وقفة أخرى مع رامي..!! عبدالله إبراهيم الجلهم
|
كان رامي مسرفا على نفسه في الحساسية ورقة الشعور والوجدان.. ينفعل من الأيام ولا ينفعل لها، ويهرب من الأحداث وصروف الدهر، ولا يقوى على مجابهتها واحتمالها وسبيله في ذلك كله وملجأه أن يعتصم بالقوافي وهمسات الشعر والشعور فيخلد إليها ويستطيب همهمتها وشجوها.. ويظل يسكب لحنه النديَّ على أيكها كلما عاودته هواجس الأسى أو امتدت بشراعه أمواج الحنين والذكرى..
والقوافي في تقدير أحمد رامي وحكمه ملهمته ونبع قلبه ووعاء جوانحه ومثار هواه ووجده.. يريد من أجفانها وأحشائها أن تحتويه وأن تحنو عليه وتستودعه، ويطلب منها أن تضم شتاته وضياعه فهي أهله ومستقر حياته وتياره، وإليها يؤوب كلما عرته هزة أو شرق بدمع أو طفق به حنين وشكوى، ويحلو لشاعرنا المرهف أن يناشدها بقوله:
فكوني يا بنات الشعر أهلي
وأشياعي لدى البلوى وركني
وغني من أساك وألهميني
فبينك في الهوى عهد وبيني
أراك بخاطري وأود أني
أراك بناظريّ وأن تريني
إذن أشفقت من سقمي ووجدي
وشفك لا عجي وشجوب لوني
والأيام في معتقد (رامي) شبح مخيف لا تغمض منه عين ولا يهدأ له بال إلا أن يجر كلاكله وأثقاله على البائسين الرافلين بالحساسية المرهفة والجوى العميق.. فالأيام في صروفها وأحداثها معاسكة لوده ومراده حتى أفسدت عليه مذاق الحياة وطعمها وجعلته يتمنى أن يلقى حينه لينهي بذلك مأساته وصراعه معها:
لقد تركتني الأيام نضوا
أود من الزمان دنو حيني
وهو بهذه الأمنية الجريحة يتذكر موقف أستاذه الراحل أبي الطيب المتنبي، حينما نعى على الأيام قساوتها وأجزل عتابها وملامها لأنها لم تفسح له في رحابها ليحقق طموحه وغاياته فهي جائرة لا ترحم وعنيدة لا تلين، ومذمومة لا يرعوي لها خلق ولا شيم:
أود من الأيام ما لا توده
وأشكو إليها بيننا وهي جنده
ورامي على حين غفلة من هواجسه وتأملاته يعود ليبحث بجد عن هاد يهدي الضِّليل إلى سبيل العيش الذي يحقق مطمحه ومأموله ذلك المطمح الذي كلف به ورعاه وحباه..
من للضلول الذي ضاعت أمانيه
بمن يضيء سبيل العيش يهديه
لي مطمح في حياتي قد كلفت به
يفوق شأو الدراري في تعاليه
وطالب المثل الأعلى مشعبة
آماله مشرئبات مراميه
يطلف النفس أمرا عز مطلبه
ويسأل الدهر شيئا ليس يعطيه
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|