هكذا تكلم جبران
|
تأليف : نزار بريك هنيدي
دمشق، مؤسسة علاء الدين 2004
***
لم يعرف العصر الحديث كتاباً لمؤلف عربي، لقي من الذيوع والانتشار ما لاقاه كتاب (النبي) لجبران، ففي أغسطس 1957 بيعت النسخة المليون منه في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ومنذ ذلك الحين يقرأ الأمريكيون نصف مليون نسخة منه كل ثلاث سنوات، وقد تُرجم إلى أكثر من أربعين لغة، وتتوالى صدور طبعاته الجديدة في أنحاء العالم حتى اليوم، والمعلومات مستقاة من كتاب هكذا تكلم جبران للشاعر الناقد السوري نزار بريك هنيدي، وهو يضم بين دفتيه سبعة عشر فصلا.
تبدأ بتسليط الضوء على حياة جبران الاستثنائية والتعريف بقائمة إبداعاته، ثم تنتقل إلى العوامل التي كونت أدبه والخصائص التي يتمتع بها، بعدها تتناول كتبه بالدراسة التفصيلية كل على حدة مع تسجيل العديد من الملاحظات الجديدة والمهمة حول أدب جبران، فبعد فصل تناول فيه حياة جبران الخاصة والعائلية التي عانى فيها من صدمات متوالية، انتقل المؤلف للحديث عن حياة جبران الفنية:
تفرّغ جبران لرسومه وكتاباته، فأقام معرضاً للوحاته ترك انطباعاً جيداً، وعبره تعرّف على الصحفي (أمين الغريب) الذي كان يصدر جريدة (المهاجر) فأخذ ينشر فيها مقالاً أسبوعياً، كما تعرّف على (ماري هاسكل) التي كان لها الفضل في إرساله على نفقتها الخاصة عام 1908 إلى فرنسا، حيث دخل أكاديمية (جوليان) وتعلم أصول الرسم، كذلك كان لماري الفضل في إرسال جبران إلى نيويورك حيث تعرف على الأدباء العرب وعرض لوحاته، وأصدر روايته (الأجنحة المتكسرة) وبدأت علاقته النادرة بالأديبة (مي زيادة) عبر الرسائل التي لم تنقطع بينهما حتى وفاته.
أصدر جبران كتابه الأول (الموسيقى) عام 1905، وأتبعه في العام التالي بكتابه (عرائس المروج) الذي نشره له (امين الغريب) في نيويورك، وبدأت كتاباته تلقى المزيد من الإعجاب، وراحت علاقته تتوطد بماري هاسكل التي عرّفته على صديقتها الفرنسية (إملي ميتشل) فاتخذها جبران موديلاً لرسوماته ووقع في هواها، وربما كانت هي التي أهدى إليها كتابه الثالث (الأرواح المتمردة) عام 1908، ومنذ سنة 1912 بدا جبران أكثر التحاماً بقضايا وطنه الذي يعاني وطأة الاحتلال العثماني، فكتب المقالات التي تدعو العرب إلى الاتحاد والمقاومة.
وحين عمّت المجاعة لبنان سنة 1916 كتب نصّه (مات أهلي) كما اشترك في حملة لجمع التبرعات، وفي عام 1918 أصدر جبران أول كتبه باللغة الإنجليزية (المجنون)، وفي عام 1919 أصدر قصيدة (المواكب) وهي القصيدة الوحيدة التي اعتمد فيها الوزن والقافية، أما العام 1920 فقد كان حافلا بالنشاط ففيه أصدر كتابه (السابق) وأسس مع ميخائيل نعيمة وإيليا أبي ماضي وأمين الريحاني وآخرين (الرابطة القلمية) وانتُخب رئيساً لها، ثم أصدر كتابه (العواصف). وفي العام 1923 نشرت له مكتبة العرب في مصر كتاب (البدائع والطرائف)، وصدر كتابه (النبي) الذي سرعان ما أصبح أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة، وفي سنة 1925 التقى الشاعرة الأمريكية (باربرة يونغ) التي أصبحت سكرتيرته الخاصة، وكان قد اتجه نهائياً إلى الكتابة بالانجليزية، فأصدر كتاب (رمل وزبد) عام 1926، وكتاب (يسوع بن الإنسان) عام 1927، و(آلهة الأرض) عام1930، و(التائه) سنة 1931، وكتب فصولاً من كتابه (حديقة النبي) الذي قامت سكرتيرته بإتمامه ونشره بعد وفاته في ربيع 1931 ونقل جثمانه إلى بلدته (بشري) تلبية لوصيته.
