الأديب عاشق الهذال لـ«الثقافية»: قوافلي محملة بحكايات البيئة وبسخرية من العجز والركون
|
الأديب والكاتب الأستاذ عاشق عيسى الهذال صوت إنساني معبّر، تتفاعل معه ومع عطائه بشكلٍ كبير، فهو الذي يجمع العديد من الصفات والعناصر الإنسانية المعبّرة في تجربته الأدبية والكتابية، لنراه وقد أسهم في المشروع القصصي المحلي من خلال جملة من أعمالٍ أبرزها ما ورد على هيئة قصص قصيرة تم نشرها في أعمال لاقت استحسان القارئ ولا تزال.. إضافة إلى جهده الكبير في مسيرة العمل الحكومي في قطاعاتٍ عديدة حتى تمت إحالته إلى التقاعد لينقطع للقراءة والكتابة التي تترجم ولعهُ في البيئة المحلية.
كان لنا هذا الحوار مع الأديب الهذال حيث حملنا إليه الأسئلة في ليلٍ حائلي بارد فما كان من أبي عبد السلام إلى أن أحال هذه الأسئلة إلى دفء غامر.. فها هو الحوار:
حوار عبد الحفيظ الشمري
* أين تتجه قوافل الأديب عاشق الهذال المحمّلة بالخبرة والجمال هذه الأيام بعد أن كسدت بضاعة الأدب؟
يا سيدي تسألني أين تتجه قوافلي المحمّلة بالخبرة والجمال هذه الأيام بعد أن كسدت بضاعة الأدب فيما يبدو؟
وجوابي: أن قوافلي تسترجع وتستكن عوالمي المحدودة.. عبر سنين وسنين عشتها ولي معها وقفات.. ووقفات فيها من الصدامات الحياتية وفيها السلب أكثر من الإيجاب وتلك طبيعة المرحلة السابقة. فهي مرحلة مضحكة مبكية، المبكية أكثر بداخلي المتماسك.. قليل الشكوى مع التظاهر بمظهر أكبر مني...!!
وللمرح مع الآخرين وبسخرية النصيب الذي لا يستهان به.. ثم كان للتعلق بالقراءة والشغف بها.. بهذا المظهر.. الذي ألفته وألفني.. ولهذه الألفة كتبت مقالات شبه ساخرة في المجال الاجتماعي.. في منتصف السبعينيات من القرن الهجري الماضي في صحيفة الندوة التي أعدها إثبات وجود مع بساطتها..
ومع الأيام ومن خلال عملي في مجال التعليم.. والاختلاط والتتلمذ على بعض الفضلاء النابهين المشجعين أكثرت من القراءة المتنوعة.. فكتبت الحكايات والقصص ولم اقل أبدعت وإنما أعطيت ما عندي.. كما قيل: (على قدر أهل العزم تأتي العزائم): أما كساد بضاعة الأدب فيما يبدو. فلا أعتقدُ ذلك، فالأدب مرآة الأمة.. وأي أمةٍ لا أدب لها تعد متخلفة!.. ونحن في هذه البلاد التي لها قيمتها الأدبية.. في أكثر من صعيد.. وان كان المناخ الأدبي يشوبه ما يشوبه الآن.. فلا يعيب أن يتوارى البعض وأن يكثر من قول الأدب لا يؤكل عيشاً!! فذلك منطق غير الأدباء ويصدقه بعض المتأدبين فيركض ليعمل لنفسه مكانة مرفهة وليشمخ بما يحصل عليه وما يدخل جيوبه ليباهي وليقال إنه شبع ويتناسى مكانته.. ومن يقول كسد الأدب فهو رائد كذب على أهله.. رأيت في خارج عالمنا العربي من يقرأ من الكتب التي تقذفها المطابع (في الخارج لا حصر لها).. ومن قال إن بضاعة الأدب كاسدة فلا يعرف الحياة.. وما تزخر به.. وما تصنعه العقول عندهم القراءة غذاء تجد من يقرأ في الطائرة في القطار في الطابور.. الأسر تتبادل الكتاب لكل صفحاته.. ثم تبدأ المناقشة داخل الأسرة في النهاية..
