ورحل طائر الضوء أحمد عبدالله عسيري
|
هل البكاء حقّ للشّعراء عندما يتفاقم الجرح، وينزف شجر العنفوان فوق أعشاب الليالي الميتة؟!.
الشاعر: عبدالله الزمزمي أرهقه عواء القلب، ومتاهة الدمار الكوني، وخداع الظلام، ورعب الريح الوحشية.
أطلّ علينا كالقنديل، كالأسطورة، كالتواريخ المعلّقة فوق أسوار المدائن. هبط كالحكاية البحريّة وبروق الشتاء، قابلته ذات مساء أبهاويّ، حدثني كثيراً وصدره يعلو ويهبط، فأحسست أنّ وجع الرحيل وانتحار الغيوم، وانطفاء القيثارة ليس بعيداً عنّا، وها هو يقلع كالضحى، ويغادر كأرجوحة الشذى، ويتسلّق الموت كزهر الربوات، ويسقط مضرّجاً ومطرّزاً بالضوء والألق، أرخى مئزره، واستطال كسدرة ألمعيّة قاسمته الرّغيف، وحبر الكتابة أربعين عاماً، فمضى يفرش العذوبة في حجرات المشاعر، وأصداف القلوب، ودمدمات الحشايا، وبوح العاشقات، وتخوم الحروف الصاعدة كأنفاس الصبايا والحقول.
يا صديقي: ها هي (ديرتك) تنام أرقاً وتعباً وحزناً وهي تبكي أيامك الذاهبة حين حضرت عناقك الأخير وعرّاها الانقباض، ويباب الفقر، وأعاصير المنافي. ها هم أصدقاؤك كخيمة في العراء، تجلدهم اللوعة، ويغشاهم الانكسار، فقد كنت شربة ماء في تيه الصحراء، وعبقاً يصبّ أريجه في جفاف الفصول، ووهجاً يلمع في كهوف المغلقات من الحياة.
صديقي الرّاحل: هل أكملت لحظتك الشعريّة وقلت كلّ شيء حين سئمت رتابة الزّمن المستحيل والزّمن الصّعب؟. هل قلت كلّ شيء عن أحلام الأرض، والوجوه الشّاحبة، والوجع الصّخريّ، والفرح الشّجريّ، وعتمة الأحزان، ورحيل الأغنيات في الطرقات المضاءة بالدّمع والسّابلة؟!.
يا صديقي: كنت تُنشد للدفء، للفجر، للرّحيل البعيد، وها أنت تُغمض عينيك، تنسلّ كالحلم، تلملم أشياءك، وتمدّ كفّك الوضيء بالعطور، والظلال، مودّعاً وحاملاً سراج قلبك، هارباً من وجه عصرنا، من ليله وصقيعه، وحجارته السّوداء، من عالم حدوده السّراب والعذاب والكآبة المعتّقة.
يا صديقي: سافرتَ في مساكب القرى كالرّيح، أوقدت حفنة من النجوم، كطائر اليقظة المغرّد فوق سيقان القمح البرّي، يغمرك الموت فتضحك في ساعات الفرح الطارئ والعصيّ.
أحسّ وقع خطاك كالأمل المرتجى، نشيج العبرات الكسيرة، أحسّك عابر طريقِ سنعبره كالخيول المنتظرة على مشارف المدينة، إنّها قنطرة، ومقبرة.
يا صديقي: مهما تعاظمت المراثي، وخبا واحترق الكلام، وعطشت العروق إلى الحياة، سوف تسكت شبّابة العرس، ويتبدّد زحام الكائنات على النّبع، وتخلع البحار ثوبها الملحيّ، وزرقتها الفاتنة، ويغيب الزّمن المنهار في دوّامة الغبار، وتكنس الرّياح محاجر التّراب، وقوافل المواسم العذراء.يا صديقي: عليك رحمة الله التي وسعت كلّ شيء، فأنت الضّوء والنافذة الأخيرة.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|