سعد البواردي رائد شمولي الثقافة مناحي القثامي
|
تعمل جميع الشعوب الحية على تخليد أمجاد روادها في شتى جوانب الحياة من أجل إشعارهم بأن أمتهم تثمّن وتشيد بما عملوه ويعملونه في تطوير المضامين العقلية وإشاعة الوعي الفكري، وتقديم أعمال خالدة تسهم في دفع عملية الارتقاء الحضاري بشكل متميز، وهذا ما نجده في مسيرة الأستاذ سعد عبدالرحمن البواردي الذي سلكه منذ نصف قرن مضى حيث بدأ خطواته الفكرية بإصدار مجلة الإشعاع الشهرية من مدينة الخبر عام 1375هـ واستمرت في الصدور حتى توقفت عن الصدور عام 1376هـ بعد إصدار 23 عدداً منها، وكانت مجلة الإشعاع بجهد مؤسسها محررها ومالكها الوحيد سعد البواردي قد شكلت قيمة ثقافية وأدبية في المملكة العربية السعودية خاصة والوطن العربي عامة، اهتمت بالمعالجة الصحفية المهنية المناسبة والطرح الأدبي المعاصر، والتركيز على الجوانب الاجتماعية والسياسية بصدق وأمانة ووضوح في الأهداف المرسومة التي تحتاج إلى شفافية في الرأي المفيد لأنها تحمل رسالة صحفية تعتمد في المطلق على احترام عقلية القارئ المتلقي، وهذا أساسه ما توفر لدى البواردي من مهنية صحفية راقية تؤهله بجدارة إلى المزيد من النجاح في الصحافة العربية، وقد سلك البواردي مساره الفكري بقوة رغم توقف مجلته الإشعاع، وخط طريقه بسرعة نحو المشاركة الفكرية الفاعلة، وأصبح متعدد الإنتاج، فقد كتب المقالة والقصة والنقد، ونظم الشعر وهو من المبرزين فيه والمجددين له، شارك في إحياء مسيرة الأدب السعودي لأنه أحد فرسانه الأوائل، وكان له دور مميز ومشاركة داخل المملكة وخارجها عن طريق حضور الندوات والمؤتمرات والكتابة في الصحف والمجلات المحلية والخارجية له أكثر من ثلاثين مؤلفا بين منشور ومخطوط، تفاعل مع هموم الأمة العربية، ورصد مسيرته من خلال إنتاجه الغزير والشمولي الذي أضاف إشراقات مضيئة في سماء الثقافة العربية، وهذا يظهر لنا عندما نستعرض بعض مؤلفاته الجادة أهمها شيخ من فلسطين قصة تشكل منهجا جديدا في السرد القصصي المبكر الذي يرصد فيه أحداثا معاصرة جرت وتبقى حية في مخيلة الإنسان العربي لعمق التجربة وقربها من العاطفة، وكتابه الثاني فلسفة المجانين يتحدث بشكل هزلي، ولكن يتجه نحو معالجة مواضيع تلامس قضايا الإنسان
الحياتية ضمن طرح عميق التجربة والمعالجة، وهذا الكتاب عبارة عن مقالات صحفية نشرت للكاتب، ولكنها تحمل مضامين فكرية، ومن أهم ما أصدره البواردي شعرياً ديوان أغنية العودة تعبر عن هموم الشاعر بقضية العرب المركزية (فلسطين) وأن ذاكرته تظل مشدودة بهذه القضية التي تهم كل مواطن غيور على مستقبل أمته، وأن العربي الأصيل لا يقبل الضيم والغبن والهوان، كما صدر له شعرا ًرباعيات، وفيها طريقة جديدة لتعاطي أديبنا البواردي مع جميع أنواع الشعر بالتجديد والتطوير والاستفادة من المناهج الشعرية السائدة، كذلك أصدر كتاب رسائل إلى نازك الملائكة سجل فيه رؤيته الأدبية والنقدية بقدرة المتمكن، ومن كتبه التي صدرت أيضاً (للسلام كلام)، وفي هذا الكتاب تنوع بين القصيدة والمقالة والبحث وصدر له أيضا ذورات في الأفق شعر وأجراس المجتمع وصفارة الإنذار وأغنية لبلادي، وثرثرة الصباح وغير ذلك كثير، ومن خلال تتبع مسيرته نجد أنه أنتج لنا المزيد من الزاد الثقافي طيلة مراحل مسيرته المليئة بالعمل والإنجازات، وهذا يؤرخ له أن أعماله الإبداعية تسير وفق تطور ثقافي منجز ملموس ومتصاعد، وجاء هذا نتيجة ما بذله من جهود وكفاح وإخلاص يغذي هذا حصيلة من التراكم المعرفي المتكون لديه من جده واجتهاده، وملامح هذه الثقافة لديه أنه استفاد من انحيازه لثقافة العصر والحفاظ على الأصالة والبحث عن كل ما خزنته أو تختزنه العقول المتميزة مما جعله مؤهلا لنقل تفاصيل حياة الإنسان المعاصر بصدق عبر تسجيل الرموز والمفردات الحياتية للإنسان بأمانة، وهذا مشهود من خلال ما كتبه في قصة أو شعر، أو مقالة وهدفه الأساس هو تنشيط حركة الفكر بالأحياء، وتشخيص واقع الحياة، وما ينبغي أن تسير عليه وتأسيس منهج ثقافي له مؤشرات الاتجاه نحو معطى العصر، وهذا يؤكد لنا بحق شعرية البواردي التي تأخذ في التجديد والتطوير، وأنه بنى له مكونا ثقافيا يتفوق به على أقرانه من أدباء مرحلته التي امتدت معه منذ عصر التحديث حتى الآن لذلك تجده يتوافق مع المرحلة التي بنى فيها نفسه ثقافياً بناء ذاتيا، ونلمس أنه يمثل نوعية خاصة من الأدباء القادرين على مواصلة المسيرة بقدرة، ولعل سعد البواردي يجد من منابرنا الثقافية التكريم والتقدير كما عملت الآن الثقافية في جريدة الجزيرة مشكورة، والله الموفق إلى طريق الصواب والهداية.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|