* هل المشكلة في الأدب والثقافة؟ أم في المجتمع الذي انساق وراء المغريات الحياتية الأخرى..؟
سؤالك هل المشكلة في الأدب والثقافة أم المشكلة في المجتمع الذي يساق وراء المغريات الحياتية؟
وردي أن المجتمع والمغريات الحياتية.. فما هي هذه المغريات..؟ فإن كانت في الطمع والجشع والتباعد واللهث وراء المأكل والمشرب والمباهاة.. فتلك مزايا يكرم ويترفع الأدب عنها.. فلو فكر أهل الأدب والثقافة ومن يتلقون عنهم جيداً لركلوها وجعلوا الأدب يسيرهم ويزين حياتهم بفضائل أجمل وامتع.. وسيروا حياتهم على مدى الأيام بكل بهجةٍ وفرح.. أليس الإنسان بقدراته أن يلجم نفسه. وان يجندها للحب والجمال بلا توافه.. ليعيش هانئاً بلا مغريات مطبوخة...؟ الغناء مثلا كان في الماضي يغنى بأساليب راقية محتشمة.. شعراً وغناءً.. تغير الآن إلى كلام ممجوج ورقصات فاضحة يندى لها الجبين تجد المطرب الذي أتى من قاع المجتمع في الفضائيات يتلوى شكلاً ومضموناً وصور له راقصات من ساقطات الحواري في بلادهن جلبهن للاغراء ليقدمن ما يقدمن.. وبالطبع الرذيلة أسهل من الفضيلة في الحالة التي لا تكلف إلا إدارة الجهاز.. ولكل نفسٍ ما تهوى!! فإذا كانت هذه من أهم المغريات الكثيرة فالبغي.. فلو كنست لجاء الغناء المؤدب بأدب ولعاد للأدب وجهه المشرق بلا ردح وكلام سخيف.. ولتذوق المتلقي طعوما راقية.. فالشعر أرقى عناصر الأدب وأغلاها على مدى عصور هذه الأمة.. وقد قيل قديماً..
ولو لا خلال سنها الشعر مادرى
بناة العلا من أين تؤتي المكارم
ثم تأتي بعده القصة، والرواية والسيرة والمسرح، الموسيقى الراقية.. نحن في الخمسينيات والستينيات إلى السبعينيات في القرن الميلادي الماضي كان لنا في بلادنا القدح المعلى كما يقال نعم لنا قصب السبق.. ولنا المكانة المميزة فلو أعيد ما على الرفوف العالية الكثيرة والكثيرة لرأينا ما يسرنا.. وكيف كنا.. والأمل بالله ثم بطلائعنا الشابة بأن نصل الماضي بالحاضر لنعي أنفسنا ومن حولنا.
* بدأت فنون أخرى توجد على المشهد الثقافي كالرواية مثلاً ترى هل ستثمر هذه المحاولات الجديدة في بناء ثقافة مميزة..؟
جوابي أيها العزيز أن للرؤية مكانتها في العالم عامة وفي البلاد العربية ونحن منها.. ألا تعلم أن الرواية في بلادنا قديمة من عشرات السنين وأذكر من روادها المرحوم حامد دمنهوري والسباعي وأسماء كثيرة لا تحضرني في هذه العجالة وجدت روايات وتلقاها القراء في طول بلادنا وعرضها بكل تجلٍ واحترام... فالرواية في أنحاء المعمورة مات أكثر بل غالب من كتبوها.. وبقيت ذكراهم من خلال مؤلفاتهم..؟ في فرنسا وإنجلترا وروسيا وفي عالمنا العربي الشيء الكثير.. ولا أحب أن أحدد... قرأت الكثير من المترجمات العالمية.. وعرفت عنها الكثير من ثناياها عن شعوبها وأنماط حياتها.. وتطلعاتها وإقبالها على الحياة في سبيل رقي الإنسان وتهذيب ذوقه واتساع مداركه ليعرف أخاه الإنسان وما يمور بداخله.. نعم نحن بحاجة للأدب كلية من شعر وقصة ورواية وسيرة... إلخ.
* هل ترى أن هذا التداخل بين الأجناس الذي ينادي به البعض سيولد نتاجاً هجيناً يجمع بين الشعر والقصة والرواية؟
أقول إن النتاج الهجين.. وانمحاء الفوارق.. فهذه طبيعة كل من يعطي ما عنده ولا ضرر في ذلك.. فالعالم الآن يطلق عليه قرية واحدة.. ولا شيء يخفى فهذه الاتصالات بفضائياتها وارنتها.. إلخ لا تبقي شيئاً من الفوارق.. والأيام ستفرز من خلال الإنسان الغث من السمين، الصالح من الطالح ورحم الله القائل:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وان خالها تخفى على الناس تعلم
فلا خوف ولا غضاضة من العلم بالشيء من نتاجٍ مهجن أو حتى مستورد.. إنما الخوف من الانكفاء المزدري.. فالحياة أخذ وعطاء.. وما أجمل الأخذ والعطاء في الأدب وقدح زناد الفكر.. وفي النهاية لنأخذ ما يفيدنا ونترك ما لا يفيد.. فلنا قيمنا الأصيلة وأخلاقياتنا المتجذرة.. التي تسكن (جيناتنا).. ديننا ارتفع بنا عن النوازع المشينة وخدش الحياء وعدم الانفلات إلى الهاوية.. واكرمنا الله في بلادنا بديننا على هذه الأرض.. الذي هو حياة إنسانها.. علمه كيف يفكر ليعيش.. حياة كريمة في ظل عدالته وإنسانيته التي نفخر ونفاخر بها.. فلنأخذ من الآخرين ما لا يتعارض ولندع ما يتعارض.. فالخير كما قال سيدنا محمد بن عبد الله عليه وعلى آله السلام قال: (الخير فيّ وفي أمتي الى يوم القيامة).
