المبدع وكشف الذات
|
يفرغ المبدع إبداعه الأدبي شعراً كان أم نثراً في القالب الذي يراه مناسباً، ليؤدي بذلك غرضه وفكرته.
وفي خضم هذه العملية الإبداعية، يصطبغ النص بكثير من ملامح صاحبه الشخصية والنفسية، والتي قد لا ينتبه إليها المبدع نفسه.. لكنها قد تكون موضع انتباه من ذلك الناقد الحاذق أو القارئ الواعي!
ومنذ أن بدأت رحلتي في قراءة الإبداع الأدبي من مجموعات قصصية ومقالية وروايات ودواوين شعر وأنا أجد نفسي ألتمس هذه الملامح، التي من خلالها أتعرف على شخصية الكاتب - المبدع، وقسماته النفسية، بل وسلوكه أحياناً!.. ولا أعلم وأنا في هذا الحال من أي الصنفين أكون؟!
على إدراك مني بأن هذه الملحوظة لم تكن وليدة استنتاج بحت، بل إن في تراثنا النقدي ما يشير إلى ذلك، عندما تفطن (القاضي الجرجاني) في كتابه (الوساطة) إلى هذا الأمر، فهو يرى أن الجافي الجلف كز الألفاظ، معقد الكلام وعر الخطاب، وهو نقيض صاحب الخلق الدمث والطبع السليم، إذ يتمتع أسلوبه بالسهولة والانسياب واللين.
مؤكداً بذلك التأثير المباشر لطبائع الإنسان وشخصيته في الكتابة الأدبية، وانطباعها بسمات كاتبها.
ولم تكن الكتب النقدية وحدها في هذا المضمار، بل إن ثمة إشارات أخرى في كتب علم النفس والشخصية تفيد إلى شيء من ذلك.
وقد وجدت في سبر أغوار النفس البشرية من خلال النتاج الإبداعي متعة فائقة، جعلتني أطيل النظر في بعض النصوص من جانب، والبحث في كتب نظريات علم النفس وتحليل الشخصية من جانب آخر.
وهو ما جعل بعض المبدعين يتخوف من عملية المكاشفة غير المقصودة وهم في غمرات الإلهام - اللاوعي.. مع أني لا أرى لهذا الخوف مسوغاً.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل الكاتب - المبدع يعي أثناء إبداعه بتلك الذات الداخلية التي قد تملي عليه رغبات تنعكس بدورها في نصوصه؟
إن من المعلوم، أن قدوم أي نص إبداعي من المفاجآت التي يعيشها المبدع، فهو لا يعلم بأي زمان أو مكان سيكتب! وما الأفكار التي ستلح عليه فيفرغها على الورق أو ربما أي شيء آخر، حتى تهدأ نفسه وتكن.
كما أن ساعات الحزن ولحظات الانفعال هي من أكثر الأوقات التي تدفع بالأديب المبدع أن يعبر عما يجول في داخله، وينفس عن نفسه، فيشعر بعد الكتابة براحة نفسية قد توصله إلى درجة الرضا الذاتي، فكأنه الماء عندما يصب على النار ليطفئها.
ومما يؤخذ في الحسبان ونحن بصدد الحديث عن هذه القضية، اختلاف ولادة النص الأدبي من مبدع لآخر، وبين السهولة والعُسرة نجد التباين بين المبدعين، وبأي حال من الأحوال فإني أقر بأن العملية الإبداعية معقدة التركيب!
لكننا قد نتفق على أمر، ألا وهو: أن النص يتكون كنطفة في رحم النفس البشرية، فتحمل بذلك جينات صاحبها، وأقصد بذلك: سمات المبدع وصفاته وطباعه، مع اختلاف في نسبة هذا التوارث والانطباع.
وانطلاقاً من الحكمة القائلة: كل إناء بما فيه ينضح، أقول إن أي كتابة بما في نفس صاحبها تفضح! وإن كنت لا أقصد الفضيحة - الرذيلة، إنما القصد الكشف عن صاحب النص وبعض من سماته.
إذ إن من المؤكد أن الكاتب يصب فكره وعقله فيما يكتب، فيتضح توجهه الفكري وطريقة تفكيره، ويضاف إلى ذلك نظرته للحياة أمتفائل أم متشائم.. بل إننا قد نستشف غضبه وحنقه وكذا سعادته ورضاه! فهل ستتحذلقون معشر النقاد.. وتعون في قراءاتكم أيها القراء؟!
وقفة:
المحنة قدر المبدع لكي يستمر، مثلما هي قدر الشعوب الحية التي تتعرض للانكسار والتصدع والزيف.. لكنها تظل شعوباً حية ولودة لا تعرف النضوب).
منيرة المبدل -باحثة وكاتبة
email:m8n8m@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|