على ضفاف (حمزة شحاتة)«7» نايف فلاح
|
(..ابنتي شيرين.. كيف طرأ لك أن تستعملي هذا الورق الرقيق لكتابة رسائلك.. ألك أن تقيمي دليلا على أن الإنسان في العصر الحجري كان يستعمل الصخور ورقا لرسائله)
(ابنتي شيرين.. سررت بخطابك وبمقالك ووضعت عليه إشارات وعلامات.. كنت أريد الارتكاز عليها كمحور لإلقاء بعض الفقهيات الخاصة بالأسلوب وبالصحيح المهجور والفاسد المشهور)
(ابنتي شيرين.. هل كانت خواطرك كل تجاربك، وتلخيصا لحوار طويل مع نفسك.. في داخلها؟ أم هي انبعاثات خاطفة؟!)
(ابنتي شيرين.. أول ما تتطلبه الخواطر أسلوب متميز بالذكاء والعمق والبساطة.. لن أحللها مكتفيا بعمومية النظرة إليها، كلها شيق جذاب، ولكنها لا تعبر عن أزمات داخلية)
(ابنتي شيرين.. مقدمه خميسيتك عن الجفري كانت تفيض برصانة الأستاذية، وعمقها وإشراق أسلوبها.. وشعارك فيها (إذا لم يكن بإمكانك أن تتحدث.. إلخ) أفضل وأكمل منه الحديث الشريف (قل خيرا وإلا فاصمت)
(ابنتي شيرين.. من الخير أن تدعي للناس الحكم على ما تنشرين.. تقديرا حسنا أو سيئا.. الذي لك أنت أن تشعري دائما بأن ما تؤدينه اقل مما تريدين وما تطمحين إليه.. هذه هي العصا الخفية التي تسوق الفنان من وراء ظهره ليكون في وسعه أن يتقدم ويصعد دائما..)
(ابنتي شيرين.. صفحتك الأخيرة برهان حديد على انك تتقدمين تفكيرا وجاذبية..)
(ابنتي شيرين.. فاتحة صفحتك ذات ثقل محسوس.. إنها دلالة عقل يفكر ويبتعد رويدا عن الساحل.. اتجاها إلى العمق والغور. لكن لماذا يتمشى فيها الحزن؟)
(شيرين.. الإنسان يفضل أحيانا، وأنا في جميع الأحيان أفضل أن أضرب عشرين عصاة على أن أكتب رسالة مختصرة.. إن الرسالة بالنسبة إلى مشقة قصوى، وعبء ثقيل..)
(أخي غازي... والآن قل لي بربك هل أنت راض عن حماقة زوجتك؟!.. لا تدعها تفكر وحدها.. وعلى الأقل فيما يتصل بي.. عندما كنت في مثل سنها لم أكن أحمقا بهذه الدرجة وخاصة في مسائل النشر.. إنها لا تدرك الخطورة في نشر شيء لإنسان اختار أن يظل متحررا من المجال الأدبي... أرجو أن تحملها على التعقل.. وعندما تكتسب معرفة أكبر، وإدراكا أصح، وتجربة أوسع.. ستغير نظرتها إلى الرسائل وتعرف أن الرسائل الخاصة شيء مختلف عما يعد للنشر.. وحينئذ ستحمد لك أنك أعنتها على عدم التعجل... إنك ستسدي إلى جميلا عظيما إذا أحكمت رقابتك عليها في هذا... وسأعتبر أنك وعدتني بهذا... أشكر لك ذلك مقدماً!!
(إن الرسائل الخاصة لايبرر نشرها شيء أقل من أن تكون نماذج من أدب أو فلسفة أو علم..
و رسائلنا لم يقصد لها من الأساس أن تمثل عنصراً من هذه العناصر وإلى هذا فهي لم تلج باباً من أبواب حرية التعبير عن مقاصد ذات مستوى يبرر عرضها للناس..
أرجو أن تكون أنت بريئاً من الاشتراك في هذه الحماقة ومن مثيلاتها.. لقد أصبحت أباً وهذا يحتم عليك أن تزيد رصيدك من الرصانة والتعقل وإلا أصبح البيت فرعاً لأكبر مستشفى مجانين..)
من هذه النتف لنا أن نتصور أننا في حضرة مدرسة صغيرة أو أصغر مدرسة.. مدرسة آهلوها أب وابنته.. وموادها توجيهات وتباريح، تستلقي في مجموعها على أثر أدبي ذي طراز رفيع.. ولنا من جهة أخرى أن نستعيد هذا السؤال:
أفي ميسور أحد أن يبرهن على أن الرسائل لا تعدو كونها نجوماً عفوياً عن مرب لأربع فتيات، أو صدوراً من شحاتة الأديب المتفنن؟!.. باب الاحتمال مشرع.. فالرسائل ذاتها مترعة بما لايرجح احتمالاً على آخر.. لتتناسل على الأثر أسئلة ترتكز على هذا السؤال؛ هل ثمة اتفاق صامت أو عقد مضمر ماانفك سارياً بين الفتاة وأبيها أم لا؟
أي هل هذه المقاطع تنضد قول من قال إنها جاءت على غير أمر مضمن؟!
أم تحكي ذلك عكساً؟! لأن هناك عقداً ما اختلجت به هذه الرسائل من حيث كونها لم تغرف مادتها من الجزاف اليومي.
إن كل قول من تلك الأقوال أو الظنون معمود بجمهور من الصياغات والأفكار من داخل الرسائل، سيما أننا إزاء عروض فيها من السخاء مايكاد يسمح لكل من شاء أن يكون فيها صاحب رأي.. ونحن عندما طرحنا هذه الأسئلة التي تنهض في بنائها على أصل واحد وهو؛ هل كان حمزة شحاته قاصداً الفن في صوغ الرسائل أم انها ناتجه عنه عفو الخاطر؟!.. فإننا بهذا قد طرحنا السؤال الخطأ، الذي يسير في الموضوع نحو اتجاهين يوحيان بالتعارض المفرط، والذي، أيضا، يطيح بجوهر رأينا حيال شحاتة بوصفه شخصاً يعيش في هوية مع فكره وأدبه.. ما يدفعنا إلى رفض صيغة السؤال،و إلى القطع باجتماع القصد وسواه في الرسائل، كمثل اجتماع سائلين في وعاء واحد، أو كما تلتبس الذات في الموضوع والموضوع في الذات.. ليمسي صنيعه مقصودا بلا قصد.. يقينا منا بأن أديبا ماهرا في وزن شحاتة لم يصدر كتابا قط إلا بعد أن غيبه الموت، الشيء الذي يؤكد لنا أنه ما كتب يوما بشكل فوقي إنما كان يمارس الكتابة كتنفس وطاقة يتوسل عبرها كينونته ووجوده لعل معناهما يتحقق في نفسه على أقل تقدير.
فحمزة شحاتة نموذج إنساني لا يشكل العالم في وعيه موضوعا للعيش العادي الذي تطفو عليه الحيوانية في معاطاتها البشرية، بل العالم في عينه ليس سوى مساءلة لا تكف، وقضية لا تكيفها إلا كتابة لا تفتأ تحاول رفع ما يبدو للأذهان بديهة إلى مستوى يمنحها تعقيد الفلسفة أو تمويه الفن.. فالأكثر تعقيداً عنده مترتب مباشرة على الأكثر بساطة.
nf1392@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|