الجنوبيون! 1-3 أحمد الدويحي
|
(من أقاصي الجنوب آتي عاملاً للبناء
كان يصعد (سقالة) ويغني لهذا الفضاء
كنت أجلس خارج مقهى قريب
وبالأعين الشاردة..
كنت أقرأ نصف الصحيفة
والنصف أخفي به وسخ المائدة
لم أجد غير عينين لا تبصران
وخيط الدماء
وأنحيت عليه..
أجس يده
قال آخر: لا فائدة
صار نصف الصحيفة كل الغطاء
وأنا.. في العراء..)
نقرأ من ناحية أخرى وجوهاً، ربطت التوأمة الحياتية والأدبية والفنية أواصرها بينهما، فالصديقان / علي الدميني/ وعبدالعزيز مشري يلتقيان إلى حدٍ كبيرٍ مع ما يوازي في الحياة الثقافية العربية، التشابه مع حياة وسيرة الثنائي الأدبي الشاعر/ أمل دنقل والروائي/ يحيى الطاهر عبدالله، وإذ يكشف جزءاً من المشهد أمل في رثائه لصديقه يحيى الطاهر عبدالله، ومعرفته عند قراءة الأرض الرمز، لنفهم الدلالة في كيفية موت يحيى الطاهر عبدالله في حادث مشهود، حينما كان برفقة مستشرقة في طريقه إلى قريته في محافظة (قنا) جنوب مصر وهاجس موته، وقبل أن نلج في فهم سماتٍ أخرى، يمكن رؤية هذا العالم في قراءة نتاج عبدالعزيز مشري، فما يغري بالتأمل هنا قراءة شهادة أول الأصدقاء، وابن قريته الجنوبية (محضرة)، الشاعر المبدع علي الدميني، إذ يقول عن مرحلة التشكل:
(خلقت هذه التحولات آثارها الذرية على القرية، حيث بقيت خارج العصر في مراحل التغيرات الأولى، مما جعلها تعيش في فراغ راكد - وهذا ما حدا بعبد العزيز لإرسال رسالة إلي في أوائل عام 75م من قريتنا المشتركة محضرة، يشكو فيها عطالة الحياة وجفاف ينابيعها هناك، ويستصرخني في البحث له عن عمل في جريدة اليوم، وقد تم ذلك بمساعدة الأصدقاء في بداية سنوات الطفرة التي شهدتها بلادنا حيث عمل بوظيفة محرر متعاون براتب لا يتجاوز الثلاثمائة ريال..
وهكذا بدأت أولى المفارقات النفسية والوجودية في حياته بمواجهة صدمة الاغتراب، والافتقار إلى دفء المحيط الاجتماعي والقروي، كان عليه أن يستكمل عدة الكاتب بالقراءة ولقمة العيش بالعمل ومأوى البدن بالسكن في غرف بائسة مهجورة في حارة الكهرباء، يتقاسمها مع بعض الأصدقاء، ويشاركهم جيش من الفئران والصراصير.. فانهمك في قراءة اللامنتمي (لكولن ويلسن) ودروب الحرية ل(سارتر) وغريب (البير كامو) وكوابيس (كافكا) وما يدخل في نسقها من كتابات عربية ليوسف إدريس، ومالك حداد، وزكريا ثامر، ويحيى الطاهر عبدالله..)!؟
ومن يصغي لأنين الكلام في الجبال، وقد وضعت أثقالها فوق صدره، ينصت إلى نبض الناس في القرى، باحت له بأسرارها، وغرف بحساسية الفنان الملهم من تراثها وفولكلورها، وتحدى العجز وسوء الحال ليتصالح بالفن مع كل المعضلات، وليصنع لنا من هذا التراث الأصيل الذي جاء من رحم الواقع حكاية، ويزرع زهور الحب في غرف المستشفيات، كما زرع أمل الزهور والأماني في حقول (الوسمية)، ونلاحظ هذا التصنيف العجيب في عناوين نتاجه السردي (بوح السنابل - زهور تبحث عن آنية - جاردينا تتثاءب في النافذة - الغيوم ومنابت الشجر - ريح الكادي)، ونلاحظ أنها عناوين تنتمي إلى الحياة والشجر، تحمل لغة الطبيعة والنماء، في حين تأتي عناوين أخرى تشخيصية، مثل (موت على الماء - أسفار السروي - أحوال الديار - الحصور - في عشق حتى - المغزول)، وأرى نتاجاً آخر يرفد التجربة، يعده البعض كتابة إبداعية، أقصد (مكاشفات السيف والوردة)، وهو كتاب يكشف بعضاً من سيرته الإبداعية والثقافية، فأشعر بحزن الأرض التي عرف بها عبدالعزيز مشري، وطاف بها كنجمة في سمعه وبصره، لتضيء قناديل للمتعة والمعرفة خلدت ذاكرته، دون أن يكون له في أرض كتبتها روحه، مشروع ثقافي يحمل اسمه ويخلد ذكره.
aldw17y1000@yahoo.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|