سعد البواردي من بائع أدوات للسيارات إلى مؤسس أول مجلة ثقافية محمد بن عبدالرزاق القشعمي
|
قبل أربعة عقود ونصف بدأت أعرف سعد البواردي، من خلال زاويته الأسبوعية في جريدة اليمامة التي كان يصدرها علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر (مع الناس)، وكانت زاويته في الجانب الأيسر من الصفحة الأولى.. وكانت تطرح قضايا اجتماعية، وتقترح حلولاً لها في ختام الموضوع.
أذكر جيداً موضوعاً ما زال عالقاً في ذهني بالرغم من مرور هذه السنوات الطويلة.. عنوانه (منديل الحلو.. يا منديله) وهذا العنوان ليس له، بل هو مطلع أغنية للمطرب عبدالعزيز محمود، كأنني أتصور الموضوع. لقد كان يصف بائع الفحم وهو على عربته (الكارو) الخشبية التي يجرها حمار أو (القاري)، كما يطلق عليه بالمنطقة الشرقية وهو عائد من البطحاء متجهاً لمنفوحة جنوباً حيث سوق الحطب والفحم بعد أن باع حمولته من الفحم وعاد للبحث عن حمولة جديدة، وكان فرحاً بما قسم الله له وهو يحث حماره على الإسراع في الجري وبيده جرم خيشة كيس فحم خالٍ يلفه على يده ويطوح به وهو يغني وكأنه منديل المطرب أو المطربة عندما تغني على المسرح ويردد (منديل الحلو.. يا منديله.. على دقة قلبي بغنيله)، كان فرحاً
سعيداً متفائلاً.. تكاد لا تسعه الدنيا بالرغم من فقره.. وقلة حيلته.. فأذكر أن الأستاذ سعد وهو يصف واقع حاله يذكرنا بأن السعادة ليست بكثرة المال ولا بالإمكانات الوفيرة، بل بالقناعة والتفاؤل.. ويذكرنا بقول إيليا أبو ماضي. قلت ابتسم لو كان بينك والردى شبر فإنك بعد لن تتبسما.
أو كما قيل عن أرسطو في تعريفه للسعادة أن تجلس في ظل شجرة ومعك كوب ماء وقطعة خبز.. أو هكذا قال..
ومرت الأيام.. وعرفت وتابعت مسيرة الأستاذ سعد البواردي ودوره الاجتماعي الرائد في إيقاده لمشاعل الطريق وحفزه الهمم وتشجيعه للعاملين المخلصين.. وقبل ربع قرن عرفته أكثر عندما يشدو الشاعر محمد العلي بقصيدته البواردي الشهيرة (فلنتينا) وكانت رائدة الفضاء السوفياتية وقتها تعبر في مركبتها طبقات الجو قبل ما يقرب من أربعين عاماً وكان يناجيها بقوله:
فلنتينا.. يا زهرة الفولغا
يا بعثة الأرض إلى الفضاء..
وأنت تعبرين الكون
في مركبة الهواء
هل أبصرت عيناك شيئاً..
اسمه (الصحراء)؟!
كثبان رمل أحمر
يدعونه (الدهناء)..
غابات نخل..
اسمها القطيف و(الأحساء)
وبلدة ناعسة الجفنين.
اسمها (شقراء)..
تلك بلادي يا فلنتينا..
كان محمد العلي يلقيها في المسرح الملكي بمراكش ضمن برنامج الأسبوع الثقافي السعودي بالمغرب صيف عام 1396هـ
وكان بإلقائه هذه القصيدة بوصفه نموذجاً من أفضل ما قاله شعراء المملكة يلهب أكف المستمعين له من المغرب الشقيق. التقيته أخيراً بالقاهرة قبل ست سنوات. وتكرر اللقاء في المهرجانات الوطنية للثقافة والتراث بالجنادرية، وقبل أربع سنوات ذكرت له أنني أنوي تقديم نماذج أو دراسة للبدايات الصحفية في المنطقة الشرقية وبصفتك أحد روادها إذ أصدرت مجلة (الإشعاع) في (مطلع عام 1375هـ الموافق 1955م).
وقلت له: إنه من حسن الطالع أن يكون بيننا أغلب رؤساء تحرير هذه الصحف وهي صحافة الأفراد: الأستاذ عبدالكريم الجهيمان رئيس تحرير (أخبار الظهران) والأستاذ عبدالله الشباط رئيس تحرير (الخليج العربي)، ويوسف الشيخ يعقوب رئيس تحرير (الفجر الجديد)، وأنتم، فأحب أن تزودني بشهادة بخط يدك كوثيقة تاريخية توضح فيها الظروف التي حملتك لإصدار المجلة وأسباب توقفها.
فرحب.. وأيّد الفكرة.. وسألني.. ماذا تنوي تسمية كتابك؟ فقلت له: البدايات الصحفية في المنطقة الشرقية، فقام من مجلسه إذ كان يشاركه فيه بعض الأدباء وأخذني جانباً وقال: أنصحك أن تسمي كتابك البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية أولاً المنطقة الشرقية فقد يستهويك الموضوع وتتيسر الظروف لاستكمال الإطلالة على صحافتنا في جميع مناطق المملكة.
وأخذت بنصيحته.. وفعلاً تجاوب معي وبعث لي من القاهرة بشهاداته وأنجز العمل.. وصدر الكتاب قبل سنتين ما حفزني على الاستمرار بالاطلاع على صحافتنا في المنطقة الوسطى وهو الآن في طريقه إلى الصدور عن طريق مركز الشيخ حمد الجاسر وسيليه إن شاء الله، ما يتعلق بصحف المنطقة الغربية وسيتبعها إطلالة على صحافة سعودية صدرت في الخارج قبل خمسين عاماً مثل: (الرياض) التي أصدرها سليمان الدخيل ببغداد عام 1910م، و(الرياض) التي أصدرها أحمد شفيق مصطفى بالقاهرة صدرت في حدود عام 1927م، و(الحرم) التي أصدرها فؤاد شاكر بالقاهرة، و(صرخة العرب) التي أصدرها أحمد عبيد بالقاهرة عام 1955م، و(الفلاح) التي أصدرها عمر شاكر بدمشق ثم في مكة عام 1920م، و(الوفاق) التي أصدرها محمد بن محمد سعيد الفته (المكي) في جاوا بأندونيسيا، وسيشجعني ذلك إلى جمع تراجم رؤساء تحرير تلك الصحف وإصدارها بمعجم مستقل إن شاء الله فيما بعد.
ويسرني في ختام هذه الورقة أن أشرك القراء وأطلعهم على شهادة الأستاذ سعد البواردي التي زودني بها فيما يخص مجلته الشهيرة (الإشعاع) التي صدرت من الخبر حيث يقيم وطبعت في مطابع خالد الفرج (المطبعة السعودية بالدمام) واستمرت في الصدور حوالي العامين (1375هـ 1377هـ)، علماً بأنه وقتها كان يعمل بائعاً لأدوات وقطع غيار السيارات لدى شركة العيسى بالخبر وفيما يلي شهادته المشار إليها (مرفقة).
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|