* كيف يتم التعريف بأعمالك القصصية؟ وهل يمكن لنا ترجمة هذه الألوان الشعبية شكلاً ومضموناً..؟
التعريف بأعمالي القصصية كتبتها في مرحلة زمنية مضت قبل الطفرة.. وبعدها بقليل عن البيئة وما ادراك ما البيئة.. وهي سردية في الغالب وربما افتقرت بداياتها عن الفن القصصي المعروف.. ولا اعتقد انني اتيت بما لم يستطعه الأوائل.. وما بعدهم.. كمت كمصور للبيئة كتبتها بلغة سهلة ومبسطة.. ومع ذلك أعدها أشبه ما تكون بالصوى التي يراها الإنسان في مهمة ليصل إلى ما يأمل.. والآن افرغت نفسي للقراءة المتأملة.. ولست ضيق النفس منها فهي مرت مرور الكرام.. (وما كل ما يتمنى المرء يدركه) كما يقال!
وسؤالك هل يمكن ترجمة القصص للآخرين.. فيمكن ترجمتها لغير العرب لكن عندنا من هو أبدع وأجود مني في هذا الشأن.. وأين مني ومن القاصين في بلادنا بما قدموه عن البيئة وما تزخر به.. بأساليب جيدة نعطي المتلقي لغير العرب أكثر من صورة واضحة عن بيئتنا وما طرأ عليها من تغيير.. بعد سنين قليلة من عمر الزمن.. وليس بمقدوري في هذه العجالة ان احصي اولئك الذين كتبوا وخدموا القصة في طول بلادنا وعرضها.. وان تنوع عطاؤهم بين سردٍ، رمزٍ.. إلخ، ولن ننسى ان ما قدموه وما سيقدمونه في هذا المجال كماً لا يستهان به.. ولا ننسى أيضاً العمر الحضاري بالنسبة للآخرين مع مراعاة المجتمع.. ومنطلقات شرائحه المتعددة.. من سلبٍ وإيجاب..
* ما هي أهم الملامح التي تشكل تجربة كتابة القصة القصيرة والرواية لدى الجيل الجديد...؟
أقول يا سيدي من سنين طويلة عرفت بلادنا القصة القصيرة والرواية وقد عالج الأوائل من الأدباء القصة والرواية، الأقصوصة.. وسار الزمن وجاء الكتاب الجدد ليثبتوا وجودهم في هذا الميدان بكل صدقٍ واضح.. فيما كتبوه وما سيكتبونه.. الزمن الآن غيره قبل نصف قرن الأوائل كتبوا على استحياء خشية القيل والقال. والاستعداء.. وان كان نتاجهم والحق يقال يأتي بلغة عربية رائعة.. فيها الذوق الرفيع والبعد عن العامية.. وتحاشي تثبيتها في المجتمع القارئ ولهم السبق في الانتقاء المعبّر عن خلجات النفس.. أما احبتنا الجدد فلا ينكر ما قدموه من عطاءٍ في القصة والرواية.. ولا ينكر الأسلوب الرمزي.!
فالرمز عادة عدم الوضوح ورأيي المتواضع ان الوضوح أجمل وأروع.. فالرمز يحسن بالشعر وطبعاً الشعر أرقى من القصة والرواية.. وللشاعر الحق ان يجعل المتلقي يحدق به جيداً لفهم المضمون ومع التكرار سيفهم. وإلا سيبقى المعنى في قلب الشاعر كما يقال!
