وا ألماه.. وا تعليماه!!! أمل زاهد
|
جاءت الصرخة التي أطلقها مسلسل (طاش ما طاش): وا تعليماه لتعبر عن الوضع المؤلم والمثير للشجن الذي يعصف بالعملية التعليمية في بلادنا الغالية وفي محاولة رائعة وجريئة وغير مسبوقة درامياً حاول المسلسل كشف الغطاء عن السوس الذي ينخر في جسد الجانب الخافي من هذه العملية وعن الثغور المفتوحة والجروح المتقيحة والنتوءات المكشوفة التي يعج بها قوام هذا الجانب، والذي يرمي بثقله على العملية التعليمية برمتها فينوء هيكلها بما يحمله من وزن وما يتدلى منه من زوائد.
كما حاول وبصراحة نحن أحوج ما نكون إليها في وقتنا الحالي تمزيق النقاب وهتك الحجاب وكشف المستور عما يدور داخل كواليس المدارس وعرض نماذج متعددة وواقعية من الجانب الخفي، فرأينا المعلم المتشدد المتطرف والمستهتر اللامبالي والمتفهم الواعي المخلص لمهنته والمعلم الباهت الملامح، وألقى الضوء على طبيعة الأحقاد والتنافس الذي تدور رحاه داخل هذه الكواليس، وأدخلنا إلى مطبخ الأحداث في الإدارات المدرسية وفي أروقة وزارة التعليم نفسها مما اعتدنا دائماً على لفه ومواراته وإحاطته بالتكتم الشديد والسرية التامة.
جاءت تلك الصرخة مرفوعة النبرة عالية الصوت لتفصح عن الآهات المخنوقة والأنين المكتوم الذي طال خنقه في الحناجر، جاءت لتقول إن الحقبة التي نمر بها هي حقبة مصارحة ومكاشفة ومحاولة لتشخيص الأمراض ومعرفة مكامن العلل من غير خوف ولا وجل من
مواجهة الأمر الواقع والحال المائل،
وإن زمن وضع المراهم على الجراح من دون تنظيفها وتعقيمها قد ولى إلى غير رجعة وإنه لن يؤدي إلا إلى زيادة استفحال المرض وانتشاره في الجسد كله، وإن القضاء على الأمراض لا يكون إلا بتشخيصها ومواجهتها والذهاب إلى مواطنها ومكامنها ومن ثم فتح الجروح واستئصال العلل ومعالجة أسبابها وبذلك يتم تعريضها للشمس والنور وبالتالي تعقيمها والقضاء عليها، وإن تلك البانورايا التي تصيبنا من النقد وتسليط الأضواء على العلل والعيوب يجب أن تنتهي إلى غير رجعة، فالناقد لأوضاع وطنه ومجتمعه والمحتقنة نفسه بتلك الرغبة في كشف الأخطاء وتسليط الضوء عليها وتتملل روحه بين جنبيه راغبة في التغيير والإصلاح يكون مهموماً موجوعاً بحب ذلك الوطن ومأزوماً متألماً من سوء الأوضاع، فيحاول أن يصرخ علَّ صوته يقشع ضبابية الرؤية وينير الطرق التي طالت عتمتها وعمت وانتشرت ظلمتها.
