واقع الفن التشكيلي المحلي لامسها الفنانون المحليون باستحياء منابع الفن الإسلامي تجاهلها العرب فارتوى من جداولها الغربيون محمد المنيف
|
للفن الإسلامي خصوصية والتزام بالمبادئ تجاه عدم توظيف ذوات الأرواح كالحيوانات والطيور وخلافها في إبداعه جاءت نتيجة لذكاء الفنان المسلم في استلهام ما يشتمل عليه هذا الفن من أشكال هندسية ابتعد فيها عن رسم كل ذي روح فازدانت بهذه الفنون المساجد، واستخدمت في القصور والأضرحة والحمامات ودور السكن العامة، والأسواق والخانات والقلاع والمخطوطات حتى نسخ القرآن الكريم زينت بالرسوم الجميلة البديعة من هذا النوع حتى غدا لهذا اللون من الرسم والتزيين صفة جميلة سميت بالمنمنمات نتيجة ما تظهر به تلك الأعمال من شفافية في الألوان ورهافة في العناصر ورقة ونعومة الخطوط التي زينت المخطوطات الإسلامية كما أطلقوا على الزخرفة تسمية الأرابسك (الأرقشة) ولم يأت هذا الإعجاب إلا لاعتبار الفن الإسلامي فناً ممتلكاً شخصية واحدة مهما تباعدت أقطاره وتنوعت مواضيعه فأصبح جزءًا من دراسات الباحثين الغربيين كما نراها فيما قام به الباحث (بابا دوبولو) في كتابه (الإسلام والفن الإسلامي) الذي وجد في المنمنمات الإسلامية ملامح فلسفية إضافة إلى ما قام به الباحث (أوليغ غرابر) في كتابه (تكوّن الفن الإسلامي) قدم فيه دراسة مستفيظة عن الرقش (الزخرفة) العربية، مع ما وجدوا فيه من اهتمام كبير بدراسة اللون, وقوة بناء الأشكال, والاهتمام بالجانب الهندسي المطلق شملت الحرف اليدوية بتنوع موادها كما في العمارة أو زخرفتها وفي إبداع المنمنمات والخط والفنون, استخدمت فيها مختلف الخامات والسطوح كالحرير والحجر والجلد والنحاس والورق.. فكانت الفنون الإسلامية بمثابة المناهل العذبة لكثير من الفنانين الذي رحلوا نحو شرقهم, ما بين الأعوام 1904م إلى 1928م، منهم الفنانون موريس دوني ورحلته إلى الجزائر وتونس والشرق الأوسط سنة 1907م (وفاسيلي كاندانسكي) إلى تونس بين 1904م وإلى مصر وسوريا وتركيا، وإميل غراسي إلى مصر سنة 1869م, وهنري ماتيس الذي زار المغرب لعدة مرات منذ 1912م, وبول كلي إلى
تونس عام 1914م, ومصر عام 1928م, وألبير ماركي الذي قام بزيارات عديدة للمغرب والجزائر بين 1911م, وبول سينياك (إلى تركيا سنة 1907م), وأوجست ماك (مع بول كلي إلى تونس), ودايرك ووترز (إلى المغرب في 1013م), وراوول دوفي (إلى المغرب سنة 1925م) وأوسكار
كوكوشكا (إلى تونس والجزائر ومصر والشرق الأوسط بين 1928م، وإذا كنا قد لامسنا جزءًا يسيرًا ومختصرًا إلى حد التلميح عن الفن الإسلامي ودوره في الحضارة الإسلامية عامة والعربية على وجه الخصوص ودوره أيضاً في التأثير واجتذاب عمالقة الفن الغربي فإن له أيضاً التأثير على مسيرة الفن
العربي المعاصر من خلال تجارب عدد كبير من الفنانين من مختلف الدول العربية والإسلامية، ومنهم الفنانون السعوديون ممن وجدوا في قربهم المنبع الدين الإسلامي وقاعدة انطلاقه ممثلة في الحرمين الشريفين ما يقربهم أكثر للتعبير عن مشاعرهم أولاً وعن إعجابهم بما تحقق لهذا الفن من مكانة
عالمية يمكن أن تفتح لهم الأبواب الواسعة للمنافسة بخصوصية وهوية لا يمكن أن يختلف أحد على امتلاهكم لمصادرها وانتمائهم لها وجداناً ومكانة ومكاناً، ومع أن المخزون والمرجعية البصرية لهذا الفن تشكل نبعاً لا ينضب إلا أن الفترة التي لامس فيها الفنانين المحليين السعوديين لم تكن كافية لتحقيق نتائج أكثر حضوراً ومنافسة مع أن الكثير منهم استطاع استلهام العناصر كموروث وتحويلها إلى عمل معاصر يحمل روح الفن الإسلامي وهويته مع نقلة حديثة بذكاء مؤطر بالخبرات والثقافة البصرية المعاصرة في منافسة قوية مع ما مر على الساحة من توجه وانجذاب نحو الفن الغربي بكل معطياته ما زالت آثارها باقية وما زال متبعوها في تزايد بحثاً عن مصادر الإبداع من مواقع بعيدة في الوقت الذي يقفون فيه على مخزون وإرث عظيم.
ولنا أن نذكر في هذا السياق بعضاً من الفنانين الذين أبدعوا في استلهام الصورة البصرية في الفنون الإسلامية بأساليب جديدة كانوا من خلالها قاب قوسين أو أدنى من التميز وتحقيق الانتماء لفنهم الحقيقي الذي يسمح لهم بالتطوير عبر ما تميز به هذا الفن من سمات وصفات تقبل التحوير والتجديد مع احتفاظها بكيانها وروحها.
فمن هذه الأعمال التي قدمت للساحة في الفترة التي بدأ فيها مختلف الفنانين البحث عن مواقع أقدامهم في درب ومسيرة التشكيل المحلي منذ أول المعارض وحتى الفترة التي تلي عام 1410هـ بقليل استلهمت من نماذج النقوش والزخرفة في الفنون الإسلامية أو من عناصر العمارة والتصميم الإسلامي نجد الفنان عبد الله الشيخ والفنان عبد العزيز عاشور والفنان يوسف جاها والفنان الراحل خالد العبدان والفنان عبد الرحمن السليمان والفنان يحيى شريفي والفنان عبد الرحمن الحواس والفنان إبراهيم بوقس وغيرهم كثير حيث أصبح هذا الاستلهام اتجاهاً وهدفاً محدداً في تلك المرحلة تنوعت فيه الأساليب وطرق الطرح والخامات إلى أن تبدلت الرؤية عند البعض وتطويرها عند البعض الآخر.
monif@hotmail.com
| | |
|