* نود معرفة أبرز مشاريعك الأدبية وهل استهوتكم الرواية؟ وهل سنطالع أعمالاً قريبة من البيئة المحلية؟
ردي عليك انني المحت في السؤال الأول بأنني استرجع واستكن عوالمي المحدودة من سنين.. إلخ وربما قوافلي كما قلت تجد المناخ والمرعى الخصب لأكمل مشروعي عن مسقط رأسي حائل.. التي أحبها طبيعةً وإنساناً ومحامد تتراوح بين العصرنة والتمسك بالمثل العالية فالحائلي بطبعه عطوف وعاطفي ويحب المحمدة قليل التجهم.. يضحك من كل قلبه ينظر إلى الأمام دوماً.. ناهيك عن طفولتي وصباي.. في حياة متقشفة.. ومع ذلك انيسة ومؤنسة... أو على الأصح حبيبة غالية رغم انكادها المعاشية بقي حبها معي رغم بعدي عنها لمدة الأعوام الخمسة والعشرين في المنطقتين الغربية والوسطى.. ولم انقطع عنها في العطل ما وجدت الى ذلك سبيلاً.. حائل تسكنني.. وبعد هذه الأعوام تم استقراري بها في 1400هـ سنوات طويلة في المجال التعليمي حتى تقاعدي بلا استحقاق ترفيع عناد محير... بعد خدمة أغلبها قاس ومؤلم.. في حائل لملمت شتات أفكاري بدأت أقرأ بعدما كتبت خارجها في القصة.. وبقيت حائل وكأنها تلح علي في الكتابة عنها.. فأبديت رغبتي لأستاذي فهد العلي العريفي الذي شجعني بأن ابدأ في الكتابة عن حائل.. في المجال الاجتماعي عموماً.. وفعلاً بدأت.. وكان أمر الله أن تتخطفه ايدي المنون ولم يدر بخلدي ان ذاك الطود الشامخ سيتهاوى.. حقا انها صدمة لم افق منها بعد.. عندما ابلغني احد الاخوة.. بوفاته.. تجمدت حواسي كلها لكنني بعد أيام آمنت بقضاء الله وقدره.. وان لكل أجلٍ كتاباً.. أن فقده بالنسبة لي ولمحبيه نازلة ما بعدها نازلة.. فهد العريفي ذلك الإنسان الذي لا ينسى رجل الصدق والأمانة وقول الحق مهما كان مراً عند البعض ما اذكر خلال السنوات الطويلة العمر من تشرفي لصداقته ان رد لأحد طلباً بل بكل اريحية يساعد بجاهه وقلمه وعطائه للجميع.. ولا انسى ما حييت توجيه النداء الى وزير المعارف يطالب بحقي المهضوم في الترفيع عبر صحيفة الرياض بتاريخ 151 1415هـ بعد ان سكت الجميع.. من الاخوة والصحب من حملة الاقلام عدا الكاتبة (جهير المساعد) جزاها الله خيراً... ورحمك الله يا فهد العريفي أيها المحب لوطنك واناسه الذين يتساوون عندك في الحقوق والواجبات.. ومن يشكك في قولي فليراجع لمقاله (أشباح في عصر الفضاء) في مجلة اليمامة عدد 1032 في 2141409هـ.
ليعرف الأستاذ فهد العريفي على حقيقته.. وصدق وطنيته.. يجب وطنه من حائل مسقط رأسه رضع لبان المحبة منها.. ومنها أيضاً كبرت محبته للوطن كله يحب للجميع الخير كل الخير.. يكره من كل قلبه الاقليمية الحاقدة ومن يتعامل برمحها الصدئ.. من أولئك الذين يتلذذون بالكيل بمكيالين.. ويحسبون حسب عقلياتهم المريضة التي لا ترتاح إلا بالاستخفاف المشين بالآخرين وهضم حقوقهم من الشواذ كما سماهم المرحوم فهد العريفي في مقاله في اليمامة فقال:
فكل من يتهكم بمنطقة أو إقليم فهو شاذ.
وكل من ينظر الى المواطنين بمنظار إقليم أسود فهو شاذ.
وكل من يتعامل برمح الإقليمية الصدئ فهو شاذ.
ثم قال لن ندعو لهم بالشفاء العاجل فقط لأنهم مرضى بمرض معدٍ خطير.. بل نطالب بوضع نظامٍ صارمٍ يعطي الحق بطرد كل من يتعامل مع المواطنين بروح الإقليمية الكريهة.. إلخ ماكتبه رحمه الله بعد رحيل أستاذنا فهد تسلل إلى عالمي الوهن والتوقف عن مشروعي..؟ في الكتابة عن حائل الذي وعدني بتقديمه للقراء.. لكن الأمر لله من قبل ومن بعد دنيا لا تدوم لحالٍ ولا لأحدٍ.. آمنا بالله.. طفقت اقرأ من مكتبتي الكتب الخفيفة.. والمسلية علني أتماسك متسلياً ولعلني أيضاً وهذا ما آمله ان أعود للكتابة بمطلع هذا العام 1426هـ... أما الكتابة للقصة والرواية فلا اعتقد الكتابة فيهما قبل الانتهاء من الكتابة عن حبيبتي حائل.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|