جاءت تلك الصرخة لترفع سبابات التحذير ولافتات التنبيه إلى أن الجانب الخفي الممثل في هيئة التدريس مع عوامل وجوانب أخرى يكون في أحيان كثيرة مفرحاً للتعصب ومؤدياً للتطرف ومولداً وحاضناً للإرهاب وإنه غالباً ما يشكل ذلك الأنبوب الذي يتم من خلاله توصيل ثقافة كراهية الآخر المختلف
والفكر الأحادي إلى أجيال المستقبل، وإن الإرهاب الذي نرى جذوة ناره تتأجج وشعلته ترتفع وتتوقد ليس إلا نتاجاً لأرض خُصبت بفكر متشدد يكره الآخر المختلف ويصر على اجتثاثه ومحوه من على وجه البسيطة حتى لو لم يرفع في وجهنا سلاحاً أو يشهر علينا سيفاً، وإننا أحوج ما نكون إلى فهم ديننا العظيم ونشر قيم التسامح والمحبة للإنسان والإنسانية التي تفيض من جوهره وأصوله وإنه يجب إعمال العقل في فهم النصوص الدينية وإعادة قراءتها، كما إن الخطاب الديني الثقافي السائد يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر وتجديد ليوائم مستجدات عصرنا وأن بقاءه على ما هو عليه سيؤدي إلى سيلان المزيد من الدماء والى بقاء أقدامنا متشبثة بوضع لن يمكننا تجاوزه من غير تجديد لهذا الخطاب. وجاءت الصرخة أيضاً لتقول لنا إن البراعم اليانعة والزهور اليافعة في مدارسنا تحتاج إلى كثير اهتمام ويقظة ورعاية منا، ولا يخفى على أي حصيف دقة وخطورة المراحل النفسية التي يعبرها الطالب والطالبة بدءاً بالمرحلة الابتدائية ومروراً بالمرحلة المتوسطة وانتهاء بالمرحلة الثانوية، فبين أحضان هذه المراحل يتم تشكيل شخصية الطالب وترسم فيها ملامح
ومقومات شخصيته ولذلك يحتاج إلى مدرسين على درجة عالية من الإعداد والمهارة والإخلاص للوطن، وفي هذه المراحل وخاصة المتوسطة والثانوية منها تكون التربة العقلية مُخصبة ومهيئة لتلقي كافة أنواع البذور وتكون الحماسة متقدة والنشاط مشتعلاً لتبني الأيدلوجيات والأفكار المقدسة، وإن قطع دابر عملية التفكير وإخضاعها لأطر معينة وحدود مسيجة سيكبح حرية العقل وسيحد من انطلاقه في آفاق الله وسنن خلقه وهو ما يبث في عروق الطلبة ثقافة الخنوع والخضوع والتلقي والتلقين من دون إقناع أو اقتناع، وقمع الأسئلة وبتر أطرافها وإطفاء جذوتها لن يقود إلا إلى تأججها داخل وجدان الطالب وغليانها في مراجل القلق والحيرة والتساؤلات التي تدور في حلقة مفرغة لأنها لا تجد إجابات، وتبقى أبداً هذه الأسئلة فائرة مائجة في نفوس من قمعت داخلهم.
وقد قام كثير من الباحثين المخلصين للوطن بدراسات مستفيضة تنبه إلى أهمية هذه المراحل والآثار النفسية السلبية التي يسببها قمع الأسئلة وخاصة الدينية منها لأن فترة المراهقة تتميز بالقلق والأسئلة والشك الذي يجب أن يبرد نار غليله وتُجاب أسئلته بكل تفهم وتسامح مع كسر حواجز الخوف مهما كانت طبيعة هذه الأسئلة، ولكن تبقى دائماً هذه الدراسات حبيسة أرفف المكتبات
الجامعية يعلوها الغبار والتراب وينسج العنكبوت خطوطه الواهية فوقها.
تأتي أهمية هذه الصرخة لأن لها وقعاً أمضى من مائة مقال وأبلغ من دراسات وأبحاث لا ترى النور وتظل داخل الأدراج، فالدراما والتلفزيونية منها خاصة أثبتت أنها قادرة على التسلل إلى كل النفوس وإلى داخل وجدان كل فرد الصغير قبل الكبير، فالإنسان يميل إلى رؤية نفسه معروضة أمامه، ومتعة التفرج تتضاعف حينما يشعر أن العمل يعبر عنه وأنه يرى ظله معكوساً في أحداق الممثلين والممثلات وأن همومه وشجونه وما يؤرقه تمرق من داخله ليراها رأي العين ممثلة في شخوص على الشاشة الفضية، والفن الراقي الهادف يستطيع وضع قدمين للأفكار لتمشي بواسطتها على أرض الواقع وأنسنتها وتمريرها عبر شخوصه وحبك حوادثه، ولذلك يبقى طاش ما طاش سنة تلو الأخرى ورمضاناً إثر رمضان قادراً على استقطاب المشاهدين ومهيمناً على وعيهم لأنه ببساطة شديدة يحكي لهم عنهم، لذلك ومن هذا المنبر نشكر فريق العمل ولأن الكمال لله سبحانه وتعالى فإننا كمتلقين وقارئين لهذا العمل لا نملك إلا أن نتغاضى عن تلك الهفوات الصغيرة والأخطاء العابرة لنقول إنه عمل يعبر حقيقة عن نبض الشارع السعودي ويحاول دائماً أن يمتد وينتشر ليحتوي ويعبر عن المجتمع السعودي الفسيفسائي التكوين بكافة شرائحه وخاصة تلك التي تعاني من التهميش وتشكو من التميز ضدها.
amal_zahid@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|