوط، ومعايشته وتوثيق الصلة به على نطاق واسع قراءة ودراسة وخبرة
،3 الخبرة والتمرس بتحقيق المخطوطات، والدراسة الواسعة بأصول تحقيقها ومعرفة أصولها وما كتبت به من خطوط متنوعة
،4 ان يكون المحقق على علم ودراية بموضوع الكتاب، فاذا كان الكتاب في الحديث فلابد ان يكون للمحقق المام ودراية بهذا العلم، وكذلك الشأن اذا كان في التفسير، أو اللغة، أو الادب، وسائر العلوم
،5 الامانة العلمية التي تقتضي تحرير النص وتصحيحه، والاجتهاد في اخراجه على الصورة التي تمت به على يد مؤلفه دون اي تصرف أو تقويم بنقص أو زيادة دون أساس علمي مكين يعتمد على أصول التحقيق المعتمدة عند شيوخ هذاالعلم وأساطينه
،6 الالمام الواسع باللغة العربية وأساليبها ومفرداتها وسائر علومها
،7 التذرع بالصبر والاناة لان المحقق كثيرا ما تواجهه مشكلات وصعوبات قد تتطلب وقفات طويلة ومتأنية للوصول الى علاجها الصحيح عن علم ويقين وبعد طول بحث وتقص، بعيدا عن النظرة العجلى التي تأخذ بأقرب ما يتبادر الى الذهن دون اعمال الفكر وتدقيق النظر، وتقليب الامر على جميع وجوهه المحتملة بغية الوصول الى وجه الصواب
،8 سعة الاطلاع على كتب التراث ومصادره في مختلف جوانب العلم والمعرفة ومعرفة مناهج المؤلفين وتوجهاتهم العملية، وطرق البحث في مصنفاتهم حول شتى العلوم ويبدأ القسم الاول في ص 47 وهو: واقع التحقيق
وأوله:- عرض عام للواقعوفيه تحدث عن اولئك الذين يغشون ميدان التحقيق وهم عزل من سلاحه وهو حديث سبقت فيه اشارات في المقدمة، ولكنه موضوع مهم جدا لكونه يعالج مشكلة أفسدت الامر على كثيرين من العلماء لكون الكتاب اذا نشر وعليه كلمة تحقيق ارخى ذلك من عزيمة المحققين وبخاصة في الاقسام العلمية في الجامعات التي تشرط الا يكون الكتاب محققا سلفا وكان عليهم ان يقيدوا هذا الشرط بكلمة من قبل المحققين العارفينواكثر ما جنى على كتب التراث عمل ذوي الاهداف التجارية وهو ما نبه عليه المؤلف اثابه الله في هذا القسم الذي فصل فيه الحديث عن جوانب السلب التي ظهرت في الكتب المحققة تحقيقا غير جار على الاساليب الصحيحة للتحقيق
اما القسم الثاني:- النهج الامثل للتحقيق فقد بدأ في ص 117 وفي هذا القسم قدم ما يشبه الضوابط - أو هي كذلك - للتحقيق ملما بجميع الجوانب التي ليس للمحقق بد من الالمام بها الماما جيدا
وقد يرى بعض القارئين ان في تطبيق هذه الضوابط ما يثبط الهمم ويوهن العزائم امام التحقيق والهمم التي تهن امام هذه الضوابط والعزائم التي تصاب بالخور امامها الأولى الا تتاح لها فرصة التحقيق ولئن ينشر الكتاب بدون تحقيق جيد افضل بكثير من ان ينشر بتحقيق فاسد أو واهن كتلك الجهود التي تحدث عنها المؤلف مبينا ماوقعت فيه من اخطاء وآخر مبحث في هذا الكتاب هو الحديث عن الفهارس التي يصنعها المحقق للكتاب المحقق
واحسب هذا الكتاب سيكون ذا اثر طيب فيما يحقق من كتب التراث مستقبلا لان من يقرؤه لابد من ان يأخذ بما ورد فيه لكي يسلم من الوقوع في الاخطاء التي وقع فيها الآخرون
لكن هنا سؤال أحسبه مهما جدا وهو هل يقرأ المحققون ما يكتب حول التحقيق وادواته ونظمه وهل يحرصون على الاطلاع على كل ما دون في هذا أظن ان الذين يفعلون مثل هذا قلة وأكثر ماتجدهم في الجامعات


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved