قناة ثقافية.. ألم تعد ضرورة؟!
|
ألم تعد الحاجة إلى قناة ثقافية ضرورة ملحة؟ وألسنا في حاجة ماسة إلى قناة ثقافية بحتة تكون برامجها عن الرواية والقصة القصيرة والشعر والنثر والحِكم والأمثال، أم أننا ننكر وجود فئة كبيرة من الناس المتعطشة لمثل هذه البرامج والحوارات الأدبية والمحاضرات الثقافية؟ ولماذا لا يكون هناك مثل هذه القناة التي تنقل ما يدور في الأندية الأدبية التي تعمل من وراء حجاب وتدار ندواتها فقط للمختصين والأدباء أصحاب الكراسي؟ أليس من حق المتلقي أن يجدد دماء معرفته ويزيد من نبع علمه وينقب عن حضارته وثقافته؟
عجباً للثقافة والمثقفين والإعلاميين والأدباء لم يطلقوا صرخة مدوية ولم يجتمعوا يوماً على قلب رجل واحد ويطالبوا وزارة الثقافة والإعلام بمثل هذه القناة التي قد تعيد هيبة الثقافة المحلية إلى أبنائنا الذين تحجرت عقولهم، بمشاهدة (ستار أكاديمي) وتشدقت أفواههم بأصوات كصوت الغراب وتمايلت أجسامهم كجذع نخلة في العراء. مما يبعث الأسى في النفوس ويجعل الحزن يدب بين الضمائر ما آلت إليه ثقافتنا العربية من حال وأصبحت ليس كالرجل المريض بل كالعجوز الشمطاء فالرجل المريض لعله يقاوم ولكن من أين لعجوز أن تقاوم؟ كيف لعجوز وأقصد بذلك ثقافتنا أن تقاوم البرامج الفضائية الهابطة والرخيصة التي لم تبعث في البيوت إلا هماً وظلاماً؟ كيف لثقافتنا أن تقاوم هذه القنوات التي تبث مسلسلات تصل حلقاتها إلى ثلاثمائة حلقة مثل (ماريا مرسيدس) يا ترى أين يكمن العيب فينا أم في ثقافتنا؟
إن كان العيب في ثقافتنا وهذا ليس بصحيح البتة ولا أتفق مع أحد بأن العيب في صميم الثقافة العربية، إن كان كذلك فوالله تلك مصيبة. وإن كان العيب فينا وهذا الذي أنا متأكد منه فو الله المصيبة أعظم كيف لم نستطع أن نغير ونبدل من حالنا الذي أصبح مثل (الفيديو كليب) يدوم لحظة ثم يزول؟ فثقافتنا لم تعد ترى ولا تسمع ووضع في فيها (بطيخ صيفي) فألجمها وأحكم لجامها ونحن ننظر بعين الرحمة ونقول ربما يتحسن الحال إلى الأفضل.. إنني من هذا المنبر الثقافي الكبير الملحق الثقافي بجريدة الجزيرة أطالب ببلورة فكرة القناة الثقافية السعودية على أن تكون قناة مستقلة لها برامجها الخاصة بها ولها أحكامها ولها طريقتها الخاصة.
كما أطالب المثقفين السعوديين جميعهم إن كان الأمر يهمهم وكذلك الأدباء والشعراء وكاتبي الرواية والقصة بالمطالبة معي وضم صوتهم لصوتي لإنشاء قناة ثقافية تعيد بعضاً من الحياة إلى القلوب الخاوية.
كما أطالب رجال الأعمال وأصحاب الأموال بالتفكير في الاستثمار في ما يعود على الوطن والأمة بالعلم والمعرفة وتفتيح العقول وتنوير البصائر بمثل هذه القنوات وليس ما يعود عليهم بالمال فقط؛ فلننر عقولنا جميعاً وعقول أبنائنا وبناتنا الذين أضحوا بين ليلة وضحاها كالدفاتر التي بللت بالماء وسالت منها الحروف والجمل.
ولعلي هنا في نهاية المطاف أذكر لكم قصة قد تساعدنا على التفكير في إنشاء قنوات ثقافية وليس قناة واحدة: والقصة كالآتي:
ثلاث أخوات من المتابعات للبرنامج المدمر (ستار أكاديمي) يتقاسمن فترات النوم حتى تخبر إحداهن الأخرى بما حصل في البرنامج فالأخت التي في الصباح تخبر الأخت التي بعد الظهر والأخت التي بعد الظهر تخبر الأخت التي في آخر الليل والأخت التي في آخر الليل تخبر الأخت التي في الصباح وهكذا...
عجباً ولو سألت إحداهن من قال بيت الشعر:
ملأنا البر حتى ضاق عنا
وماء البحر نملؤه سفينا
ولو اجتمعت ثلاثتهن ما أجبن عنه.
المتسابقة السعودية التي ظهرت على شاشة قناة الفضائية MBC في أبهى حلة وجمال تريد عرض جمالها على حساب ثقافتها التي كانت دون المستوى وهي طالبة للطب البشري وفي إحدى حلقات المسابقة تسألها المذيعة السؤال الآتي:
من هو أبو الخليفة عمر بن عبد العزيز؟ وليتها ما أجابت البتة فنصف الجواب في نفس السؤال ولكنها قالت: أبو بكر الصديق، فقالت لها المذيعة: خطأ؛ فقالت عثمان بن عفان فقالت لها المذيعة: خطأ؛ فقالت: علي بن أبي طالب!
أرأيتم إلى أي مدى وصلت ثقافتنا العامة والخاصة؟! أنا هنا لا أهاجم أحدا بعينه وليس الموضوع شخصياً بل الموضوع يمس المجتمع الذي ذاب في دوامة التفكك الثقافي وأصبحت الثقافة لدى الكثير في غياهب الجب وأصبح الفيديو كليب وستار أكاديمي وجبة يومية إن لم نلتهما وبشراهة فإن عقولنا يصيبها الجوع الأبدي.
من هنا أقول للجميع أعيدوا النظر في وقعنا الثقافي الهزيل، أعيدوا لمن كان خير جليس في الزمان هيبته ألا وهو الكتاب، أعيدوا إلى ثقافتنا بريقها وجمالها وحقيقتها وأصالتها. دعوا فكرة القناة الثقافية تصبح حقيقة، دعوها تنمي مواهب أطفالنا وكبارنا، دعوها تنير أبصارهم وبصيرتهم، دعوا هذه القناة وغيرها من الأنشطة الثقافية الأخرى تنتشلها من كابوس (هيفاء وهبي) و(روبي).
دعوها تظهر الجوهر الحقيقي للحياة وتبين أن العلم والأدب والثقافة والشعر والقصة أنفع للروح وأزكى للنفس.. دعوا مثل هذه القنوات الثقافية تجوب بلدان العالم وتعرفنا على ثقافاتهم ليعرفوا ثقافتنا.. دعوها تحمينا من (تقليعات) (عمر ذياب) وقصات (يوري مرقدي).. دعوا البيت العربي يفتح أبوابه الثقافية للآخرين ولا يفتح صدور المغنيات على مرأى من شاشات التلفزة فيقولون هذا ما يملكه العرب.
أحمد سعفة
Q1Q1@UAE.US
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|