مطالعات الشاعر محمد الصفراني في ديوانه الجديد (المدينة): (المدينة) ديوان شعر يصف مرحلة البراءة بأنواع الشجن عبدالحفيظ الشمري
|
صدر عن نادي المدينة المنورة الأدبي ديوان شعري جديد للشاعر محمد الصفراني وسمه بعنوان (المدينة)، وجاء هذا الديوان رشيقاً في صفحاته مقتضباً في ايماءاته وإشاراته، إلا أن هذه السمة في الديوان لم تلغ شمولية ما يرمي إليه الشاعر في كل جملة شعرية يصوغها.
الديوان الجديد للشاعر الصفراني رحلة خاطفة وايماءة سريعة لذاكرة لا تستسلم لليأس رغم مجابهتها لألوان عديدة من المثبطات والمعوقات وحواجز الزمن الذي لا يقف دائماً إلى جوار جماليات الأشياء، لنرى هذا الزمن وقد أسهم بتداخل هذه الألوان بعضها ببعض، ليغيب الأشياء المألوفة، ويحول الصور الوادعة من هيئة إلى أخرى، لكنها سمة لا تراعي جماليات الماضي رغم تسلح المقولة بلغة (كان) الفريدة.
الشاعر الصفراني يرثي المكان (المدينة) بذاكرة نقية لا تحمل إلا البراءات الأولى، فما بالك أن تكون تلك الإرهاصات نحو طيبة الطيبة المنورة.. مدينة المسجد الرائع بروحانياته ووجدانياته المتعمقة في الذات.. تلك التي انطلقت من أزقتها وحواريها العتيقة حكاية الإنسان المدني الذي جسد الشاعر في قصيدة (المدينة) التي حملت اسم الديوان وهويته، على نحو ما استهل به الشاعر رؤيته الإنسانية:
(وحين أمشي
حول مسجدها
يظللني لواء أسامة
ويرش سمعي
صوت حسان بن ثابت،
وهو يلقي في الجيوش قصيدة)
(الديوان ص15، 16)
فالقصيدة إذا ما تتبع القارئ سياقها سيجد أن المدينة تظل هي العنصر الفاعل في حياة الشاعر وهي بداياته الأولى في طريق الحياة الوادعة بجوار مرقد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حياة تعكس ولع المنشد ببيان شغفه بالمكان الذي أخذ يتهاوى بفعل دورة الحياة وتحولات الزمن الذي لم يعد ماثلاً بعذوبته، وشامخاً بصدقه ووفائه للأرض التي تنبت الفطرية المتناهية جمالاً وإشراقاً، إنما ظلت الحياة في المدينة المنورة في ذهن الشاعر هدفاً للتحول الذي من المفترض حسب رأي الشاعر أن تكون أكبر منه، وأن تتصدى لموجات التبدل الذي أخذ في مد جسوره نحو مراقد البراءات الأولى في طيبة الطيبة.
فطيبة الطيبة تتوارد حولها الرؤى الزاهية، وتتعانق المقولات المفتونة ببهائها وجاذبيتها الوجدانية، ف(مدينة المسجد) كما وصفها الأديب الأستاذ جبير المليحان تتقاطع في الرؤية الجمالية مع (المدينة) أو (دار السلام) في ذات الشاعر الصفراني، فالقاص المليحان يصف (المدينة) من مواقع تخصص وتميز تشرق به هذه المدينة الفاضلة، حينما يرى المآذن وكأنها تنبت من ترابها الطاهر شامخة ولامعة، مثلما هي في هذه القصيدة التي تصور جوانب الإيمان الفياض، وشعاع الروحانيات الصافية، وللتقاطع بين القاص والشاعر هنا تواردت الذات المفعمة بحب الأرض الطيبة، وبخلوده في النفس حينما يصبح مرتبطاً بالمكان ومفسراً لفحوى الاهتمام به.
ديوان (المدينة) للصفراني يذهب في تفاصيله المعبرة إلى منطقة أكثر جاذبية في الذائقة.. تلك التي تتمثل غالباً في البدايات الأولى للإنسان، والأماكن الأولى حينما تحفل بروعة البساطة والعفوية، لتشغل اللمسات المتجلية هاجس التكوين الأول لخطاب المفردة البريئة التي تنهض من الطفولة وتسير في الحياة محافظة على ألقها الإنساني رغم التحولات، لنرى (الحي) أو الحارة وكأنها لوحة شغلت بعناية:
(.. في حينا
كل البيوت زخارف
يتكلم الإبداع فيها
ما يشاء من اللغات..)
(الديوان.. ص21)
لغة الخطاب الشعري لدى الشاعر تتردد حول مفهوم البدايات التي غالبا ما تحمل مزيجاً من الدهشة، والتورد والتأمل لكل الأشياء والنظر بعين المأسور أو المنجذب لمثل هذه الصور التي تكتب التاريخ بعفوية قد لا ينجح فيها إلا الشاعر العفوي الذي يصوغ من خطابه شجناً عفياً يسرف من خلاله في التأمل والتصوير حتى نصب أمام القارئ المتأمل مشهدا شعريا فاتنا، فليس أجمل منه إلا ان يستخدم الشاعر روح الطفل، ولغة المكان الأول في قصائد تبحث عن هويتها الأولى التي فارقت منابتها، وأسبغ عليها الحاضر من فتنه، وامتحانه وقسوته ما يجعله ينكف عائداً في رحم التلاشي، ويذوب في الهجس اللاهي وسط غابات الاسمنت وزفير الآلة الهادئة دون روح ودون شعور.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|