بعد الإطلالة على حياة جبران بحث المؤلف في عوامل التكوين التي جعلت من أعماله منعطفاً جديداً في تاريخ الثقافة العربية وعلامة فارقة في الأدب العالمي كله، موضحا أن من هذه العوامل ما كان مركوزاً في عمق شخصيته التي تجنح نحو مثالية طهرانية لا تعترف بالإنسان إلا متعبداً في محراب القيم العليا، ومنها ما كان نتيجة للواقع الذي عاشه، ومنها ما ورثه من الثقافة العربية والغربية، فقد قرأ جبران الشعر العربي والفلسفة العربية، فأعجب بابن الفارض وقال: (في شعره ما لم يحلم به الأولون ولم يبلغه المتأخرون).
كما فتنته قصيدة ابن سينا في النفس وبعد أن قارنها بأبيات لشكسبير وشيللي وغوته وبراونن قرر أن (الشيخ قد تقدم جميع هؤلاء بقرون عديدة)، كما أبدى إعجابه بالغزالي الذي اعتبره (أقرب إلى جواهر الأمور وأسرارها من القديس أوغوسطينوس)، وكان من أهم ما ورثه جبران عن الثقافة العربية والشرقية، هو تمثله لشخصية المخلص أو (النبي)، غير أن النبوة الجبرانيّة (على حد تعبير أدونيس في كتابه الثابت والمتحول) هي نبوة إنسانية، والفرق بين النبوة الإلهية وبينها، هو أن النبي في الأولى ينفذ ارادة الله، ويعلّم الناس ما أُوحي له، أما جبران فيحاول ان يفرض رؤياه الخاصة على الأحداث والأشياء، أي وحيه الخاص.
اعتبر هنيدي أن الرومانسية والواقعية والصوفية والثورية والحداثية مزيج من عناصر استطاع جبران أن يجمع بينها في توليفة سحرية لا تتأتى إلا لمبدع كبير، وأوضح أن رومانسية جبران تتجلى في تمجيده للإنسان الذي لا يراه محور الكون ولبَّ الوجود وحسب، بل يرفعه إلى مصاف أعلى، ثم الاحتفاء بالطبيعة وتغنّيه الدائم بالحزن والألم والوحدة، وتحويل الكثير من صفحات كتبه إلى مسارح تصول فيها الأرواح والأشباح والجنيات والساحرات، وواقعية جبران وجدها الباحث في قراءته المتعمّقة لأحوال الواقع وما يعجّ به من مآس ومظالم وآلام.
من الملاحظات المهمة التي سجلها الناقد حول أدب جبران كان ما تعلق برواية (الأجنحة المتكسّرة)، حيث خالف تأكيد (ميخائيل نعيمة) على أن جبران كان يروي قصة حبه الأول يوم كان طالباً في بيروت، وأوضح أن هذه الرواية في بنائها العام وحركة شخصيّاتها وسيرورة أحداثها تمثّل خير تمثيل الرواية الرومانسية، ولاحظ ما يكاد يكون تطابقاً في الخطوط العامة بينها وبين رواية (هيلويز الجديدة) لروسو التي يعتبرها النقاد الأصل الذي تمثّله الكثير من الروائيين الرومانسيين الأوائل في ما كتبوه من روايات وقصص تتخذ من الحب المعذّب موضوعاً لها. ويقع الكتاب في ( 249 ) صفحة من القطع الكبير.لمزيد من القراءة حول الكتاب :
www.albayan.co.ae/albayan/books
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|